 |
د.
عبد الله المدني
باحث و محاضر أكاديمي في الشئون
الآسيوية من البحرين
· ولد
في مدينة
الخبر بالمنطقة
الشرقية من المملكة العربية السعودية.
· أتم
مراحل دراسته الابتدائية و الإعدادية و الثانوية ما بين البحرين و
السعودية.
·
درس المرحلة الجامعية وما
بعدها في بومباي وبيروت والقاهرة وبوسطون واكسيتر.
·
يحمل شهادة البكالوريوس في
الاقتصاد من بيروت , وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية
والاستراتيجيات من جامعة
بوسطون الأمريكية
, ودبلومي التخصص في شئون شبه القارة الهندية وشئون جنوب شرق آسيا
من الجامعة نفسها.
·
حاصل على دكتوراه الفلسفة في
العلوم السياسية من
جامعة اكسيتر البريطانية.
·
شارك في العديد من المؤتمرات
والندوات وورش العمل الخاصة بالشئون الآسيوية أو بعلاقات الخليج
بآسيا في داخل الخليج و خارجه
. |
في جولة له
هي الأولى من نوعها الى منطقة الخليج والشرق الأوسط , حل بيننا مؤخرا عظيم هاشم
بريمجي (59عاما) , الشخصية الهندية الفذة التي تملك وتدير اليوم كبرى شركات
تقنية المعلومات وإنتاج البرمجيات في بلادها وواحدة من أكبر عشر شركات عاملة في
هذا المجال على مستوى العالم , إضافة الى كونها من اشهر شخصيات العالم لجهة
صناعة القرار الاقتصادي والتأثير في صناعة تقنية المعلومات خارج الولايات
المتحدة.
وحكاية هذا
الرجل الذي يترأس اليوم جيشا من العلماء والمهندسين والإداريين يصل تعدادهم
الى 24 ألف شخص جديرة بأن تروى لأنها تكشف بجلاء دور الإصرار والعزيمة والكفاح
المرتبط بالعلم والرؤية الواضحة والتخطيط السليم في بلوغ قمم النجاح والريادة.
لم يكن الرجل
حتى عام 1997 معروفا خارج نطاق رجال المال والأعمال الهنود , إلا أن اسمه بدأ
يتردد بقوة على نطاق العالم بعد ذلك وبات هدفا للفضوليين كنتيجة لتصنيفه ضمن
قائمة أغنى أغنياء العالم من قبل مجلة فوربس الأميركية الشهيرة وإلحاق اسمه
بلقب " بيل غيتس الهند " . وفي احدث قائمة صدرت عن المجلة المذكورة في عام 2003
نجد عظيم هاشم يقبع في الترتيب الحادي والأربعين بثروة تصل الى 4 ,6 بليون
دولار وبفارق كبير يصل الى النصف تقريبا عن ثروة ثاني أغنى أغنياء الهند.
وفي اعتقادي
أن اللقب " بيل غيتس الهند " فيه ظلم لكلا المعنيين . فلئن كان الهندي بريمجي
والأميركي غيتس يشتركان في كونهما من الأثرياء الكبار وفي حقيقة انهما كونا
إمبراطوريتيهما المالية عبر اقتحام ميدان تكنولوجيا المعلومات , فانه حين
الوقوف على تفاصيل ثروتيهما وأنشطتهما وأرباحهما يصبح حالة الأول جد متواضعة
قياسا الى حالة الثاني الذي يجلس على عرش الثراء الكوني برصيد لا يقل عن 70
بليون دولار. وحتى حينما نضع مسائل المال والأعمال وأرقام الأرصدة الفلكية
جانبا , نجد أن هناك فرقا شاسعا ما بين شخصيتي الرجلين وأسلوب حياتهما وطريقة
إدارتهما لأعمالهما بحيث تبدو المقارنة بينهما عملية مستحيلة , وان كان الفارق
هذه المرة لصالح بريمجي. فعلى حين يثير غيتس , ببذخه وحبه للشهرة وبسرقته
الأضواء والفرص من زملائه المشاهير , حنق المجتمع المخملي في بلاده ويستعدي
الآخرين ضده , نجد بريمجي على العكس من ذلك تماما. فهو بعزلته التي تصل الى
درجة التطرف في أحايين كثيرة لا يثير أحدا , بل يكاد لا يذكر ولا يشاهد في
مجتمع المشاهير الهندي. وهو ببساطته وتواضعه وعزوفه عن السفر في مقصورات
الدرجة الأولى أو السكن في فنادق النجوم الخمس أو الانتقال بسيارات المرسيدس
الفارهة أو ارتداء منتجات غوتشي و بيير كاردان , وتفضيله الحلول الوسط وكل ما
هو سهل ومريح وبعيد عن البهرجة والإثارة , منع حدوث أي ضجة أو إشاعة تتناوله
شخصيا أو تستهدف أسرته وأعماله الناجحة. أما من قد يرى أن أسلوب الحياة هذه ما
هو إلا انعكاس لبخل متأصل في بريمجي , فان افضل رد عليه هو الإشارة الى مؤسسة
عظيم بريمجي التي تنفق ملايين الدولارات سنويا من اجل انتشال الأجيال الشابة من
العوز والفقر والأمية ووضعها على طريق التأهيل العلمي المتطور , انطلاقا من
إيمان صاحبها بأن التعليم هو أساس نهضة الأمم وتفوقها.
