مسرحية

محمد عطاف

" مونودراما الفصل الواحد "

( تجربة واقعية )  

تأليف 
علاء الدين رمضان  

ضع إعلانك هنا

الإهداء

إلى زوجتي ..

    إلى أهلي وأصدقائي ..

.. .. .. .. .. .. إلى ابنتي ” رنيم “

    إلى سلمان الزموري ..

                   ومحمد عطاف ..

.. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

شموع المودة الوضاءة

شموس في الروح .. طالعة ، أبداً .. لا تغيب
                                        عـــلاء الدين

ساحل طهطا في : 15/10/2001م  

نص كخارطة الأسى طلعت به روح التشتت والنحيب .. وطن غنى له حتفاً وأسلمه الجراح  محمد عطاف النص والتجربة محمد عطاف الصديق الصدوق  المجروح بطعنة نجلاء في قلب الوطن وما بين ضال المنحنى وظلاله ضل المتيم في الهوى ثم اهتدى بضلاله

مفتتح

لمحمد عطاف

منزلة عظيمة في النفس ،

لكن لجرحه وانكسار أحلامه

أخدود هواجس

اعتمرت منعطف الروح ..

لمحمد عطاف

تجربة أكبر من أن تتقوقع في ذات .. ،

أو يعبر عنها هو ،

إنها انهيار الحلم الوحيد ،

الذي رفع من فوقه

سراج العمر ..

 

علاء الدين  

" وثيقة "

( خارج النص المسرحي )

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن أجن

قبل أن أصبح نزيل مستشفى الأمراض النفسية

أكتب إليك هذا الخطاب

أسعد لحظة هي التي أجيئك فيها أيها الشاعر العزيز ـ

وما كنت لأتهاون في الحضور في بريدك بشكل منتظم ، ضمن الصباحات المتفتحة ،

أو ضمن ضحى وضاءة ودافئة ..

ما كنت لأتهاون لولا تفاقم الأحوال

أحالتني الظروف على ما يشبه الحمق ، أو كان حمقاً فعلاً

الصراحة .. ، ولا حياء في الكتابة :

انعدمت فرص النجاح في الحياة ، استحالت إمكانات التعويض عما فات ، توالت ضربات الإخفاق من جميع الجهات ،

تقلص نطاق المحاولة ، واستبدت بي حقيقة واحدة /

انتهيت !

في خليط من المعنويات المشلولة والنفسية المتدهورة

 انتظرت أن أسكت حياتياً ، أنهار ، أرتاح ..

آخر النار رماد ، وعمق الصدمة إرهاق ..

فصرت لا أفكر إلا لكي أخطئ ،

 ولا أتذكر إلا لكي أتحسر وأبكي ،

ولا أحلم نهائياً   

رحلة العمر مجموعة لم ترص خطوة يتيمة تصلح للاعتزاز ،

والتجربة خارج الوطن ولدت فراغاً فظيعاً ،

فأكدت حالة العقم فيَّ

الدراسة قناع أكثر مما هي صدق ، فتصورني بهلواناً فوق الأرض ،

خارج  الدور .. ،

في خضم مأساتي أجدني مدمناً على المنومات والمهدئات والمسكنات والكحوليات ، بشكل انتحاري .. .. 

صفه مني هروباً ، أو ضعفاً ، أو استسلاماً ، أو هذه الأشياء مجموعة ، لكني حقاً في حاجة ماسة لأن أغيب ولو للحظة .. ،

أعاني الأرق ، أصيح :

ـ ألا أغـف عـني يا قدري !

لا خجل في حكي هذا الواقع الذي لا يطاق ، ويشفع لي عندك ـ أيها الشاعر العزيز ـ أني بعض كاتب .. ،

حاسبت نفسي بقسوة .. ، فأحسستني مظلوماً

وبالمقابل اعترفت أني عجزت عن تحقيق أبسط الأحلام ..

أذكرك بأن أحلامي كانت عادية وجميلة ، وكانت تدور كلها حول

الخبز والطمأنينة ، وكنت أتوضأ وأصلي

وأدعو ربي أن يستجيب لي في أحلامي ـ طموحاتي ..و

فكرت في أن أعود إلى بلادي ، إلى مجدي المتواضع العادي .. . ..

وبقدر ما تبدو المسألة سهلة ، بقدر ما أهدتني مرات إلى الجنون ، فكل يوم يمر ، يعمق تدهوري وضياعي

و أنا ما عدت صبوراً لحد الكتابة ،

لأنهار .. ، لا

فقط الليلة التي نمت فيها مفتوح العينين

والفجر الذي ينسج جزءاً كالحاً من حياة رجل ممتاز تحطم ،

رأيت الفجر ولم أر ضوءه ،

أنا وُلدتُ .. !

هذا صحيح ..

سأموت عند أجلي !

هذا كذلك صحيح ..

لكني لم أتمتع بعد بحياتي ،

قبل أن أجن ..

قبل أن أصبح نزيل مستشفى الأمراض النفسية ..

كتبت لك هذا الخطاب

أتمنى أن تكون بخير

المخلص

محمد عطاف

هولندا 20 من أكتوبر 1994م .

*  

محمد عطاف 

( النص المسرحي )

المكان : غرفة بمستشفى بينيكوم للأمراض النفسية والعصبية ، بهولندا .

الزمان : زمن نسكنه ويسكن همنا ، وهو متاح للتكرار دائماً مادامت هناك أحلام .. ، وطموحات .. ، وغربة .. ، تترقب .

الشخصيات : محمد عطاف .. ( شخصية واحدة ووحيدة ) .

