غابة الدندنة .. الموقع الرئيس للشاعر المصري علاء الدين رمضان ، ووكالة آرس للبحوث والترجمة والنشر والخدمات العلمية والثقافية يتمنيان لكم المتعة المفيدة مع قراءة هذه الرواية للأديبة المصرية المعروفة الأستاذة جمالات عبد اللطيف محمد

كن للقريب شمعة وللبعيد فناراً يضيء ( الشاعر : علاء الدين رمضان)ـ

غابة الدندنة

وكالة آرس للبحوث والنشر

قسم الخدمات الثقافية 

الرواية

يا عزيز عيني

الفصل الثالث
الإعلان

 

3

     فتاي الطيب/ مسعود :

     بعمري اشتري لقاءك إلا خمس دقائق منه ، استبقيها لأملي عيني من وجهك وأمر بيدي على رأسك ، أسمع صوتك ، أرى التعديلات التي اجراها الزمن على صورتك ، وأضع آخر أنفاسي بين يديك وأرحل في هدوء .. في سلام .

      مسعود .. هل أنت بخير ؟ أنا لست كذلك .. ولن أكون بخير مادمت عني بعيد . كنت لي كل الخير .

      الحنطة ولبن البقرة وأريج النعناع واخضرار الأرض وغناء العصافير .. كنت كل شيء خيّر وجميل ، أعرف أنك تشتاق لمعرفة أخبار أمك وأخباري وأخبار الطيبين في قريتنا .

أما عن أخباري يا مسعود فهي مخجلة ، موجعة ، قاتلة ، سأموت بجراحي يا مسعود .. بأوجاعي المتضخمة الممددة داخل خلايا جسمي وفي عروقي .. مطعونة أنا في صميم كرامتي ، لا أدري من أين أبدأ حكايتي .. لا أدري ‍‍‍!! .

بعد رحيلك بأيام وفي أمسية أكثر شؤما من أمسية رحيلك اجتمع فيها كل أفراد عائلتي بينما ملائكة الخير والعدل والرحمة هجرت أرضنا .. سماءنا .. ذهبت إلى أرض أخرى وسماء أخرى .

     عمي الأكبر جاء يخطبني لولده ومعه هذا الحشد من رجالات العائلة لم تطل جلستهم عن الساعة ، خرجوا بعدها وقد اتفقوا على كل شيء ، بل وقرءوا الفاتحة .

      لم أصدق يا مسعود لحظة أن علمت .. صرخت ، لطمت وجهي ، حملت تراب البيت ورماد الفرن فوق رأسي ، أخذت أجري كالمجنونة في البيت أصعد السلم مسرعة ثم أهبط ، أدور حول الأعمدة ، أتخبط في الجدران ، دعوت الله أن يأتي بريح عاتية تقتلع العالم كله وتذهب به للجحيم ، يا حسرتي يا مسعود ويا ... قلة حيلتي إلى من أشكو مصيبتي ، ما أضيق هذا الكون، جباله زحفت حتى أطبقت بعضها على بعض ، وسماؤه هبطت وضغطت على أرضه ، ولم يعد فيه متنفس ، طيور الحزن الجارحة الشرسة حين رأت قلبي يسقط مخضباً بجراحه ، هجمت عليه وراحت تحدث فيه ثقوباً لتعشش فيه وإلى الأبد .

      قبلت أقدام أمي وطلبت منها التدخل لكي تنقذني ، أمي كانت أكثر مني حزناً فهي تعرف جيداً أخلاق " جابر " ابن عمي، وقد كانت واحدة ممن شاهدن تعذيبه الوحشي لزوجته الأولى التي أذاقها كل صنوف العذاب ، أيكون لي هذا الرجل الكريه .. ذو العينين المخيفتين والفم الغليظ ، والوجه الغاضب ، والشارب المدبب الحواف كقرني جاموسة وحشية ؟

     أيكون لي هذا الرجل الذي يقترب ابنه من عمري ؟

     في الصباح قلت لعين الشمس :

      - خذيني يا عين الشمس

     أغمضت عيني وانتظرت أن ترفعني بعيداً عن أيديهم ، ولكنها لم تفعل !! وفي المساء صعدت إلى السطح وناديت السماء :

     - يا رب إما أن تنقذني من ظلمهم أو تأخذني عندك ، أو تتركني أقتل نفسي على ألا تحاسبني على تلك الفعلة ؟ أيصعب عليك يا رب تنفيذ ما طلبت ؟

      قالت جدتي وهي تغالب ضحكها وتواري دموعها في آن واحد :

     - جننت يا ابنة الكلب وكفرتي !! .

      وآه ..آه يامسعود من تلك الأيام والليالي الطويلة ... الطويلة المريرة التي تجرعت وحدي مرارتها .. حين علم أبي برفضي الذي بلغ التهديد بالانتحار ، وقد علم بذلك أعمامي وبقية أفراد عائلتي ، وقد اجتمعوا كلهم وأخذوا يلومونني وينهرونني ، ويتهمون أبي بأنه أخفق في تربيتي، وذكروه بأن له بنتين كاملتين الأخلاق . لما طلبهما عمها الأوسط " رشاد " لم تنبس واحدة منهما ببنت شفة وذلك لأنه - من وجهة نظرهم - قد احتجزهما في البيت قبل أن تكمل الواحدة منهما العاشرة من عمرها ، أما أنا فقد تركني أخرج حتى بلغت الرابعة عشرة .

