أسماء هاشم وعالمها القصصي (* )

( الدخول في أعماق النفس البشرية )

 

شهرزاد الجنوب                الدراسات والبحوث

 

     الدخول إلى عالم القاصة ( اسماء هاشم ) القصصي ، يشعرك بالدهشة ، ويفتح مسامات قلبك وعقلك معاً، فهي قاصة تدخل عالم المشاعر الجميلة ، والأحاسيس المفعمة ، قادرة عن التعبير عن دواخل النفس البشرية بلغة فيها الكثير من الشفافية / الصدق ، تنصهر في اللوحة القصصية / المشهد ، تعبر مسامات الشخصية / البطل ، تعبر عن مشاعر الأنثى ، واقعها ، حلمها ، مايحيط بها وما يعتريها وما يطرأ عليها من خصوصية، حتى عندما نجد محور القصة رجل .. نجدها تبرز في حياته الأنثى . تجسد بيئتها ببراعة ، عالمها بصدق فني ، تستفيد من كل تقنيات فن القص ، وماوصلت إليه القصة الحديثة من تطور فني في الشكل والمضمون / البناء . لذلك فهي تبعد تماما عن القصة التقليدية ذات الدلالة الواحدة والبعد الواحد ، تبعد تماما عن الحكي المباشر .. وتدلف بنا إلى الحكي المراوغ .. تتعامل مع بناء القصة بوعي ، وتطرح الشكل بفنية ، تجرب بإتقان ، لذا نجد القصة عندها سلسة ، والبناء متماسك ، قادرة على طرح الداخل / النفسي ، بالخارج / المحيط المؤثر . راسمة من هذا البناء الحدوتة

     لندخل مسامات طرحها .. لنتعرف على عالمها أكثر بعيدا عن الكلام النظري .. فنجد في قصتها (( عمر أبيض )) ([1]) تدخل في أعماق البطلة / مشرفة مدرسة ، العانس .. العمر الأبيض كما يرمز العنوان .. تقدم لنا عالمها الداخلي ، ترسم لنا صورة مؤثرة ومعبرة عن واقعها المرير ، تجسد وحدتها بسرد غير مباشر ، وبرمزية محكمة ، وتبدأ هذا الصراع بالتلميذة التي يواتيها المغص في الفصل فجأة ، مغص بداية الخصوبة ، بداية الدخول في عالم جديد مغاير لعالم الطفولة والصبا .. وتتداعى لها الصور وهي تناول البنت قرص المسكن : (( اصطدمت عيني بنتيجة الحائط أوراق قليلة باقية .. تساقطت الأخرى لتعلن انقضاء عمر الخصوبة وخمسة شهور في عمر جديد )) .

     أنه الرمز والإيحاء .. لرسم اللحظة / الموقف ، تشير إليه دون تصريح .. بمراوغة فنية .

     جسدت لنا حالتها النفسية بصور متتالية ، صور تعبر عن دواخلها بشفافية : (( فزعة نهضت لازج المكتب الذي اهتز نافضا غبارا كثيفا شكل سحابات داكنة تمددت ورائي ودخلت معي الى غرف نومي .. استراحت على المرآة .. مسحتها واطلت على وجهي ، تجمدت ملامحي على تقطيبة الحاجبين وزم الشفتين اللتين أخفي تشققهما شفاه ))

      والبنات حولها يمارسن حياتهن الطبيعية ، فتشعر بمرارة (( حلاوة الخطوبة ياابلة . ألوك قطعة الحلوى التي تستحلب في فمي مرارة الانتظار الطويل )) .

      تصبغ شعرها لتواري وجع السنين..

     ولكن نفاجأ بعد ذلك بنزع القناع .. إزالة الصبغة من على الشعر ، التطهر من الزيف ، لتواجه الحقيقة ، فتشعر بالراحة (( الآن فقط تحررت من الخوف على الجسد وانا انام في غرفتي وليس بيني الحارس إلا بابا مفتاحا في يدي ورغبة متأججة في الأمتار التي بيننا .. باش قناع وجهي ، واكسبني الشعر الأبيض وقارا ومهابة جعلني اضع كوبين من الشاي وافتح باب المبنى لأجلس الى جوار الحارس الصغير أؤنس وحدته بحكاياتي عن الذكريات الحميمة في بيت الطالبات )) .