*

محمد عطاف

ينكشف الستار عن واجهة مسرحية ، أو ستار آخر مرسوم بدقة ، رسومه عبارة عن إطار كبير من الزخرفة الإسلامية ذات الطابع الهندسي المعشق بالزخرفة النباتية ، في منتصفها مستطيل على شكل مشربية ، يُسمع صوت ديك يصيح ، ثم صوت خافت لمؤذن يؤذن من بعيد ، يتلوه مسمع من الموسيقا المشهورة المميزة للأذان في مصر ، ثم تتحول إلى موسيقا هادئة مناسبة ، تتحول بدورها إلى مقطوعة فلكلورية مغربية من المقامات الفاسية القديمة ، معزوفة على آلتي العود والطنبورة ، ينبعث في أرجاء المسرح ضباب كثيف ، وتتراقص في جنباته الأضواء الملونة ، ثم تتحول الموسيقا إلى موسيقا صاخبة ، وأقترح أن تكون مقطوعة معبرة من ( روك آند رول ) ، وترتفع الواجهة المسرحية أو الستار شيئاً فشيئاً حتى تغيب معالمه كاملة في سقف المسرح ، فيتداخل مع الموسيقا سيل جارف من ضوضاء الحضارة وتلوثها السمعي ، وتخفت الموسيقا شيئاً فشيئاً حتى تتوقف تماماً وتستمر الأصوات بعدها ، سيارات تنطلق بسرعة ، أصوات ماكينات ، أزيز طائرات ، هدير مصانع ، خرير ماء ، إذاعات ، تكات إلكترونية ، صفير موجي ، رقم على آلة كاتبة ، رنين هواتف .. .. ..

تخفت الإنارة تماماً حتى تصل إلى حد الإظلام ؛ ثم  تنار بقعتا ضوء ؛ واحدة عن يمين المسرح ، وأخرى عن يساره ، وهما متزامنتان في الحركة ، الأولى تتابع دخول شاب متوسط الطول والجسم والوسامة ، يبدو عليه التوسط في كل شيء ، حتى حركته، يسير جاداً نحو منتصف المسرح ، وبعد أن يتجاوزه بقليل أقترح استخدام حركة (محلك سر) العسكرية .

والبقعة الضوئية الأخرى تتابع سحب لوحات خلفية إلى الواجهة اليمنى للمسرح وهي تتحرك على الفراغ لتشغل خلفية المسرح تماماً ، والخلفية تبدأ بأهم المعالم المميزة لهولندا وبخاصة طواحين الهواء التي تستخدم تيمة في كل المناظر ؛ لكنها تخرج من الناحية الأخرى وتحل محلها الخلفية الدائمة الممثلة للمشهد المسرحي المقترح ، مع ملاحظة أن تَقَدُّم الخلفية يتناسب عكسياً مع الصوت الذي يخفت حتى ينعدم .

( إظـــــلام )

( إنــــــارة )

عند الإنارة يظهر المشهد المسرحي كاملاً ، والمشهد المقترح غرفة في مستشفى بنيكوم للأمراض النفسية والعصبية بهولندا ، نافذة الغرفة تطل على غابة رائعة ، أشجارها ذات خضرة داكنة تتبدى من خلفها في وضوح قمم ثلجية ناصعة البياض ، وغيوم كثيفة في الأفق البعيد ؛ وبالغرفة سرير صغير في أقصى اليسار ، يسمح بالمرور من حوله في كل الاتجاهات ، وبجانبه منضدة مربعة فوقها جهازا فاكس وهاتف ، وتتسع لبعض الأنواع من زجاجات وعلب والأدوية ؛ فوق الفراش يتمدد (محمد عطاف) بوجه متوسط الوسامة ، تغلفة مسحة القلق والاكتئاب .

يدق جرس الهاتف مَــرَّةً فيتململ فوق فراشه ، يدق مَـــرَّةً ثانية ، فيعتدل قليلاً .. يتفرس فيما حوله ، وكأنه يرى المكان للمرة الأولى .. ثم يعتدل مذعوراً ، يتساءل في اندهاش وعجب .. .. ..  

ما هذا الليل .. ؟ ما الذي أتى بي إلى هنا .. ؟

عـــطاف :

( يتكئ بظهره إلى وسادة كبيرة معدة للاتكاء من خلفه؛ يدق جرس الهاتف ثالثة ، ، ينظر بعد تفرسه في أجزاء المكان إلى السقف والسماوات ، ويقول باعتراف سمح ، كأنه يفرغ كأس الذاكرة من رعشة العجب ) :

آهـ .. !!؛ تذكرتُ الآن ، كنت سأنزف من جرح الكآبة، أسقط قطرة على رصيف الليل ، أبلسم أوجاعي بمواسم ”مليكة“ حين تحل بأرض الذاكرة قبل أن تندفع سيارة الشرطة نحوي .. نحو شبح متهرئ في ليل بائس .. ، فهربت .. .. ..

عـطــاف :

لماذا هربتَ .. ؟! .

صــــوته :
إنني مواطن خارج محيطه ، بلا شرعية .. ، أرفرف من خارج السرب ، فيتربص القناصون بي .. عـطــاف :
.. .. ، ولكن لماذا هربت ؟  صــــوته :
الهروب والبقاء كلاهما سيئٌ .. عـطــاف :
لكن الهروب يقتل كلَّ بوادر النجاة .. ! والأمل .. ! صــــوته :
والبقاء كذلك .. ، سيهشم آخر أطياف الحلم .. عـطــاف :
فاخترت الهرب .. صــــوته :
  نعم . . ، كي أظل طليقاً في براح هذا السجن الضيق .. ، قفزتُ صوب القنطرة ، نحو قلب المدينة، اخترقتُ درباً طويلاً ضيقاً ، كنت أدرك أن السيارة لن تتمكن من اختراقه ، لكن الطريق لم يعق أطيافهم عن ملاحقتي ، في داخلي المشرد ، كنت أحس بهم يطاردون دمي ، وأشعر بهم في شراييني .. عـطــاف :
( يدق جرس الهاتف برنين حاد متتابع ثلاث مرات متتاليات ، فيبتسم ابتسامة مشبعة بالذعر والمرارة ، ثم يعود لتوتره ، ويقول بلا مبالاة
من سيذكرني الآن ؟ عـطـاف :
( تستغرقه لحظات من الصمت والتفكير )
هل نسي صديقي ـ الوحيد هنا ـ شيئاً لم يذكره لي ، عندما هاتفني قبل دقائق ؟ .. ؛ لا .. قلت له سأنام .. ، قلت له إني أشعر بالنوم .. ، أيام مرت ما غمض الجفن قليلاً .. عـطاف :
( يدق الهاتف ، فيصرخ عطاف .. ) : 

مــــن .. ؟؟

                            مــــن .. ؟؟
الليل هنا شيطان أخرس يتحفز ..
 