      أحدهم تطوع وصحح لعمي المعلومة ، وقال بثقة :

     - هي تزيد على السادسة عشر ، لكنه لا يظهر ذلك عليها

      وتطوع آخر بتزكية نيران الغضب ، فنهض وأمسك بكلتا يديه فتحة جلبابه ، وأخفض صوته وضغط الكلمات بين أسنانه وأتقن دور الرجل الكاتم لأمره ، الحامل في صدره هم كبير كان يحمله وحده في صبر وصمت يحاكي صبر الجمال ، وقال :

ـ بالعربي البنت عاشقة ، وهذا ما يجعلها ترفض ابن عمها .

     قالها وجلس في ركن قصي يتطلع إلى وجوههم التي تشبثت بوجهه .. وليرى ما سوف تسفر عنه تلك القنبلة من ردود أفعال، وبالطبع وكما توقع راح الجميع يسألونه .. عن أسم العشيق ، وكيف حدث هذا ؟ ومتى كانت تقابله ؟! .. الخ .

     ولكن أبي أوقف الجميع عن الكلام ، وعندما سدد لكمة قوية في وجه الجالس بعيداً وهو يصرخ فيه :

-      كله إلا هذا يا ابن الـ ..........

    لكن الرجل المحمي من قومٍ جاءوا ليضغطوا وينفذوا مشيئتهم بأية وسيلة حتى وان كانت رخيصة .. مقززة .

     أخذ يكرر ما قاله ويصر عليه .. وقد نال تعاطفهم جميعاً واهتامهم ، وكادوا في لحظة أن يفتكوا بأبي ، وقد أجبروه على الصمت ، وسكت الجميع وخلت الساحة تماماً لهذا الأخرق الذي لم يكن رأيه يعتد به .

     قال الرجل مقلدا جمال عبد الناصر حين أعلن تنحيه عن منصبه :

     - البنت بتعشق الولد مسعود ابن حجازي ، كانت تجلس معه طوال النهار ينتقلون معاً من مكان لآخر . كان يراهما سعد أبو دومة عامل الطرق وهما يمضيان على الطريق الذي يتولى رشه ، وكان يراهما وهما يجلسان فوق ضفاف الترعة كتفه في كتفها .. يتهامسان .. ويضحكان ، ويعزف لها بالناي ، ويغني في عينيها مواويل .

     قال جملته الأخيرة وهو يلقي بعمامته فوق الأرض .

      وقبل أن يفيق أبي من ذهوله ، قام أكثر من شخص مؤيداً ما جاء على لسان هذا الشخص ، بل أطلقوا لخيالهم العنان .. وراحوا ينسجون الحكايات الملفقة الكاذبة ، ويهبطون بهوانا إلى الوحل المتساقط من خيالهم الوضيع .

     وانقضوا عليّ يزأرون ، ويبصقون ، ويصفونني بأبشع الصفات ثم دفعوا بي خارج مجلسهم وأعلن عمي الأكبر والد العريس بأن زفافي سيكون في نفس يوم زفاف " زينب " و " أمينة " في ثاني أيام عيد الفطر ، أي بعد شهرين .

      هرولت يا مسعود ، وقد أطاح هذا القرار بما تبقى من عقلي ، بحثت عن المقص ، حتى عثرت عليه .. وجززت شعر رأسي كله ودخلت عليهم لأعلن رفضي واحتجاجي ، ورأسي مكشوف وجدائلي في يدي ، فأثار ذلك جنونهم ، حاصروا عنقي بشفرات سكاكينهم ، ووجوههم الكالحة وأصواتهم المبحوحة ، وأنفاسهم اللاهثة المتعطشة لدمائي تطالب بإعدامي .

     كلماتهم الغليظة تخرج من بين أسنانهم الصدئة المتوحشة ، مؤذية .. مفزعة .. مميتة .

     أمسك عمي بكتفي الذي صار هزيلاً بعد رحيلك يا مسعود ، هزني بعنف ، فمه الغليظ يهذي بكلمات مجنونة :

     - أيتها الكلبة المريضة ، شوكة في الحلق .. أنت سكين في الضلع ، خنجر في الظهر أصابنا جميعا بالعجز .

     أناتي وتأوهاتي لا يسمعها أحد سواي .

     تشتد قبضته القاسية على كتفي وعظامي الهزيلة مثل قشرة البيضة تكاد تتحطم بين يديه المتحجرة ، قال لي :

      - أمامك يومين إما أن تعدلي عن رأيك هذا أو نذبحك .. أتفهمين ؟ .. سنذبحك ونلقي بجثتك العفنة في النيل .

***

     اجتمعت أمي وعماتي الثلاث ، وقد أجمعن على أن يأخذونني ويذهبن بي إلى نجعٍ شرق النيل ، حيث يقطن الشيخ " أبو الدهب " ليكتب لي حجاباً .. بفعله أكرهك وأُقبل على الزواج من ابن عمي .

