ذبحوني يا مسعود ووزعوا لحمي الطازج فيما
بينهم ن وشربوا من دمي نخب انتصارهم الزائف
الرخيص ، ألبسوني كفني الأبيض ، وامتلأ البيت
بالمشيعين وأخذوني إليه ، سحبوني مثلما سحبوا
بالأمس ولد البقرة الذي باعوه لجزار القرية ،
وقالوا : زوجك ، ويعلم الله أني لست زوجته
فليعذبهم الله بكذبهم وبأوراقهم الزائفة
الملطخة بالعار .
ووجدتني يا مسعود في غرفة صفراء بلون
الموت ، خانقة ، مخيفة كالقبر ، شقيقاته
الثلاث الشريرات اختطفن الطرحة من فوق رأسي
ليشاهدن إلى أي مدى وصل نمو شعري ، وامتلئُ
خوفاً .. وشعري المبتل ينكمش ، ويلتصق بجلدي
خوفاً ورعباً .., وذلك الذي أصبحت أسيرته يدفع
بهن للخارج ويغلق دونهن الباب .
أخذ يحدق بي ، يتفحص كل مليمتر في وجهي ،
عنقي ، جسدي بعينين كبيرتين كأنهما بؤرتا
خراب ، انكماشي وذعري ورعشة خوفي تثير فيه
حيوانيته وما تربى عليه من عنف منذ أن علمته
أمه أن تخويف البنات وإثارة فزعهن حين يقدم
عليهن هي قمة الرجولة .
وأمه تلك الساحرة الشريرة كانت تحكي بفخر
كيف تتجمد البنت من أخواته رعباً إذا ما رأته
قادما وفي فمها قطعة لبان تمضغها ، ويا ويلها
لو رأى كحلاً في عينيها ، أو قرطاً يتدلى من
أذنها أو سواراً يحيط بمعصمها ، ويا ويل ويلها
إن سقط شالها من فوق رأسها وتركت شعرها يتنفس
وأبطأت في وضع الغطاء عليه ، ويا الف ألف
ويلها لو سمعها يوماً تردد مع ( الراديو ) إحدى
الأغنيات العاطفية ، وحين تتجمد أمامه
كالتمثال تشتعل فيه شهوة الضرب ويبلغ قمة
حوانيته وعنفه .. حتى جعل منهن كائنات متبلدة
الحس ، لاشيء يخيفهن ، لاشيء يفرحهن ، لاشيء
يؤلمهن .
يحق لشقيقي مهران أن يضرب رأسه في الحائط
حتى يدميه، وهو الذي سيدفع بجحيم الوسطى في
الأسبوع القادم ، أما هلال فهو كفيل بالكبرى ،
وبمواجهة الموقف بصلابة فهو عائد لتوه من
مواجهة جنود إسرائيل ، أما الصغرى فهي تثير
رعب أمينة وزينب من الآن لأنها ستكون
سلفتيهما بعد بضعة أيام .
وجدتني يا مسعود مقتولة بين يديه وسموم
أظافره تسري ألماً ومرارة في جسمي الصغير ، في
دمي .. مليون عار حملوني بها حتى الآن .
مسعود لا تحزن .. لا تحزن يا مسعود .. فما
أخذه مني كرها واغتصابا بمقدور أحقر
الحيوانات أن يأخذه من أنثاه .. وتبقى لك .. لك
وحدك بكارة قلبي ، ولهفة نفسي ، واشتياق روحي
، وسهر عيني ، وهيام فكري ، وندى حناني ،
وينابيع عاطفتي .. لك وحدك كل ما هو غالٍ
وإنساني وجميل .. لك وحدك ما هو سامٍ بعيداً عن
متناول الأيدي القذرة الملعونة .
لا أدري يا مسعود كم مر من الوقت عليَّ
وأنا سجينة هذا القبر الذي يحتوي على أشخاص
مرضى ، شواذ ، كانوا ينتقمون مني بطرق عديدة ،
قذرة ، غير آدمية ، كنت أقضي يومي كله في أعمال
منزلية شاقة تفوق طاقتي وقدراتي ، وفي المساء
يكمل هذا الثور الوحشي على ما تبقى مني .. وأنا
لا أملك دفع هذا الأذى عني .. كالموتى تأكلهم
الديدان فلا يستطيعون الذود عن أنفسهم .
لا أدري كم سنة أكلها من عمري هذا الوعد ،
وهل عرف فتية الكهف عند يقظتهم كم من الوقت
مضى عليهم في رقدتهم هذي ؟
كنت في غيبوبة تفوق الموت في ثقلها ، ما
عشته يمر أمام ذاكرتي ككابوس قاتم اللون ،
غالبية صوره باهتة ، محترقة ، قليل منها صارخ
شديد الوضوح ، كل ما أعيه وأذكره هو موت عبد
الحليم حافظ ، والسلام مع إسرائيل ، ومقتل
السادات .