عـطــاف :

( يدق الهاتف برنين متلاحق ، فيمدُّ يده للهاتف ، ويمسك بالسماعة .. ، يتساءل ) : 

من .. ؟؟

عـطــاف :

( يأتيه صوته متسائلاً ) :

محمد عطاف ؟؟!

صـــوته :

( يجــيب )

نعم ! من أنت ؟

عطاف :

أنا .. محمد عطاف !!

صوته :

يسمع رنيناً عالياً للهاتف ، بينما السماعة لما تزل في يده ، ثم يضعها ذاهلاً ، شارداً تماماً في شبه غيبوبة ، كأن شيئاً ما يشده بلا رحمة إلى لا شيء .. ، يجول ببصره في أرجاء المكان ، ويقول كأنه حالم يهذي ) :

محمد .. عطــ .. ــ .. ـــاف … عطاف :

( يبتسم ، ثم يقول بشيء من الانتباه ) :

محمد عطاف . من ؟ ..

عطاف :
( يصــــرخ .. )

محمد عطاف !. من يا مليكةُ .. ؟ أنا نطفة عربية في رحم الأرض المنخفضة ..

عطاف :

( يتابع كلامه بينما هو ينزل من فراشه فيكبو ، ويتجول متعباً داخل الغرفة ، ثم يتجه صوب النافذة في خلفية المسرح )

ضلوعه مغروسة في جنون الألم والانتباه لكل شيء من حوله .. عطاف :
( يلف حول نفسه وهو في طريقه للنافذة ، ويتابع حديثه .. ) :

يومنا هنا يبدأ بالاندماج داخل هذا المجتمع ، وننهيه بالعجز المبين ، وبينهما مشكلة أساسية ، هي التي جعلتنا تائهين في إطار منظومة محكمة من الدقة والانضباط .. ، مشكلة رئيسة ؛ يصنعها لنا نظام الاقتصاد العالمي .. إنه هو الذي يهيننا ويظلمنا .. 

                         أنا لست مصيباً في كل ما أقوله لكم، وما سأقوله .. ، فقط حالة من الاعتراف السمح هي التي تضعني هكذا .. آهـ ( مليكةُ ) .. أنت روح مشدوخة ، نصفها لامع كانطلاق البرق ، ونصفها منطفئ .. ، مختنق كأحلام الضعفاء في العالم الثالث .. ، فأحلام الضعفاء طريق قوي من لازورد ، مملوء بالسوسن في آخره ..، والكل يهرول نحو الآخِـرِ ؛ كي يجني السوسن..؛ لا يعبأ بالشوك المغروس من بطن القدم إلى الحلقوم ..  

عطاف :

الشوكُ في العالم الثالث .. وسراب الهدف أيضاً ..، أما في الأرض المنخفضة فالزهر بلا شوك والمتعة دانية تهصرها الرغبة في الأحداق ..

صـوته :

هـكذا سمعنا كثيراً عـن زهر الأرض المنخفضة والعربات الفارهة الحمراء ، ونسـاء أمسـتردام .. ، أضـواء الليـل الممزوجة بمياه النهر ..

عطاف  :

( يغير من نبرات صوته ) : 
  أنت تماماً يا عطاف .. ، أول من فرض عليه الحج إلى الأرض المنخفضة .. فيها سحر الفن سيملي على روحك الصافية مزيداً من رقة المشاعر والأحاسيس الجياشة ؛ وستكون أديباً متميزاً ، حينئذٍ يفخر أهل مليكة بمصاهرتك .. ..

عطاف  :

( يعود إلى نبرات صوته الأولى ) :

                         لم تكن مليكة حينئذ وحدها السبب ، بل كانت هناك أم مسكينة تنتظر معيناً تتكيء على مِنْسَأَتِهِ حتى تعبر بالعائلة إلى شط النور الخافت ؛ تخرجهم من قبو الظلمات .. ، وأنا ..

عطـاف :

( يدق بقبضته على صدره مرات .. )

وأنا .. ، أنا .. ، كم تُقْتُ لشم ورود الأرض المنخفضة .. ، فَظَلْتُ أجري .. ، وتجري العواصم خلفي ، وتسلمني الخطى لطريق يحترق من تحتي .. ، وأجري .. ، تلوح لي عربة حمراء فارهة في الأفق ، بداخلها طيف مليكة، في أبهى تجليات فتنتها ..

                         وأجري ..

                         وأم تنتظر أولى الحوالات لتداوي بها المرض الذي انغمس في فتوتها .. ،

                         وأجري .. ،

                         وأب ينتظر الحوالة التالية ليصلح بها سقف البيت الذي يبكي صقيع أهله في الشتاء ..

                         وأجري ..

                         وأخت صغيرة ما زالت على عتبات الحلم تنتظر واقعاً رفيقاً ، يمد يده إليها بملابس أنيقة في العيد القادم ..

                         أجري ..

                         أجري ..

                         أجري فوق طريق ناعم يحترق من تحتي ..

                         أجري .. ، وما ثم سوى قدمي التي تحترق ..

                         فاسمحوا لي أن أسقط قبل الحوالة الأولى ؛ التي تأخرت سنوات طوالاً .. كنت أنتظر فيها .. ، في كل مساء منها ..  