     أبمقدور هذا الشيخ أن ينتزعك من رأسي ، من كبدي ، من قلبي ، أبمقدورهم جميعاً أن ينتزعوك مني ؟ صعب .. صعب .. صعب انتزاعك فأنت ملء العين والرأس والقلب والعروق ، وصورتك وان احتجبت موزعة على أهداب عيني ، ومسام جلدي وبويصلات شعري .. ممتلئة بك أنا حتى التضخم ، حتى الثقل ، أبداً لن ينجحوا فيما يرمون إليه حتى وان سحقوا كل خلايا مخي ، حتى وان أهدروا كل دمي نقطة .. نقطة ، حتى وأن مزقوا أحشائي وسلخوا جلدي وبعثروا أنفاسي .. أبداً .. أبداً لن يقتلعوك من صميم روحي .. من نفسي.

***

       في المساء ألبسوني " طيلسان " أمي الأسود وشالها الكبير وأخذوني .. أمي وعماتي الثلاث ، دفعن بي دفعاً أمامهن ، أتعثر في الطرقات الملتوية كالأفاعي ، هذه الطرقات التي تشاهد الآن إهانتي كيف سيواتيني الجرأة وأمر عليها بخطواتي بعد الآن .. بالله كيف ؟‍

      فوق شاطئ النيل جلسنا في انتظار " المعدية " واسع قلب النيل يا مسعود أوسع من تخيلاتي ، هل تذكر العم " مجاهد " راعي الأغنام ، كنت أحب الجلوس بجواره وأستمع بشغف إلى ما يرويه عن الفراعين فقد ظل حارساً لأحد المعابد في " قنا " حقبة من الزمن ، بعد أن شارك في بناء السد العالي ، يقول أن الفراعين كانوا يخرجون من توابيتهم مساءً ويتحدثون إليه .

     كان العم مجاهد يقول لي :

     - أنت يا صالحة آخر عرائس النيل .

     وكنت تغضب يا مسعود وتحتج وتقول :

     - بل هي عروسي أنا يا عم مجاهد .. النيل لايتزوج .

     ويكمل العم مجاهد :

     - يوماً سيجيء القمر عند أطراف أقدامك ، وسيفتح لك النيل بابه الواسع العظيم ، وسيخرج لك من قلب النيل قصرا ذهبياً أكبر من كل قصور الدنيا ، وسيباركك آمون وتلبسك نفرتاري طرحة العُرس ، وسيملؤكِ الفرح ، وتخلدين مثلهم .   

وكنت تقول لي يا مسعود :

     - لا تجلسي مع هذا الرجل الشرير ، أنه يريد أن تغرقي في النيل حتى لا أتزوجك ‍‍ !!

     وأهمس له :

     - العم مجاهد طيب ، أنه يحكي لنا أساطير جميلة ومسلية.

***

     ركبنا المعدية وراح المراكبي يضرب بمجدافه أمواج النيل الهادئة ، والنصف قمر يتأرجح على سطح الماء ، ناح المراكبي بصوته الشجي المؤثر ، البالغ الحزن :

وكم يا قلبي تحمل   و كـام تشيــل

أنت مـدينة قلبي   و لا عيون النيـل

وكام تشيل يا قلبي   وكـااام تحمــل

أنت مدينة يا قلبي   ولاعيون البحـر؟!

     همس آمون أكاد أسمعه ، يناديني :

    - انهضي ياعروس النيل ، وأغمضي عينيك إذا النيل يفتح لك ذراعيه فكل معشوق يغمض عينيه في صدر حبيبه ، قولي للنيل هيت لك .

     وصورة نفرتاري تظهر لي على سطح الماء تبتسم ، ترفع يدها ثم تختفي ، ونصف القمر يأتي طيعاً عند أقدامي .

     أغمضت عيني وهمست :

     - أيها النيل سأمنحك جسدي بلا أدنى تحفظ .

    ولما هممت بالنهوض تشبثت بي أيادي أمي وعماتي ،إحداهن زرعت كل أسنانها في أصبعي لأفيق من حُلمي .

     اقتربنا من الشاطئ ، والمراكبي بوجهه الأسمر وعمامته البيضاء وقميصه الدبلان ، يواصل نواحه الباكي :

وكااام تحمل ياقلبي  و كـام تشيـل

انت مدينة يا قلبي   و لا عيون النيل؟!

***

     النخل السامق يحيط بذلك النجع الذي يقطنه الشيخ " أبو الدهب " حُيّل إليّ أن هذا النخيل ما هو إلا أشباح متنكرة في هيئة نخيل .

     هذا النجع الغريب وغير مريح ، بيوتاته كلها كانت على نسق واحد ، كلها من الطوب النيئ ، كلها قصيرة ملطخة بالجير الأبيض ونوافذها ضيقة مستطيلة ، وأبوابها باللون الأسود ، وغير قليل منها ينعكس عليها الضوء المقابل ، فيظهر لونها القاني .

     أما الطرقات فهي مخادعة ، تعلو وتنخفض كأمواج البحر ، كأنها أفخاخ نصبت عمداً لتصيدك وتسقطك على فمك .

     لغط كثير ينساب من النوافذ وهمهمة ، لكنا لم نسمع بكاء طفل ولا ضحكة بنت ، ولا خوار بقرة ، أو صهيل خيل .. أو حتى نباح كلب .