إن الاختلاف
الكبير ما بين إمبراطورية "ميكوسوفت" المملوكة لغيتس وإمبراطورية " ويبرو"
العائدة لبريمجي لجهة أسلوب العمل وسياسات الدعاية وأدوات اكتساح السوق , ما هو
إلا انعكاس لتناقض شخصيتي الرجلين اللذين يقفان على قمة هرميهما. فعلى حين
تعتبر مايكروسوفت صاحبة استراتيجية واضحة تقوم على تحطيم المنافسين وتحقيق أعلى
قدر من الربحية والدفاع المحموم عن حقوقها في السوق , فان استراتيجية ويبرو
تقوم على إيصال منتجاتها الى اكبر عدد من المستهلكين واخذ ملاحظاتهم بعين
الاعتبار بعيدا عن مسائل الربحية , الأمر الذي جعل البعض يأخذ عليها هدوءها في
تعاطيها مع الأهداف التجارية وتسامحها حول حقوقها.
لكن كيف وصل
عظيم بريمجي الى ما وصل إليه من مجد و نجاح وهو لم يكمل عامه الخمسين؟
في عام 1966
, حينما كان في سن الثانية والعشرين , طالبا في جامعة ستانفورد الأميركية
العريقة , وعلى بعد فصل دراسي واحد من نيل الإجازة الجامعية في الهندسة , اضطر
بريمجي أن يقطع دراسته ويعود الى بومباي لحضور جنازة والده الذي كان قد توفي
فجأة تاركا وراءه أعمالا تجارية ناجحة لم تكن وقتذاك تتجاوز إنتاج زيوت الطبخ
عبر علامة تجارية مميزة هي "ويبرو " المشتقة من عبارة
West India
Products ( أكمل
بريمجي دراسته في عام 2001 أي بعد 35 عاما من الانقطاع). وسرعان ما تجاوز
الابن الوحيد للعائلة أحزانه الشخصية لينخرط في إدارة ما ورثه . وقتها ووجه
بمقاومة شرسة من كبار حملة اسهم " ويبرو" الذين توقعوا الخسارة بسبب صغر سن
بريمجي وقلة خبرته في مجال الأعمال , فطالبوه ببيع حصة عائلته الكبيرة لهم كي
يتمكن أحدهم من الحلول مكانه. لكن هذا لم يزده إلا إصرارا على التحدي واثبات
العكس. وهكذا استطاع خلال فترة وجيزة وعبر توظيف طاقاته الشابة ومواهبه العلمية
وما اكتسبه من العيش في الغرب أن يحدث تغييرات جوهرية في أنشطة والده التجارية
, مضيفا لها مجالات جديدة مثل إنتاج الصابون والشامبو ومستحضرات التجميل. على
أن طموح الرجل لم يقف عند هذا الحد. فابتداء من الثمانينات تمكن من اقتحام مجال
آخر لا يربطه بالمجالات السابقة أي قاسم مشترك هو تكنولوجيا المعلومات , مستغلا
طرد حكومة الراحلة انديرا غاندي لشركة
IBM
من السوق الهندية في عام 1975 . وبهذا صارت " ويبرو " تنتج أجهزة الكومبيوتر
وبرامجها وما يرتبط بها باستخدام تقنية أميركية عبر ترخيص خاص من شركة سينتينيل
SENTINEL
, لتنطلق في
هذا المجال بسرعة صاروخية , ولينمو نشاطها بمعدل مرتين ونصف أسرع من أنشطتها
الأخرى , ولترتفع أصولها من حوالي أربعة ملايين دولار الى 900 مليون دولار خلال
سنوات معدودة.