    عطـاف :
( يشير إلى ظلمة الليل خارج النافذة )
.. .. أن يأتي الحلم ، .. ضمن صباحات متفتحة  .. ، أو ضمن ضحى وضاء ودفيء .. ، أول حلم لي هو الانعتاق من ربقة أحزان الوطن .. إذ يُلوِّثنا بالعجز والانحسار .. ؛ تذرعت بقناع الدراسة وأتيت .. ، نعم .. عطـاف :
( وكأنه يواجه نفسه )
كانت أملاً .. ، كانت قناعاً .. ؛ كانت أملاً في أن أصبح من عتقاء العلم .. ، أمر إلى الإنسانية من فوق قنطرة العقل .. ، لكنهم تآمروا عليَّ .. عطـاف :
( يصمت كأنه أخطأ .. )
علينا .. .. عطـاف :
( يصمت ، ثم يقول مبرراً )    
لكنهم امتهنوا كل ما وصلت إليه من درجات العلم في بلدي .. قللوا من شأنه ، وحجتهم أن مناهج العالم الثالث قديمة وبالية .. ، صارت كقفاز رديء ألقاه السادة من العالم الأول إلى سلة المهملات .. عطـاف :
( يغير من نبرة صوته )
يا عطاف .. ، بلادكم لم تُقِمْ معنا اتفاقية فعالة فيما يختص بمعادلة الشهادات والخبرات العلمية .. عطـاف :
( يعود لصوته ) 
مصروفات الدراسة هنا باهظة ، والمساعدة غير موجودة إطلاقاً ، وأنا غير مسموح لي بالعمل في الأراضي المنخفضة .. ، ويجب عليَّ أن أبدأ التعلم من جديد .. عطـاف :
( يغير من نبرة صوته )
قبل الالتحاق بأية شعبة دراسية ؛ فاللغة أولاً يا عطاف .. عطـاف :
( يرجع لطبيعته الصوتية ثانية )
وعام يمضي في إثر عام .. ، يحوِّلُ تلك الرحلة إلى مغامرة عمر يضيع .. عطـاف :
( يلف في أنحاء الغرفة .. ، ثم يجلس على مقعد قريب منه في الناحية الأخرى للمسرح .. )
الصراحة .. إن فرص النجاح انعدمت تماماً في هذا العمر المتسرب ، بينما إمكانات التعويض عمَّـا فات صارت مستحيلة .. ، والإخفاق يواصل ضرباته بعنف وصلافة في كل جهاتي .. ، حتى تَقَلَّصَتْ داخلي رغبةُ الطموح والتجاوز ، واستبدت بي حقيقة وحيدة .. عطـاف :
( يقف ويتجه صوب النافذة ، وينظر منها إلى الخارج ، بينما يقول مع هواء تنهيدة عظيمة مكدودة  .. .. )
إني انتهيت .. عطـاف :
( يتجه متهالكاً إلى فراشه .. ، يجلس على طرفه القريب من النافذة ، وجهه ناحية النافذة وظهره للجمهور .. )
في هذا الخليط المتشابك ومن بين ركام الروح المحطمة والجسد العاجز .. ، انتظرت : أن أسكت حياتياً .. ، أن أنهار .. ، أرتاح .. .. .. عطـاف :
( يتمدد بجسده على السرير ، ثم تُحَلِّقُ نظراته في سماء الغرفة..)
صار الأمل الآن .. ، كل الأمل .. أن أرتاح قليلاً .. عطـاف :
( تخفت الإضاءة جداً ، ويُسْمَعُ رنين الهاتف مرة واحدة ، فيعتدل من فوق الفراش صارخاً .. ، يتزامن صراخه مع عودة الإضاءة لحالتها الطبعية .. )
ماذا لو صمت الهاتف .. ؟ عطـاف :
( يدق الهاتف خمس مرات متتاليات ، ثم يصمت ، يحاول أن يسد أذنيه بيديه ، ويدور في الغرفة .. ، يصرخ .. )
.. .. .. ، ينعق كغراب ، ماذا لو صمت قليلاً هذا الهاتف .. ، ليؤذن ديك البلدة مرات خمس .. ، أذِّن لي خمساً حتى يعتدل الطالع .. ، أذن لي خمساً كي أسكن برجاً محظوظاً .. عطـاف :
.. .. .. أي طالع ؟ .. وأي ديك .. ؟ صـوته :

( بنبرة المنتبه من غفوة )

                         تلك الأفكار القديمة ما زالت تعتمر الروح .. ، نجحت في أن تستعمرنا ، وفشلت في تجسيد الحلم ، أو حتى تهيئة فراش للأحلام ..

 

عطـاف :
( يمسح بيده فوق الفراش .. ، ثم يقوم بتؤدة للتجول داخل الغرفة .. )
الآن تصفعني الأحلام .. ، تصرخ بي أحلامي .. ، الواقع .. ، الواقع .. ، ثم احْلُمْ كيف تشاء .. ، الواقع .. ، ثم احلُم كيف تشاء .. .. .. عطـاف :
( يتوجع بعنف .. ) 

أية فانتازيا كنت أريد .. ؟ ما كنت أريد سوى أحلام عادية .. ، وجميلة .. ؛ كلها تدور حول الخبز والطمأنينة .. ، ليس أكثر .. ، تلك طموحاتي .. ، ما كانت تحوجني للصعود إلى الأرض المنخفضة .. ، لو أني من غير العالم الثالث .. ، لو أني لست ضعيفاً .. يحلم . . ، من أبناء الدول النائمة على أذنيها .. ، لا يشغلها غير الحلم .. ، لحى سوداء ورأس فارغ : كون هذا الهيكل .. ، ثم اغمض عينيك .. ، أنت الآن أمير الناس .. ،

                         تخيل .. ،

                         وكل الناس رعاع دونك ..

                         تخيل .. ،

                         لا تقرأ .. لا تصنع .. لا تصلح ..

                         كن إمعة .. وتخيل .. .. .. ..