     هذا النجع لا يمكن أن يكون سكانه من البشر ، مؤكد تسكنه الشياطين ، أمي تشعر بالخوف مثلي ، تهمس في أذن عمتي :

     - نجع هذا أم قبر أعوذ بالله .

     كريه بيت الشيخ يا مسعود ، رائحته النتنة لم يفلح البخور المحترق في تطيبها ، عشرات القطط تحوم حولنا .. تثير في نفسي خوفاً قديماً وسيدنا الشيخ يضرب برأسه يميناً ويساراً بقوة وعنف ، يزمجر بكلمات مضغوطة غير مفهومة ، يمتلأ فمه زبد ويتدفق هذا الزبد فوق لحيته الحمراء بفعل الحناء في منظر مريع .. بشع ، وتذهب عيناه بعيداً بعيداً ، لا أدري لها مستقراً ، أمتلئ يا مسعود رعباً ، صوته الخشن كفيل بأن يهتك ستائر أمنك الداخلي .

      سأل أمي عن حاجتها فقدمتني إليه ، وطلبت منه عمل حجاب محبة لي ، لكي أتقبل الزواج من ابن عمي .

     سألها عن أسمي وأسم العريس وأسم أمه ، ثم تفحصني بنظرة مخيفة ، وطلب من أمي وعماتي الثلاثة .. إخلاء المكان والانتظار في الغرفة المجاورة .

      ولما اختلى بي ، ابتلعتني عيناه الكبيرتان المخيفتان واقتربت خطواته مني حتى كاد أن يلتصق بي ، وتلاحقت أنفاسه ، وشمر عن ساعديه فظهر ما عليهما من شعر غزير .

      عيناه الباردتان المخيفتان أحسست بهما تنتزعان الشال المحكم حول عنقي وصدري ، يريد أن يكشف عن هاتين القُبَّتين الصغيرتين الناتئتين اللتين تخبئان تحت ستر الشال القطيفة الأسود .

     اقترب مني خطوتين .. خطوتين ، قال بصوته الجبان :

     - يجب أن تنامي على ظهرك وتكشفي عن ثيابك حتى موضع سُرتك ، لأن حجاب المحبة لا يكتب إلا حول الُسرة .

     رفضت يا مسعود ، وقاومته أمام عناده ، صرخت فاهتاج مثل الثور ، أسقط رأسه للخلف ، وجحظت عيناه ، وتشنجت أصابعه مثل أظافر الحدأة ، وضرب الأرض بقدمه وأخذ يردد :

     - أعشق .. أعشق صراخ الصغيرات تسكرني ، آآه اصرخي يا قطعة السكر ، اصرخي أكثر .

     يا لمصيبتي يا مسعود لماذا يلقون بي في هذا الوحل . لماذا؟.

     ذراعاه الغليظتان أحاطا بي .. لم استطع الفكاك منه ، يصر على رفع ملابسي ، يقول أنه مثل الطبيب لا حرج عليه وعليَّ أن أكشف عن جسدي ليمارس عمله .

     لم أفهم ما يعنيه بقوله : " أنه سيزيل الشمع من جسدي ليتدفق الشهد " !! .

     وصوته كفحيح الأفاعي يردد بجنون :

      - أريني ثديك الصغير الجميل لأكتب لك حول الحلمة حجاباً يجعلك تقبلين على الزواج بشهية حتى وإن كان هذا الزوج قرد، حمار ، ثور ، بغل ، أي رجل .

     أخذ يلهث كالكلب ..لا ألف عمر .. لا ألف عمر تنسيني ما حدث .

     كاد الشيخ اللعين أن يـ "....." لولا أن كشفت عن رأسي الأصلع ، فلما بُهت انزلقت من بين يديه ، أمسكت بالمبخرة النحاسية التي سقطت بجوارها وهويت بها على رأسه العجوز ، نهضت بسرعة وقبل أن يجذبني إليه مرة أخرى ضربت الباب بقدمي مرتين وملأت الغرفة صراخاً وعويلاً وأخذ هو يصيح بجنون :

     - أعشق .. أعشق صرخات البنات .

     وآه يا مسعود .. يده القذرة الخشنة مسحت كل جسدي ، وزرعت فيه مليون شجرة عار مريرة .

     أخذت أبكي وأهذي باللعنات والشتائم .

     أمي وعماتي أخذن يقبلن يده الآثمة ليصفح عني ، ويحفظني من خادميه " معشر الجان " .. ويؤكدن لي أني صغيرة ولا أفهم شيئاً ، ثم أخذن يلكمن أضلعي المتورمة ويقرصن ذراعي التين اعتصرهما منذ قليل ، وطلبن مني أن أقبل يديه اللتين انتهك بهما حيائي وذبح بهما كرامتي منذ قليل ، وطلبن منه بإذلال أن يسمح لي بتقبيل يديه لكي تطمئن قلوبهن ، ويتأكد لهن أنه قد صفح وغفر وسامح جهلي وقلة تقديري ليده الطائلة المباركة .

     أخرجت أمي من  صدرها منديلاً كانت قد صرت فيه ثمن خلخالها ، أعطته له بالكامل ، ودس هو في يدها بضعة أوراق ملوثة بحروف حمراء .