وعلى الرغم
من بروز الهند في السنوات الأخيرة كأكبر منتج ومصدر للبرمجيات في العالم ,
والتوسع المحلي والعالمي الهائل في الطلب على هذه البرمجيات , وبالتالي إمكانية
تحقيق عوائد مالية فلكية من هذه الصناعة وحدها , فان بريمجي ظل وفيا لأنشطة "
ويبرو " القديمة , وقاوم جميع أشكال الضغوط والمقترحات والتوصيات التي تقدم بها
مستشاروه من أجل بيع أعماله الخاصة بإنتاج الزيوت ومستحضرات التجميل والتنظيف
والتركيز فقط على مجال تقنية المعلومات.
ومن يرى
اليوم بريمجي وهو يعيش حياة هادئة مع أسرته المكونة من زوجته ياسمين وولديه
الوحيدين رشاد (26 عاما) و طارق (25 عاما ) في فيلا أنيقة بعيدة عن التكلف في
بنغالور عاصمة ولاية كارنتاكا الجنوبية , أو من يراه يدير إمبراطوريته من مبان
متواضعة في هذه المدينة الجميلة , يكاد لا يصدق انه هو نفس الرجل الذي وضعته
كبريات مجلات المال والأعمال في عام 2000 في خانة أقوى 15 رجل في العالم لجهة
النفوذ والتأثير الاقتصادي.
الذين تابعوا
تاريخ " ويبرو " ونموها الهائل خلال العقود الأربعة الماضية منذ أن تصدى بريمجي
لأدارتها , يؤكدون أن ما تحقق لها من صعود يعزى بصفة أساسية الى أسلوب صاحبها
في العمل الذي يقوم على حقن دماء متعلمة ومدربة جديدة في مؤسسته من وقت الى آخر
, وبناء علاقات شخصية قوية مع المرؤوسين , والحرص الدائم على التعاطف مع همومهم
ومطالبهم , ناهيك عن ترك هامش واسع من الحرية أمامهم لجهة القرارات والابتكار
والتطوير.
وفي لقائنا
معه في البحرين على مائدة غداء بدعوة من وزير الدولة سعادة عبدالنبي عبدالله
الشعلة , لم يتحدث بريمجي كثيرا عن شركته وثروته ومشاريعه , مفضلا أن يركز
الحديث على التعليم التقني والدور الذي تلعبه الثروة البشرية المؤهلة في النهوض
بالأمم , ومفتخرا أن جامعات بلاده سوف تخرج مع نهاية هذا العام 300 ألف مهندس ,
إضافة الى 220 ألف تقني , مما سيوفر أمام مؤسسته وغيرها من المؤسسات فرص توسع
جديدة في عالم تقنية المعلومات.
ويرى أحد
المراقبين أن أحد أهم الأسباب الكامنة وراء اجتذاب " ويبرو " لصفوة العقول
الهندية الشابة والمؤهلة هو حرص بريمجي على أن تسود إمبراطوريته المبادئ
الأخلاقية والإنسانية قبل مبدأ الربحية.
إن الحديث عن
عظيم بريمجي وخصاله وأعماله حديث يطول. فسيرته حافلة بصور إنسانية كثيرة
وطموحاته في خدمة مجتمعه لا حدود لها , لكن ما أحسبه جدير بالإشارة في الختام
هو الانتماء العقيدي للرجل. فهو كما يتضح من اسمه هندي مسلم. وان يصل شخص ينتمي
الى الأقلية المسلمة في الهند الى ما وصل إليه صاحبنا من مجد وثراء ونفوذ في
بلاده المتهمة من قبل البعض بالتمييز ضد المسلمين لجهة الحقوق والفرص , فلا شك
انه دليل جديد يدحض هذه التهمة , ويضاف الى سلسة الأدلة الأخرى التي كان آخرها
صعود البروفسور زين العابدين عبدالكلام من موقع حامل أسرار ومفاتيح القوة
النووية الهندية الى موقع رئاسة الجمهورية.
تاريخ المادة
: 1 أكتوبر 2003
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون
الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh
(المقال مصرح بنشره
من كاتبه )
أكتبوا إلينا
آراءكم وتعليقاتكم:
الآراء و التعليقات