 

عطـاف :
( يضحك ، ويدور .. ، يدور .. ، يدور .. )
ربما الأمر كان بحاجة إلى من هم مثلي ، ليصدوا مدد الطوفان .. ، وأنا في ظل هواني الذي يَتَلَبَّسُنِي هنا .. ، قررت العودة للوطن .. ، إلى مجدي المتواضع .. ؛ لأنير شموعاً للبسطاء على قرعات الطرقات الموحشة وفي الميادين الحالكة .. ، لكن العائلة رفضت بشدة ، سلبتني آخر أمل لي في المواجهة .. ، بل أشعروني بأن ما أراه على طوار الذات ليس سوى رماد آخر أسطول هُيِّئَ للرجوع فأحرقته عاصفة التشبث بالحلم الضائع … ، أنا هاجرت لأبني لغدي أسطولاً يمخر عباب العجز وظلمات الفقر ، لكن الغد يمر في إثر الغد ، وأنا أشعر يقيناً بأن في انخطاف كل غد .. ، يعمق تدهوري .. ، وضياعي .. عطـاف :
لذلك أردت أن تستريح .. .. .. صـوته :
نعم .. ، أردت أن أرتاح قليلاً .. ، قبل أن أواصل مسيرة مرهقة إلى باحة الجنون .. ، أظن أني من حقي أن أستريح .. ، ولو بهذا الأسلوب .. عطـاف :
( يجلس على المقعد ، عاقداً يديه خلف رأسه .. ، وباسطاً ساقيه أمامه .. ، وبعد برهة يستأنف حديثه بهدوء شديد .. ، قد يطفر منه شبح الانفعال .. ، لكنه يظل على نمطه الهادئ .. ) 

إن أخوف ما أخافه اثنتان .. ، طول الأمل .. ، واتباع الهوى .. ؛ فأنا واحد ممن واقعهم خوفك يا نبي .. ، فالأمل كماء ملح .. تغري رشفاته بالرواء ؛ لكنه يزيد الصادي عطشاً ، ويغرس في الحلق الظمأ ، إنه خطوة على طريق الرغبة والطموح .. ، خطوة سحرية واحدة .. ، بعدها يتحقق الرجاء ؛ ظننت ذلك .. ، فَخَطَوْتُها ، كما يحدث عادة ، .. وخطوة إثر خطوة .. ، ولا شيء يحدث إطلاقاً .. ، فقط أمنيات جديدة .. ، وأمنيات أخرى جديدة .. ، وأمنيات مؤجلة .. ، وأمنيات مُعادة .. ، حتى تتكدس الأمانيُّ ، تحدوها رغبة عجوز .. ، أمل إضافي في تحقيق الهدف .. ، ثم أمنية لاحقة في تحقيق أمنية واحدة .. ، أمنية أولى .. ، ويجرنا الهوى ، وتتقاذفنا الأهواء ، والطريق يطول .. ، والخطى متلاحقة .. ، لا يخالطها سوى صوت اللهاث والألم ، ويظللها الإخفاق والمهانة .. ، الأمر يبدأ هكذا .. ، دائماً يبدأ بالحلم .. ، ويستطيل .. ، كل منجزاتنا تبدأ بالحلم أو المصادفة .. أنا وحدي حلمت كثيراً .. كثيراً ، حتى دميت روحي .. ، كانت أحلامي معقولة ، فأبى الوطن عليَّ .. ، وحلمت .. ، وقد ساقني الحلم هذه المرة إلى أرض أخرى للأحلام .. .. ..