     عمتي نبوية أخذت تعدد من كرامات الشيخ .. وتقسم بأغلظ الإيمان لولاه ما أنجبت بدرية بنت تفيدة ، فلم تترك طبيباً في البندر إلا وذهبت إليه دون جدوى لكنها لما جاءت إلى هذا - المبارك - لم تمض إلا تسعة أشهر حتى أنجبت ولدها "عاصي ".

***

     مسعود .. هذا الوطواط أمتص بفمه المجنون رحيق كل زهور الخير والجمال التي روتها يديك الخيرة ، مليون شيء جميل أفسده ذلك الماجن ، مليون شيء سحقه بحذائه الغليظ .

      ثقب بوحشية أذني ، ودلق فيها كلاماً يصعب عليّ قوله ( هل خلق الله مثل هذا الكلام ؟ ) .

     آآه يامسعود .. عفونة كلماته لا أقدر على التخلص منها بسهولة ، حتى عيني أنتزع منها بأظافره كل صور الجمال .. زرقة السماء ، اخضرار الشجر ، ألوان الفراشات ، نوار الحقل، نور القمر ، لم أعد أرى غير صحراء تعج بنباتات الصبار ، وبالأفاعي السامة والذئاب المفترسة .

     مسعود .. أين أنا ؟ وإلى أين يأخذونني ، ولماذا يفعلون بي كل هذا ؟ ولما لا يقتلهم الله جميعاً .. لما ؟! .

***

     في المندرة الخانقة الرطبة .. الفقيرة الضوء ، الضيقة المنافذ ، تحددت إقامتي .

     قال أبي وهو يزرع أظافره في كتفي :

     - مادمتي عرفتي تثوري وتحتجي وتتحدي وتعشقين من وراء ظهورنا ، فأنت إذن فاجرة قد تهربين يوماً ، وتضعين رؤوسنا في الوحل .

     ثم أخرج من جيب " الصديري " مطواة قرن غزال ، وشهرها في وجه أمي ، وقال لها بصوت مفعم بالكراهية :

     - إن رأيتها خارج هذا الباب سوف أمزقها وأمزقك فوقها وألقي بكما للكلاب .

     ثم هدد أخوتي بالقتل إن اقتربوا يوماً من غرفتي ، أو تحدثوا يوماً إليَّ وان جرى هذا الحديث من وراء الباب .

      صعب يا مسعود ، والله صعب أن تدفن حياً داخل قبر لاتدري متى طلع النهار ولا متى حل المساء .. وعزّ عليّ أن تبقى بينهم الأغنام والبقرة والكلب دوني .. وأبقى أنا وحدي داخل هذا الجحر ، أتأوه ، أبكي ، أتلوى من شدة الألم ، أنزف من داخلي ، لا أحد يحس بي ، طيف الشيخ الشرير يشق الجدار، يستغل وحدتي وانشغالهم عني ، يشق صدري ، يقبض بيده الخشنة على قلبي يقتلعه ويأكله ببرود .. ويضحك ..يضحك بجنون ، وحين يشتد بيّ الألم وأصرخ ، يصيح بجنون :

     - أصرخي .. أعشق .. أعشق صراخ الصغيرات .. أصرخي .. أصرخي .

     لما نام الجميع .. تسللت خارج المندرة المظلمة ، وذهبت إلى دورة المياه ، كان وجه الشيخ القبيح يملأ المرحاض ، يضحك لي ، خفت ورجعت مسرعة إلى زنزانتي ، حين دخلت كان الشيخ في الركن المظلم ينتظرني يمد ذراعيه الكبيرتين ، يتناول خاصرتي ، يعتصرني .. أصرخ .. أبكي ، يمد فمه الغليظ يرتشف دموعي ، ويصرخ من فرط سعادته :

     - شهد دموعك يا بنت ‍‍!!

     في حضن من أرتمي ؟ وبمن تأنس روحي ؟ وأنا لا أجرؤ على الهرب من هذه الغرفة القاتلة ، لأتوسط شقيقتي أمينة وزينب وأنام بينهما ، لا أجرؤ أن أنام في حجر جدتي وأطلب منها أن تقص عليَّ إحدى الحكايات لتأخذ خيالي بعيداً عن عالمي الذي صار مروعاً ومخيفاً ، ولا أجرؤ أن ألقي بنفسي في حضن أمي وأقول لها :

     - أنا خائفة ، خائفة ، لتربت على كتفي وتقرأ الفاتحة والمعوذتين ، فهي لا تحفظ غيرهم ، و " تطبطب " على ظهري وتمر بيدها على رأسي لتعيد إليَّ جزءا من أمني الذي أنتزعوه من أعماقي ومزقوه وبعثروه .

     قد صار كل هذا عليَّ حرام .. حضن أمي ، حجر جدتي ، دفء أخوتي .

     بذراع من أحتمي يا مسعود ؟ بذراع من ؟! .

     أعود بصمت لغرفتي ، لوحدتي ، لسجني ، يمتلئ سقف الغرفة بالوطاويط التي تجذبها جراحاتي الكثيرة ويمتلأ المكان بالقطط الوحشية التي تتشمم لحمي الملقى بإهمال على الأرض .

     من يمسح من مخيلتي طيف الشيخ ، ويهش الوطاويط العمياء عن سماء غرفتي ، ويطارد هذه القطط التي أرسلها الشيخ لتفزعني وتدفع بي للجنون ؟ .