    لقد جاءت النهاية غير تقليدية .. نهاية تسلم بالـ (( عمر الأبيض )) هذا العنوان الدلالة ، التي طرحته القصة بعمق ، متوغلة في عمق النفس البشرية ، مكثفة الصورة القصصية في لوحات متتالية مترابطة ممتزجه كلها تعبر عن الحالة النفسية للبطلة حتى تصل إلى مرحلة الخلاص / التطهر من الزيف ، لتزيل القناع / الأصباغ تحت الدش / الماء ، رمز الطهر .  

    وفي قصة (( سقوط السيدة رقم 1 )) ([2]) ترسم لنا في قالب قصصي يتماوج مع الحداثة ، مقدما لنا نموذجاً آخر للأنثى .. فنجد السيدة رقم واحد الآمرة الناهية المطاعة في بيت .. لها سطوة ومهابة ومكانة .. الكل يخدمها .. ولكن بمجرد سقوط الرجل الكبير / موته ، يبدأ الجميع في التمرد عليها :(( النسوة اللائي تتلوى أجسادهن الضامرة في الثياب ذابلة الزهور ظللن يحملن روث البهائم الناشف حتى عسكر الغبار المر في حلوقهن بصقنه .. وأشعلن النار في بطن الفرن .. ذبحن ذكور البط .. أوقفن اجترار الريق المبتل برائحة صهد الرغفة وبخار الطهي الشهي حين رأين السيد محمولا على أيدي الرجال .. وجهن للحظة وعدن الى عملهن . ماذا يعنيهن سيدة تروح وأخرى تجيء . لكن مابين غروب شمس وشروق أخرى ظلمة كثيفة تستر سرقتهن للأرغفة الطرية وأوراك ذكور البط ))

     (( واحدة من زوجات الأبناء وأكثرهن تحفزا تركت آل البيت مجتمعين حول السيد الملقى على الفراش كجبل مدكوك وخرجت الى حوش البيت المبعثرة فيه أشعة الشمس كشعر امرأة فكته فزعا على موت زوجها . التقطت المفتاح .. خبأته في صدرها .. لملمت وحدات العقد .. لضمتها .. قربته من صدرها فتوهجت شمس كبيرة على صدرها و تهيأت )) .

   هذا السقوط التي عبرت عنه القاصة بفنية وبسرد غير مباشر ، مستخدمة الإسقاط الواعي لهذه المرأة ، رابطة تلك الهالة للسيدة رقم واحد بتواجد الرجل في حياتها ، سندها ، ومتوج سموقها .. تفردها به ، وبدونه فقدت كل شيء ..

     أنه الرمز الذي يحمل أكثر من بعد .. وأكثر من دلالة .

      وتنطلق القاصة عبر قصتها (( الخروج من رحم الجسد )) ( [3]) تدخلنا إلى عالم له خصوصيته ، عالم تتوقف أمام عتباته ، تدلف إلى أعماقه لتجسد لنا الرمز ، من خلال البطلة التي تذهب إلى الدير للتطهر / الإعتراف ، تجسد لنا لحظة ذهابها حالتها النفسية ، قدرتها على تصوير هذه اللحظة بكل مافيها من شحنة نفسية / إنسانية ، منطقة وعرة حاولت إيلاجها القاصة والروائية ( سلوى بكر ) عبر روايتها الرائعة ( البشموري ) ونجحت ، وهنا تدخلنا ( أسماء هاشم ) هذا الالم بقصة صغيرة ، ولكنها تحمل دلالات وأبعاد  ، وتطرح الكثير .

      تسأل الراهبات :

     - متى سأصل ؟

     - بعد حروج جنين الروح

     - متى ؟؟

     - على درجات الارتقاء سيتوالى خروجه .

     (( بينها وبين خروجه سلم طويل .. طويل متباعدة درجاته بين كل درجة وأخرى مسافة روحية كبيرة ومزيد من التدريب الشاق على ترويض اشتهاء .. ))

    لقد استطاعت القاصة طارحة الرمز ، مجسدة لحظات (( الخروج من رحم الجسد )) بناء مكثف وحكي راقي . وإشارات مجسدة وواعية .

     وتواصل الدخول في عمق النفس البشرية ، فنجد قصة (( تدريب إجباري )) ([4]) تدلف إلى عمق البطلة الطالبة في مدرسة التمريض والتي تعاني من فراغ عاطفي سببه العادات والتقاليد ، فتتحايل في الحصول على هذا الحنان : (( الاغماء حلة تصلح لتسول عطف الرفيقات في لحظة يستحيل فيها التفكير حتى المشرفة المتجهمة دوما يخيل لي أن حنانها يفيض حتى يحتوي صدرها )) .