عطـاف :
( تُسمعُ تكات جهاز الفاكس ، فيقف ويتجه صوب الجهاز .. ، يتابع بعينيه الرسالة التي يستقبلها..، كلمة .. كلمة ؛ بينما يتابع في الوقت نفسه حديثه إلى أن ينتهي الفاكس من طبع الرسالة..)
.. .. .. كثيرة مهاجري التي حلمت بها ، وقد حلمت بأوطان أخرى .. عطـاف :
( يمسك برسالة الفاكس .. ، ويبتسم بمرارة )
نعم .. ، كانت هناك أوطان أخرى للحلم ، لا تشترط علينا الانغماس في المهانة قبل أن تسلب منا مشروعية الابتسام والتأمل .. عطـاف :
( يلوح في الهواء بالرسالة التي في يده )
.. لكنها الحياة .. ، تدور فوق رؤوسنا ، تدور الحياة كـأساً في إثر كأس .. ، وكلها مُتْـرَعَة بشقاءٍ مُـرٍّ .. عطـاف :
( يهمس )
الوطن .. ، كم حلمت به ، بالعودة إليه ، حلمت بأن أرى فضاءاته التي تدفق في أرجائها الخير والمحبة ..، وانبنت فيه روايات كالقصائد وأشعار كالكواكب المحلقة ، وتاريخ كأوصافه كل حين .. ، وأنا أحب هذه جميعاً : الكتابة والحلم ، لكن الحلم التهمني عندما عجزت كل نظريات القيم عن تقديم معونة مناسبة لصياغة أفكاري ومعتقداتي وطموحي .. ، لصياغة قيمتي .. ، حلمي .. !!  فتبدد حلم اليقين الذي أستحوزه  .. ، وأوجهه إلى حلم اللا يقين .. ؛ التجول في تيه العجز الذي يسوقني إلى التبدد والانصهار .. !! عطـاف :
( يتجول في الغرفة بشكل مضطرب يوحي بالتشتت ، يمسك بالرسالة بين عينيه ، ثم يمد بها يديه إلى أقصى امتدادهما أمامه .. ، يعيدها إلى موضع معقول أمام عينيه ، ثم يطبقها ويضعها في جيبه .. )
مشكلتي أنني أقرأ الفلسفة طبقاً لمناهج العالم الثالث .. ، المتاحة .. ، ذاك الذي لا تتجاوز مناهجه وثقافات علومه ، الآن ، نفايات العالم المتقدم نحو الجوهر .. ، إنهم يقرأون ويدرسون علوماً ومعارف أخرى .. ، بينما أنا كنت أسير عجزنا .. أقتات ما ألقاه من بقايا في سلة مهملات العالم والعلم ، حتى أَصْلُبَ طولي أمامهم ، لكنني تأقلمت مع انحناء نبش السلال الذي صار مهمة قومية ، حتى تقوس ظهري ، وتعودت الجوع مع الانحناء ، فأفكارنا ما زالت تفصل بين عالم الحق وعالم الواقع .. ، إن الأمر إلى هنا آمن كذلك .. ، لكني علمتُ .. ، علمتُ أن الأمن الحقيقي إنما هو في صياغة عالم واحد، مزيج من الكيان والظل..؛ النص والدلالة ..، المظهر والجوهر ..، السمو والواقع..، عن طريق السير في تيار العلم والصناعات التي تحسن الأحوال.. عطـاف :
( يخرج الرسالة من جيبه يبسطها أمام عينيه .. ، وتستغرقه القراءة للحظات .. ، ثم يقرأ منها بصوت عالٍ ، مع ملاحظة أن يظل حديثه متصلاً .. ، مع تغير الإنارة التي تتبدل تبعاً للموقف ، أو الحالة النفسية للبطل .. )
لا حيلة لنا في إرجاع وضع تقلص منذ قرون .. .. عطـاف :
( إضاءة خافتة جداً .. ، بينما تسلط عليه بقعة ضوء ضيقة .. )
نحن وإن كنا نستحق أن نكون مصدر الإنارة .. .. .. عطـاف :
( تتسع بقعة الضوء ثم تتعدد )
إلا أننا غير مسئولين عن الانطفاء .. عطـاف :
( إظلام تام .. ، ثم إنارة خافتة جداً وتسلط عليه بقعة ضوء ..)
وحتى ننير .. سيمضي جيلنا منطفئاً .. عطـاف :
( إظــــــــــــــــلام )
يتخلق الضوء في أحشائه لأجيال أخرى قادمة .. عطـاف :
( ضوء خافت .. ، ثم بقعة ضوء .. )
أي إننا سنظل منطفئين حتى نمضي .. ، الفرق الوحيد .. / السؤال .. ، أن نخصب الحلم في رحم الأرض .. / الوطن .. ، ثم نشعل جذوة الضوء .. عطـاف :
( إضاءة كاملة .. )
أم نمد الظلام إلى أعماق الروح كأسلافنا من بعيد .. عطـاف :
( تقل الإضاءة تدريجياً حتى تصل إلى الإظلام التام )
لذلك عد إلى لسانك .. ، لا يهم أن ترجع إلى أرضك ، فكل الأرض لكل الناس ، فقط عد إلى لسانك .. عطـاف :
عد يا محمد عطاف .. عد .. صـوته  :
( ينتشر الضوء بينما هو يتجه إلى فراشه ، يقف إلى جانبه ، يضع يده عليه ، ثم يجلس متهالكاً بالقرب من المنضدة .. )
عد .. ؛ ستجد من يبكي طويلاً لو تأوهت من ألم عابر .. ، عد .. عد لزمان يفرش وروده في ردهات قلوبنا ، ويطلق فراشاته الملونة في براح عيوننا .. ، عد .. عد .. عد لنا .. .. .. صـوته  
( صــــمــــت .. .. .. )
الوطن .. .. .. عطـاف
( يطبق الرسالة ويضعها على المنضدة التي يجلس بالقرب منها ، ينظر صوب النافذة، يبدو الليل أكثر ظلمة في الخارج عما كان عليه ، يصرخ .. ، ويُسْتَحْسَنُ إيقاف أجهزة الصوت عن العمل تماماً ، وتستثمر هنا قوة صوت الممثل .. )
لكن الظلام كثيف من حولي .. .. .. عطـاف
( إظلام تام ، ويسمع رنين الهاتف من خلال أجهزة مكبرات الصوت التي تتوقف فقط عندما يتكلم الممثل ، وتعود الإضاءة تدريجياً .. )
وغصة تعتمر حلقي .. ، تجثو على صدري .. عطـاف
( رنين .. .. .. )
ملل يترقب أنفاسي .. .. .. عطـاف
( رنين .. .. .. )
وتوتر يسكن بقايا الحطام فيَّ .. .. .. عطـاف
( رنين طويل .. .. .. )
كم آمل لو أصرخ فيعلو صوتي .. .. .. عطـاف
( رنين .. .. .. )
أصرخ فيسمعني العالم .. ، كل العالم .. عطـاف
( رنين .. .. .. )
أحب الناس جميعاً .. عطـاف
( رنين .. ، ثم إضاءة حالمة .. ، وموسيقا خفيفة .. ، ويعاد استخدام مكبرات الصوت للمثل الذي يخفض صوته ويتحدث بحميمية دافئة .. ، ويتم ذلك كله تدريجياً .. )
وأسمع همسات صدورهم  .. .. .. عطـاف
( تسمع أصوات بلابل مغردة وعصافير تسقسق .. )
وخلجات أرواحهم .. .. .. عطـاف
( يسمع صوت ناي حزين .. للحظات ، بعدها يعود توقف أجهزة مكبرات الصوت ، ويترك الممثل للأداء الحر ، متكئاً على صوته المجرد ..)
لكنَّ أحداً لا يسمعني .. .. .. عطـاف
( رنين عالٍ .. .. .. )
أنا هربت إلى الحلم ، حتى أجد من يسمعني .. ، فالحلم ذاكرة بلا أرض ، الحلم يحلو في الوطن .. ، فقط .. عطـاف
( رنين .. .. .. ) 
وطن للروح .. عطـاف
( يهدأ تماماً .. )
أريد أن أصرخ .. عطـاف
( يصرخ صرخة تنفجر من خلال مكبرات الصوت التي تعمل متزامنة مع صراخه..)
وطني .. ، خذني .. ، واحذر أن أصرخ ألماً .. ، رَبِّتْ بحنان فوق كتفي المقهور ، فقد حمل الألم طويلاً..، إني مجروح الروح .. ، فضمد جرحي بعطر أنفاسك .. ، حنِّط كل الجروح واقبرها بعيداً.. .. عطـاف
( يعود إلى انكساره ، فيقول بنبرات حزينة .. ) :
لكن الظلام كثيف من حولي .. ، كثيف داخلي .. عطـاف
( يخفت الضوء أثناء كلامه حتى يصل إلى درجة الإظلام ، ثم يجسد الضوء المرتعش حالة العجز والدوار التي يقع عطاف تحت تأثيرها ، ثم يعود الضوء إلى وضع الإنارة العادية ، حسب نمطها في العرض المسرحي )

أشعر بالعجز والدوار .. ، العجز حتى عن وأد الحلم الماكر الذي التهم كل الأحلام داخلي ، ثم تبدد وتركني بلا حلم  .. .. ..                          آهـ .. .. ، لو ينقشع هذا الظلام .. .. ..