     مسعود هل كنت تعرف أن الدنيا فيها مثل هذا الكلام الوقح الذي يهتك بكارة الأذن بمثل هذه الوحشية ؟.

     هل ما عشته من قبل كان مجرد حلم جميل قد صحوت منه، أم أن الذي أنا حِـيَاله ما هو إلا كابوس مزعج وسوف ينقضي حالما انقضى الليل وأشرقت من جديد شمس الصبح الآتي ؟

     تتابع الأيام وتتوالى ، وأنا في سجني هذا أفتقد الإحساس بالزمن .. يخيل إليَّ أني سجنت منذ ألف ، ثلاثة آلاف عام ، أمثلي أنت تفتقد الإحساس بالزمن ؟

     نعم أنت مثلي مسكين ، متخم بالألم مثلي ، وحيد مذبوح . تنزف من داخلك .. ولا تجد يداً حانية تطيب جراحاتك ، تجفف

دموعك ، تحتضنك .. تعيد إليك أمنك .. مثلي أنت ومثلك أنا يا مسعود ..

     في الركن المظلم داخل سجني أظل مكورة على نفسي حتى يؤذن لصلاة الفجر فتفر الشياطين وأنام ، وحين تعلو الشمس .. أسمع صرير الباب يفتح ، يلقون إليَّ بطعام الإفطار وقلة الماء ، ثم يغلق الباب من جديد ، وعندما أصحو أضع لقمة واحدة في فمي الجاف بصعوبة  أمضغها .. وأحاول ابتلاعها واشعر بها كأنها شفرات حلاقة ، ابتلع جرعة ماء واستلقي في مكاني ، يفتح الباب بعد ذلك مرة أو مرتين ولا أفتح عيني ، وحينما يهجم المساء ، ويبرك على المكان ، تأخذ حرارة جسمي في الارتفاع الجنوني ، وتتحول البراغيث إلى قطط وحشية ، والناموس إلى وطاويط ، والفئران إلى ذئاب ..

      لا أنام ..

      ومن الكوات الصغيرة تقفز إلى غرفتي شياطين الجن .. يفصلون قدمي عن ساقي ، وذراعي عن كتفي ، ورأٍي عن عنقي .

     أنظر إلى هذا الطفح الذي أصاب فمي ولساني وجلدي كله لم ينتج عن ارتفاع حرارة جسمي ، بل هي آثار أظافرهم القذرة

***

    هذا الصباح لم أستطع الذهاب إلى المرحاض ، ليس بسبب خوفي من طيف الشيخ الذي يختبئ هناك ، ولكن لأنني لم استطع النهوض بمفردي ، أريد من يعينني لأستند إليه ، أبي سيبقى في البيت لن يبرحه لأن " السادات " سيخطب اليوم ، هذا ما تداعى إلى سمعي في هذا الصباح .

      قطعاً سيقتل من يعينني ، فهو يرى أنه لا حق لي سوى قي لقمة الخبز وجرعة الماء مثلي في ذلك مثل الكلب .

     أصواتهم تصل إليَّ كأنها أصداء تأتي من واد بعيد .. بعيد ، مناوشات زينب وأمينة واختلافهما الدائم حول أعمال البيت ، وصراخ أمي المستمر معهما والذي ينتهي دائما بجملتها المعتادة:

     - وحياة أمكما لن تفلحا أبداً ، ومن تعمر منكما في بيت زوجها تجيء ساعتها وتبصق على وجهي .

       وضجيج أبي وتعليقاته على كل كلمة ينطق بها ”السادات“ وتشكيكه المستمر في قدرة الأخير على محاربة اليهود ورد ما أخذوه في يونيو 1967 ، وتعليقه الساخن بأنه رجل " خواف " لا يجرؤ على النطق بكلمة حرب ، فما بالك بالحرب نفسها ، ثم عراكه المستمر مع أخواي هلال ومهران وتنكيله المستمر لهما ، وعدم الرضا عن أي شيء يقومان بعمله .

     وعديد جدي الباكي وصوتها ينفطر له القلب وهي ترثي جدي وعمي يحيى :

                     روح ياحبيب وانا جايه وراك

              ياريت بإيدي كنت رحت معاك

     وصخب ولهو أخوتي الصغار ، وصوت الخالة مريم يملأ البيت أما أن تأتي بأشياء أو لتأخذ أشياء ، فهي في تبادل دائم مع أمي لأدوات المنزل ولأشياء أخرى .

      ثم أخذت أصواتهم تتلاشى تدريجيا وذهبت أنا في نوم عميق طويل بلا أحلام ، شيء يشبه الموت .

     لم أعد أسمع صرير الباب ولا صوت الأقدام ولا آذان الشيخ علام ، لا أعد أسمع صرير الباب ولا صوت الأقدام ولا آذان الشيخ علام ، ولا صياح الديكة ، هل رحلوا جميعاً وتركوني بمفردي أم أني مت ؟ .