    إنها محاولة للهروب من الذات ، من الوجع الكامن في صدرها ، تدريب إجباري للهروب من واقعها ، من جرحها : (( عقب كل خروج اتمرن على التخلص من احتياجي له )) .

    لقد طرحت القاصة عالم هذه البنت الضحية (( ضحية أساليب تربية اسرية ترى الحرمان طريقا للإستقامة )) فتجد في بيت الطالبات فرصة للإنفصال عن هذا البيت ..ولكن الجميع يتخلى عنها (( حتى سقطت على ارضية غرفة بيت الطالبات ))

    فتحاول الهروب / العزلة (( سأزداد انعزالاً لأواصل ممارسة تدريباتي الشاقة لتشييد كائن مقطوع الصلات )) .

     أنها مواجهة بين البطلة وما تحمله من عقد صنعهتا بداخلها العادات والتقاليد والمجتمع ذاته ، مواجهة مع الذات ، محاولة للخروج من واقعها المفروض ، ومن قيدها الصارم ، تطرح كل هذا باسلوب سردي مباغت ومراوغ ، لايصرح إلا بالقليل ، ويترك لنا مساحات واسعة .

    حتى عندما تدلف بنا إلى عمق الرجل ، نجد في المقابل الأنثى الوالجة إلى عالمه المسيطرة على تفكيره ، فترسم لنا صورة فنية عن (( حارس ليلي )) ( [5] ) تدخلنا في متاهلات النفس البشرية لتعبر لنا عن الحارس الشاب المجند الذي يحرس بوابة بيت الطالبات ونظرته الشبقة لهن ، وتخيلاته في وحدته معهن ، (( بشبق أمتص سيجارتي فتتوهج .. أتسلق جدران الأبنية منساقا وراء الأنثى التي شكلتها خيوط الدخان المتصاعد .. ترتجف روقي وأنا أبصر .. عبر النوافذ المفتوحة - ارتجاج أجساد البنات البضة من ملابس النوم .. ألهث فوق نهود أوجعتني طراوتها .. )) .

     حتى في تلك اللحظة الإنسانية التي تستدعيه فيه المشرفة ليحمل إحداهن إلى عربة الإسعاف نجده يتعامل مع جسد البنت وهو مستسلم بين يديه بشبق (( أحمل الجسد المسترخي بين ذراعي .. مستسلما ، لينا ، طائعا .. يزداد اصطخاب دمي وينضح احمراره على وجهي أنا - أتحسس حمالة صدرها .. تتسارع أنفاسي الحارة حتى تزيح خصلات الشعر الملتصقة على جبين البنت .. أتعثر في خطوتي والمشرفة تقودني الى البوابة لأودع الجسد الأسعاف )) .

    أنها قدرة القاصة على التعمق داخل النفس البشرية ، وفي الطرح ، لهذه القصة تؤكد أن المرأة قادرة التعبير عن دواخل الرجل مثلما قادرة عن التعبير ذاتها / المرأة ، محطمة بذلك ذلك القول بأن هناك أدب نسائي وأدب رجالي .

     وفي قصتي : (( العمة الكبيرة )) و(( موسم الحصاد )) ( [6]) تبرز معالم البيئة الصعيدية / بيئة الكاتبة ، وتجسد لنا الصراع الإنساني التي تفرضه العادات والتقاليد المتوارثة ، من خلال صراع محكم بين العمة الصارمة ، والولد " الهلفوت " الذي يتزوج من العبيد ، نساء العبيد الفاجرات ن على حد تعبير القاصة ، وتجسد لنا المفارقات التي تحدث من جراء هذا الزواج الغير متناسق .. والذي جلب العار  لكل أفراد الأسرة . أما قصة (( موسم الحصاد )) فالعنوان يطرح المضمون ، ولكن أضافت القاصة إلى والقصة وهج الأسلوب المميز الثري ، فترمز القصة إلى الخير الذي يعم على كل أهل الدار .. ومايدور في الخفاء بين الزوجاتوالأزواج من شراء هدايا خاصة .. واستطاعت القاصة أن تعبر عن هذا الصراع وتشير له عبر سياق القصة .