عطـاف
( رنين .. .. ..  )
ويكف الهاتف عن رنينه الذي يمخر عباب الرأس .. عطـاف
( قرعات متتالية على باب خشبي .. )
.. .. .. ، تلك القرعات الكثيفة على باب الجرح ، توجز الألم .. عطـاف
( ينطلق ضوء أحمر خاطفاً كالبرق ، أشبه بالفلاش .. )
في ومضة كالموات والصاعقة ؛ .. حينما تصحو الأرض المنخفضة : سأحتقرها .. ، وأذهب صاعداً إلى وطني .. من جديد .. عطـاف
( صوت صياح الديك مرة واحدة .. )
سأعلن أن ثمة أحلاماً أخرى تنتظرني كي أحققها .. ، أساعدها على الخروج إلى حيز النور والشمس ، أبني بها لبنة في صرح وطني أنا .. ، أكبر .. فنكبر نحن .. ، كفانا .. لقد كبرتم واستيقظتم على أصوات صحونا نحن .. عطـاف
( يصيح الديك .. )
أنا فنان يرسم المحبة بالمحبة ، لن أترككم في دناءة الأرض المنخفضة تجبرون محبتي على رسم ملامح الألم بالحقد والهوان .. عطـاف
( يصيح الديك .. )
سـألف في مرافئ لساني، أختار أيها يستطيع أن يحقق لي حلماً..، ثم أنثره على وجوه مرافئنا زهوراً فواحة بالحنين والرجاء .. عطـاف
( يصيح الديك .. )
لكن لو يسقط هذا الظلام المعلق في نافذتي فأستريح .. عطـاف
( تزداد الإضاءة إبهاراً ، بينما يزداد الخارج حلكة كما يظهر من النافذة .. )
لو يسقط .. ، أو أنام قليلاً .. عطـاف
( يدق رنين الهاتف .. )
بل سأصحو .. ، لن أنام ثانية .. ، فقط سأُحَوِّلُ القلق والتوتر الذين يمنعاني من النوم ، إلى رغبة في الصحو ، تمنعني من النوم ، سأمد يدي من النافذة وألتقط الشمس أضعها فوق رأسي ، ليصحو العالم ، ويراني أركل الأرض المنخفضة .. ، أهرع إلى نصب قديم راسخ أَعْوَذَهُ تمثال الحلم في حديقة الذاكرة .. ، لقد وصلت أخيراً إلى قناعة أكيدة في أن معرفتنا المطروحة بالمستقبل يجب أن تظل في وجداننا .. عطـاف
أخيراً عرفت .. ، كشفت عن قناعة راسخة بناءة .. ، فالحلم وحده ليس وسيلة للوصول إلى موضع مستقبلي ، إنه مجرد وسيط إرشادي .. ، قد يخطئ .. ؛ فالأحلام مرحلة إطارية ، تحدث فيها كل المراحل الممكنة في التوقع ، حتى تكون مطروحة للحكم بعين الخبرة والقدرات .. صــوته

إنا جردنا الأحلام من كل شيء إلا الجموح والفانتازيا ..                          فأحلامنا كلها وردية ..

عطـاف
لأننا نعيش صراعاً حاداً بين الإحساس الطاغي بالقصور ، ومحاولات التعويض الفاشل .. صــوته
لذلك نتقهقر دائماً وبانتظام ممل .. عطـاف
( يحاول أن يخرج يده من النافذة فتصطدم بالظلام ، وكأنه صخرة أغلقت النافذة عليه ؛ فيصرخ .. ) 
لا .. لا .. ، سأخرج الشمس ثانية .. ، سأخرج الشمس ثانية .. سأخرج الشمس .. عطـاف
( رنين .. .. .. )
سأخرجها لأحلم حلماً أعيش به .. ، ويعيش .. ، أحلم حلماً يقفز من الذاكرة .. ، يتخلق محسوساً بين يديّ .. عطـاف
( رنين .. ، وتخفت الإضاءة جداً ، بينما هو يتهاوى ممسكاً بالنافذة التي تظهر لأول مرة على حقيقتها ، إنها مجسم ورقي ، والظلام فيه مجرد تصوير دقيق على قماش ، يهوي إلى الأرض ، فتظهر الخلفية الحقيقية للمسرح : نافذة من الألوميتال محكمة الغلق ، يصيح الديك ، والشمس صادحة في الخارج .. ، تتسرب أشعتها من الزجاج ، وتسقط على رأسه ، فيتأملها برهة ، ثم ينتفض واقفاً متهالكاً ، يصرخ بصوت مبحوح .. .. .. )
إنهم رسموا لي الظلام بدقة حتى أظل حبيساً فيه حتى لا تستيقظ روحي .. ، لأظل كما علمونا في الفلسفة : جسداً محصناً .. ، حطاماً مكوماً على صخرة من الواقع المهشم .. ، لكني الآن أستعيد لحطام الجسد عامود الروح ، فأنتصب واقفاً .. ، سأنتصب .. عطـاف
( يحاول فتح النافذة طويلاً .. ، إلى أن تنفتح بصعوبة ، وتعود الإضاءة لما كانت عليه ، بينما يتدفق من النافذة سيل جارف من الضوضاء : سيارات تنطلق ، أصوات ماكينات أزيز طائرات ، هدير مصانع ، خرير ماء ، إذاعات ، تكات إلكترونية ، صفير موجي ، رنين هواتف .. يتجه مندفعاً نحو الهاتف ، يجرب رقماً ، ثم يقول : ) 

 صديقي ..
                         دعني أراك قبل أن أغادر ..

عطـاف
( يصمت .. .. .. )
.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

* * *

نعم ..‍‍ ، والأرض المنخفضة أيضاً .. عطـاف
( يصمت .. .. .. )

.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

* * *

كلاهما الآن المشفى والمهجر .. عطـاف
( يصمت .. .. .. )
.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

* * *

لا .. ، لن أظل ثانية فيها .. عطـاف
( يصمت .. .. .. )
.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

* * * 

سيظل مستشفى بنيكوم جرحاً .. ، لكنه غير كل الجراح التي عذبتني .. ، إنه أهداني حلم الشفاء من الأحلام العاجزة المقهورة ، أيقظني لأتابع الهرولة وراء أحلام أخرى .. ، لعلها تجدي .. عطـاف
( يصمت .. .. .. )
.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..