     صحوت ، أفقت ، لا أدري متى ؟ بعد يوم .. خمسة ، ...كل الذي أدريه هو أني وجدت فوق المصطبة التي كنت أنام علبها مع أمينة وزينب من  قبل ، وظهري يستند إلى صدر أمي وخدها فوق خدي ، ودموعها تلسعني ، وجدتي تقول " عدودة " تناسب عمري وأمي لا تطيق ، تستحلفها بالله وبالرسول أن تكف عن هذا لأنه فأل سيئ ، وتريزة ، وفكتوريا ، وأمينة ، وزينب ، والخالة مريم ، قد تورمت أعينهن من شدة البكاء ، وهن يتناوبن إعطاء أمي أشياء دافئة ، تقوم هي بدورها بدلقها في فمي الذي تيبس وأخذ يطرد من جانبيه كل ما يُسكب فيه ، وكلهن يستحلفنني أن أحاول تجرع ما يقدمنه لي كي أشفى بسرعة وأعود إليهن ، وجدتي لا تدخر جهداً في سكب الخل وعصير الليمون فوق طُرة رأسي ، لكي يشفى ويذهب السخونة .

     العم شنودة جاء وجلس بجانبي ، وراح يذكرني بسهراتنا الجميلة التي توقفت طيلة فترة مكوثي بتلك الغرفة ، ثم راح يذكرني بغنائه الساخر ، الذي كان يترنم  به أثناء دوران “ النورج " فوق أطنان القمح ، إذ كان يُركبنا أنا وتريزة فوق دكة النورج ويقول

       أنا لا بكـدب و أهـول            ونردد : يا ليل يا عين

       الضفدعة شايلة المركب                   يا ليل يا  عين

       وابو الجمال ركب النخلة                   يا ليل  يا عين

       قلت له ارمي لي بلحـة                   يا ليل  يا عين

     كان يغني ونردد خلفه ونضحك كلما أكد أنه لا يكذب ولا يهول .

     وهو اليوم يردد هذا الغناء ليضحكني .. لكنه أبكاني .. أبكاني بحرقة .. وبكى معي وبكى أكثر عليَّ ، فقد نحل جسمي ، وشحب لوني ، وبرزت عظامي ، وغاصت عيني في محجرها ، وعلت على شفتي طبقة جلد ميتة جافة .

     هذه الأيدي الحانية يا مسعود قد تكون جفت الدماء المتدفقة من جراحاتي العديدة ،غير أنها لم تستطع الوصول إلى تلك الجروح ، فبقيت على ما هي عليه غير ملتئمة ، مثل قلبي نصف مبتور ولا هو التئام ولا هو توقف عن الحياة .

      في المساء حملتني أمينة على كتفها .. وصعدت بي إلى السطح .

     جلسنا فوق السطح .. كُلٍ يجلس بمفرده ، أما أسرة العم شنودة فلم يظهر منها أحد ، حتى النجوم في السماء على كثرتها فهي وحيدة ، لو أمعنت النظر فيها .. ما فائدة كثرتها وكل واحدة منهن تشعر بالوحدة والاغتراب .

     القمر أيضاً وحيد وسيبقى طوال الدهر وحيداً .

     سألتُ أمينة عن أسباب تأخر صعود أسرة العم شنودة للسطح ، فقالت لي :

     - أخت العم شنودة وزوجها وأبنها حضروا أول أمس من الإسكندرية ، وليس من المعقول ترك الضيوف ليصعدوا السطح للسهر معنا .

     قلت :

     - أعرف أخت العم شنودة ، فهي دائماً تحضر في عيد الفصح والجمعة الحزينة وفي موسم زيارة القديس شنودة ، ولكنها غير معتادة على تلك الزيارات المفاجئة ، ليست من عوائدها .

     زغرودة " فكتوريا " شقت تلال الصمت الجاثمة فوق صدورنا .. فأفزعتني ، أرعبتني ، أضحت الزغاريد لها نفس وقع الصرخات أو قد تكون أشد وطأة .

     تسللت أمي من جوارنا وهبطت إلى بيت العم شنودة من سلمهم . لم تبد على أمينة أية دهشة عقب سماعها لتلك الزغاريد ، وكان يكفي أن أنظر إليها لتفهم سؤالي الذي يتنطط في عيني ولتجيب عليه متطوعة ، قالت أمينة :

     - الليلة تمت خطوبة تريزة لأبن عمتها " هارون " .

     ثم أردفت وهي تتنهد بأسى وحزن :

     - فيكتوريا سيأخذها عمها لولده وتعيش في القاهرة ، وتريزة ستأخذها عمتها لولدها وتعيش في الإسكندرية ، يبدو أن الفراق وشيك ، ولن يمنعه شيء من اختراق صفوفنا .. وبعثرة شملنا .

      ثم اختنق صوت أمينة وصممت عن الكلام ، وجدتي تضع يدها على خدها وتنظر إلينا بعينين حزينتين وتعقب كعادتها بعدودة :

       وكيف العمل يابوي فـ  فراق حبابيبنا

دا فـراقـهم والله دوب كـبايـــدنا

     آه يا وجعي يا جدة .. الضارب في الأعماق ، النيل يا جدة الواسع الكبير لو ألقيت فيه بوجعي فسوف يغلي ، يلتهب ، ويبقى وجعي ملتهباً ، كل أنهار العالم لن تفلح في إطفاء النيران المضطرمة في أحشائي ، لو بحت لكِ بما في نفسي فلن تجدي عدودة تتناسب وحالتي .