     ونجد أيضا البيئة الصعيدية وماتحمله من صراع مع العادات والقيم والتقالي ، ترسمه القاصة بفنية عبر روايتها (( حلم الجدة )) ( [7] )  .

    أننا أمام قاصة تمتزج بذاتها وتنصهر في بيئتها تمزج الواقع بالمتخيل ، والخاص بالعام لتقدم لنا فنا ممتعا ، راقيا ، وهي  سألت : ماالذي تريدين تحقيقه في مجال الكتابة ، قالت (( أولا أن اكتب نفسي بصدق ، ونفسي هنا لا أقصد بها الذات اسماء هاشم كفرد ، وانما أناس اقليم معين ، وأمثل دائما تطور العملية الإبداعية بعدة دوائر متداخلة مركزها المشترك هو الذات )) ( [8] ) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غابة الدندنة    أخبر صديقاً عن الموقع    كتاب الزائرين  وكالة آرس     في حب الرسول  مجلة أهل الغابة    فضاءات أخرى محصي الزائرين

مرحبا بكم في موقع وكالة آرس للبحوث والنشر  ؛ وإننا لنفخر بأن نفتح معاً منطلقاً جديداً نحو ترسيخ الهوية العربية والجدة والأصالة وفرض القِيمة القَيِّمَة لثقافتنا بجذورها وامتدادها، فإن غرض هذه الصفحات هو  أَنْ تزين صورة َ خدمات المساندةَ التي نزود بها زائرينا. لذا فإننا قَدْ زَوّدنَا عــدد المصادرِ هنا كي نُساعد كافة المبدعين من ذوي الخبرة ، أو الجدد على نشر نتاجهم الإبداعي من خلال عدد من الصفحات المخصصة لهؤلاء ولأولئك ؛ كما نساعد بجد واجتهاد المهتمين من الباحثين والمثقفين والقراء.. ، والزائرين بعامة على  حــل مشاكلهم والتغلب على العقبات التي تواجههم ؛ أنتَم  أيضاً رُبَما تَحْصلُون على المساندةِ العمليةِ الجادة التي تتمنونها ؛ في مجال البحوثِ الإنسانية والأدبيةِ العربيةِ  ؛ فإذا كانت لديكم الحاجة لمثل هذه المساندة ، أو وجهة نظر أو تقرير ؛ أو خامرككم القلقُ تجاه موضوع معين ؛ أو تَقترحُون إجراءبعض التحسينات إِلى منتجاتنا وخدمتنا :  اجعلنا صديقاً حميماً يسهر على راحتك واكتب لنا بوساطة البريد الإليكترونيِ 

 Welcome to [forest of humming ]. The purpose of this web pages is to enhance the support services we provide to our visitor. We've provided a number of resources here to help you resolve problems, report bugs, and suggest improvements to our products and service. You may also obtain practical support in area of Arabic literary searches by e-mail to :  alauddineg@yahoo.com

يرجى عند الرغبة في الاستفسار عن أية أمور ، أو ظهور أية مشكلات مع الموقع أو مشكلات عملية خاصة بكم الكتابة إلينا فوراً  

*بسم الله الرحمن الرحيم ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) صدق الله العظيم * سورة "ق" /الآية 18 *  
Questions or problems regarding this web site should be directed to our Email: alauddineg@yahoo.com
Copyright © 2001 [ Alauddin Ramadan and ARS proxy ]. All rights reserved.  
موقع الدراسات والبحوث

في شبكة

وكالة آرس للبحوث والنشر

اغسطس 18, 2001 15:17

 

 

 

 

 

 

 

 

 



* - أسماء هاشم ، قاصة من كوم أمبو ، أسوان

[1] - جريدة ( اخبار الأدب ) ، العدد ( 135 ) 11/2/1996م

[2] - جريدة ( أخبار الأدب ) العدد ( 156 7/7/1996

[3] - جريدة ( أخبارالأدب ) العدد ( 178 ) 8/12/ 1996م

[4] - جريدة ( أخبار الأدب) العدد (191 ) 9/3/1997م

[5] - جريدة ( أخبار الأدب ) العدد 200 11/5*19997م

[6] - جريدة ( أخبار الأدب ) العدد 266 ، 16/8/1998م

[7] - نشر جزء من هذه الرواية في جريدة ( اخبار الأدب ) ، العدد 343 ، 6/2/2000

[8] - من حوار مع القاصة نشر في جريدة ( أخبار الأدب ) العدد 266 ) .