* * * 

أنا أعتقد أن بقائي ـ إن بقيت ـ سيكون انحناءً مشرعاً بلسان أعرج لا أستطيعه ، ولا أكاد أسيغه .. ، بل أمقته .. ، فأنا أعرف أني لو بقيت بعاهتي .. سألطخ ملابسكم أنتم ، أجركم بي إلى الخلف ، وأهدم ما تبنون من نجاحات .. ، أنا الآن اقتنعت بأن لي دوراً أقوم به في أوطاني ، كل مكان يتخذ لساني وطناً له ، فهو وطني .. ، في أيها تحقق الحلم سأبقى .. عطـاف

( يضع سماعة الهاتف .. ، ويمشي فوق أرضية المسرح متجهاً إلى أقصى اليمين بينما كل الديكورات تبتلعها جهة اليسار ، حتى يصبح المسرح خلواً من الديكور ، ويعتمد هنا على الأضواء ، وأجهزة توليد الضباب السينمائي ، بينما يظل عطاف سائراً ، وعندما يتجاوز منتصف المسرح بقليل يُقْترح استخدام حركة ( محلك سر ) . ثم تعزف الموسيقا مقطوعة فلكلورية مغربية على آلتي العود والطنبورة ، ويتجمد المشهد ، ويتكاثف حوله الضباب .. والأضواء الملونة .. وتعلو الموسيقا ، وتتدلى من أعلى المسرح ستارة مرسومة بدقة ، عبارة عن إطار كبير من الزخرفة الإسلامية ذات الطابع الهندسي المطعم بالزخرفة النباتية ، في منتصفها مستطيل على شكل مشربية ، وتتحول الموسيقا المميزة للأذان ، تلك المشهورة في مصر ، ثم يُسمع صوتٌ خافت يؤذن .. ، وديك يصيح ..

وتأخذ الإضاءة في الازدياد حتى تصل إلى حد الإبهار .. ، 

تسكت الموسيقا .. ، ويظل المؤذن بصوت خافت يردد أذانه .. ، والديك يصيح .. .. ..

ســـــتـار

 

 

*
وهنا
تنفصل قطرة دم
عن منبع النزف .. ، تغادر
جرحاً لم يزل يتفـتــــق ألماً .. ؛
وربما .. ، يظـــل طـويلاً هــــكذا ..
سـمكة ظامـئة في صحــــــراء هـولندا
إنــــــــــــــــــــــــه
* محــمـد عـطــــاف *
انتهى النص المسرحي في أكتوبر 1995م
ساحل طهطا
عــلاء الدين رمـضـان
*

 

ضع إعلانك هنا


*  ( نشر هذا النص المسرحي في دورية ” شئوون ثقافية “ التي يصدرها مسرح رأس الخيمة الوطني بدولة الإمارات العربية المتحدة ، إصدار أغسطس 1999م ) .

الخروج من القلعة نص من المسرح الشعري يعمل فيه الشاعر علاء الدين رمضان على إبراز دور المكان بإبراز الدور الرأسي للسرد من خلال تعاقب الزمن وثبوت المكان وما بين التواريخ في الحقب المختلفة من تشابهات أيديولوجية ونفسية

نماذج من مسرحيات الشاعر علاء الدين رمضان .. ( سمكة ظامئة ) صدت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 2002

مسرحية بعنوان ( محمد عطاف ) نص مونودرامي يحكي عن أزمة العربي مع الغرب ومع نفسه ، وعطاف شخصية واقعية تعيش في هولندا

         

 

وكالة آرس للبحوث والنشر

وكالة آرس للبحوث والترجمة والنشر والخدمات العلمية والثقافية المتخصصة في مجال العلوم الإنسانية والإبداع الأدبي والدراسات المعرفية

Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and NorwegianFreeTranslation.com - Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and Norwegian المترجم أقوى معين لفهم محتوى الصفحات يترجم من العربية إلى الإنجليزية ومن الإنجليزية إلى معظم اللغات ذات الأصل اللاتيني فضاءات الترجمة  .. نماذج من أعمال الشاعر علاء الدين رمضان  المترجمة إلى الفرنسية

Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and NorwegianFreeTranslation.com - Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and Norwegian المترجم أقوى معين لفهم محتوى الصفحات يترجم من العربية إلى الإنجليزية ومن الإنجليزية إلى معظم اللغات ذات الأصل اللاتيني 

صهيل القصائد .. صفوة الشعراء العرب وعيون القصائد العربية

صهيل القصائد .. صفوة الشعراء العرب وعيون القصائد العربية

شبكة الأخوين الثقافية .. من الأخوين بهاء الدين رمضان وعلاء الدين رمضان إلى كل الأشقاء العرب

شبكة الأخوين الثقافية .. من الأخوين بهاء الدين رمضان وعلاء الدين رمضان إلى كل الأشقاء العرب

فضاء السيرة الذاتية للشاعر

فضاء السيرة الذاتية للشاعر علاء الدين رمضان

أَرِنِي بعينيك .. يا صديق .. أسمعني صوتك الحر

هذا أنا .. ذا واقف أغني بانتظار بريد الوداد   .. فشاركني المحبة .. شاركني الرأي والاجتهاد  
محصي الزائرينمحصي الزائرين كتاب الرواية والقص .. منعطفات النثر أيها الشاعر .. أطلق للصهيل قصائدك  ..  شاركنا البراح أحتكم إليك في أمري .. فدع صوتك الحر يصل إلى أذني Counter محصي الزائرين

الشعر اللهجي     الموقع : أخبر به صديقاًالشعر الفصيحكتاب الزائرين
الموقعُ : أخبر به صديقاً


إعلانات الموقع


غابة الدندنة
HOME PAGE
 Home Page  الرئيسة  
Home Page  الرئيسة
E-Mail  Guests  Help  Line
http://bounce.to/ars Server