     طلبت من أمينة جرعة ماء تلطف من نيران أحشائي فنهضت من فورها تهز ردفيها الممتلئتين الناضجتين ، وخصرها المستدير الناحل اللوبي ، يميل لليمين واليسار ، انحنت تعطيني الماء وجدائلها الطويلة الناعمة تسقط أمامها ، مَدَّت يدها السمراء الملفوفة ، المزنوقة في الغوايش الباغ الحمراء والصفراء والخضراء .

    في عيني أمينة ابتسامة ما ، لا تصفح عن سرها لأحد ، حتى وهي حزينة .. حتى وهي تبكي ، تتشاجر مع زينب ، تبقى تلك الابتسامة ، أنها تتعامل معنا بحنان ، وذكاء ، وهي على صغر سنها تتصرف بحكمة وصبر  وهدوء .. تتفوق فيه على أمي .. وهي كثيرة الامتثال لأوامر والدينا .. شيء يشبه استسلام " إسماعيل " لسيدنا " إبراهيم " .

      تستطيع أمينة أن تشق لنفسها طريقاً ، وتهيئ لذاتها مكانا معقولا في كل موقف مهما كانت صعوبته ، عكس " زينب " أمي تفهم هذا جيداً وتتعاطف كثيراً مع زينب ، وتصفها بطيبة القلب ، وسلامة النية ، وتصف سلوكها الحاد معنا بأنها جادة وعراكها المستمر مع أمينة بأنه غيرة من العمل ، وتصف عدم اكتراثها بابن عمها ذلك الذي عُقد قرانه عليها بأنه " تعفف " في الوقت الذي تصف فيه أمينة بالدهاء والمكر ، وتصف رقتها بالليونة المخيفة ، وهدوءها بالخبث ، تقول عنها دائما :

     - هذه ساهية ، داهية ، ماء من تحت تبن .

      ولعل تعاطف أمي مع زينب يرجع إلى افتقار الأخيرة للقبول ، وهي على هذا حادة الطبع ، دائمة التكشيرة ، مما جعل أبناء عمي يفرون منها ويبتعدون ..كلٌ يريد الفوز بأمينة لولا تدخل عمي " رشاد " الحاسم ، وإرغامه لابنه الكبير أن يتزوجها وإلا سيكون نصيبه الطرد من البيت والأرض والقرية كلها .

     وكان عمي يقول بأنه أرغم شخصياً على الزواج من ابنة عمه ، ثم يعقب بجملة قصيرة دالة :

     - هيَّ عيشة والسلام .

     قد يكون عبوس زينب ما هو إلا احتجاجاً على  كرامتها ، وتعبيراً عن جام غضبها إذ أن أحداً لم يراع مشاعرها ، حتى أبي إذا ما رآها وأقدم على قضاء شيء وأخفق ، يصيح في وجهها بتلك الكلمات القاتلة :

     - والله وش أبوك فقري ، ومنخارك الطويل يقطع الخميرة من البيت .

     وذلك يجعلها ناقمة على الحياة ، قاسية على هؤلاء الأغبياء الذين يُحِيطونها بتلال من الانتقادات الشائكة المريرة غير العادلة .

 

 

المؤلفة
من سيرة الكاتبة : جمالات عبد اللطيف

جمالات عبد اللطيف 

وكالة آرس
للبحوث والنشر والخدمات العلمية والثقافية

القاهرة 2002

أكتب تعليقك .. شاركنا المودة والرأي
أكتب للأديبة

الفصل الأخير

الفصل الرابع

وكالة آرس للبحوث والترجمة والنشر والخدمات العلمية والثقافية

الكاتبة

7 6 5 4 3 2 1

مدخل

غابة الدندنة : موقع الشاعر المصري علاء الدين رمضان

غابة الدندنة : موقع الشاعر علاء الدين رمضان .. .. الإبداع الأدبي .. قسم الرواية   الفصل الثاني

منعطف الرواية

محصي الزائرينأحتكم إليك في أمري .. فدع صوتك الحر يصل إلى أذنيأَرِنِي بعينيك .. يا صديق .. أسمعني صوتك الحر براح للمشاركة .. أكتب لنا مباشرة من خلال الموقع دون بريد إلكتروني محصي الزائرين
وكالة آرس للبحوث والنشر والخدمات العلميةعلاء الدينشبكة الأخوين الثقافية

بحوث ودراسات

كتاب الرواية والقص .. منعطفات النثر من الأعمال المسرحية للشاعر علاء الدين رمضان صهيل القصائد .. صفوة الشعراء العرب وعيون القصائد العربية الخطو على مدارج المدينة القديمة ، ديوان شعري للشاعر علاء الدين رمضان ، الطبعة الأولى 1993 ، منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق
الموقع .. أخبر به صديقاً كتاب الزائرين .. وثائق المحبة  ونكهة الوداد .. انقش رسم الخطى وظلاً في البراح مع الزائرين .. فأقم في كتاب الزائرين .. ولا تكن عابراً في المقيمين .. Counter محصي الزائرين Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and NorwegianFreeTranslation.com - Free Translation from Arabic to English and from English to Spanish, French, German, Portuguese, Italian and Norwegian المترجم أقوى معين لفهم محتوى الصفحات يترجم من العربية إلى الإنجليزية ومن الإنجليزية إلى معظم اللغات ذات الأصل اللاتيني فضاء السيرة الذاتية للشاعر