 |
عدد من طلاب المدارس الإسلامية |
على أعقاب
استقلال الهند من الاستعمار البريطاني في عام 1947 قرر معظم مسلمي الهند البقاء
في بلدهم رغم أحداث القتل والعنف الواسعة التي اجتاحت البلاد. وفي خضم ما عرفت
بشغب التقسيم فإن قرارا بعدم الهجرة إلى باكستان كان قرارا واعيا بل صعبا لجل
أفراد وأسر هذه الجالية. و الذين بقوا في الهند أبلوا بلاء حسنا في وجه موجات
عنف و تهديدات طائفية عمت البلاد. هذا لا يعني أن الطائفية كانت غائبة عن
المسلمين في الهند. وفي الواقع، أنها بقيت وظلت الطائفية لدى الهندوس و
المسلمين تغذي أحدهما الآخر. ومع ذلك، اختار المسلمون وبشكل عام التحالف مع
قوى علمانية. إلا أن التمييز والركود الاجتماعي والتهميش التعليمي المتراكم
أسفر عن تخلف اقتصادي مطرد للمسلمين في كثير من أنحاء البلاد فيما هبطت نصيب
المسلمين في الوظائف الحكومية بشكل حاد.
أما
الأحزاب العلمانية فإن العديدة منها تمادت في تساهلها مع أكثر العناصر رجعية
بين الجالية المسلمة بحجة مساعدة أفرادها في الوقت الذي اتهمت فيه الأحزاب
الهندوسية اليمينية المسلمين زورا وبهتانا بأنهم يتلقون معاملة استرضائية من
الأحزاب العلمانية.
و في
الحقيقة فإن السواد الأعظم من المسلمين تركوا تحت رحمة القدر فيما بقيت البرامج
التنموية القليلة التي أعدت للنهوض بالمسلمين غير فعالة. ومما زاد الطين بلة
أن الحرمان التعليمي و الاقتصادي قللت من قدرتهم على مطالبة المساعدات من برامج
تنموية حكومية. وقد زادت الأمر سوء حقيقة أن شريحة واسعة من الطبقة الوسطى من
مسلمي شمال الهند هاجروا إلى باكستان إثر التقسيم تاركين وراءهم ملايين من
المسلمين تائهين بدون قيادة. و كانت شريحة كبيرة من هذه الملايين من خلفيات
طبقية متدينة ولم يشهدوا رغم اعتناقهم الإسلام منذ قرون أي تغير ملحوظ في
أوضاعهم الاقتصادية، وظلوا محصورين في مكانتهم الاجتماعية التقليدية المتدنية.
ومن ناحية أخرى فإن التمييز في مجالات الحياة المختلفة و القمع البوليسي و ضلوع
السلطات في أحداث العنف الطائفي عن طريق التحريض و المشاركة الفعالة في كثير من
الأحيان قد ساهمت في مزيد من إضعاف المعنويات لدى المسلمين وأدى إلى فقدان
ثقتهم في القوى العلمانية ونشوء مظاهر الانطوائية والنزعة الانعزالية لديهم.
ومن سخرية
القدر، أن قوى هندوس اليمينية حينما تمكنت من نزع السلطة في منتصف التسعينيات
من القرن الماضي من حزب المؤتمر العلماني وجدوا في العناصر الطائفية بين
المسلمين حلفائهم الطبيعيين و صوروهم كممثلين للجالية المسلمة مما عزز من الصور
النمطية السلبية المتجذرة عن المسلمين.
وتشعر
الأقلية المسلمة في البلاد بتزايد الاستقطاب الطائفي و توسع القاعدة
الإيديولوجية الفاشية للهندوس المتطرفين على نحو عميق. كما أن الكثير من
المسلمين يعون حقيقة أن قيادتهم السياسية تقوم إلى جانب الجماعات الهندوسية بصب
الزيت على النار بدلا من رأب الصدع بين الطوائف المختلفة. وعلى أساس تجربتهم مع
أحداث شغب وقعت قبل التقسيم و بعده رفض المسلمون بعد الاستقلال وعلى نطاق واسع
المساعي المبذولة لإقامة حزب سياسي قومي يستند إلى قاعدة دينية. وفي الوقت
الحالي فإن شعورا بالعجز يتسلل إلى أوساط عامة المسلمين مرده العجز عن التوصل
إلى حل قابل للتطبيق لمشاكل الاستقطاب الطائفي. وفي ظل غياب قيادة سياسية كفؤة،
أفسح المجال أمام القادة الدينيين للوصول إلى الواجهة الأمامية. وقد استغل عدد
من الأحزاب السياسية الإقليمية الزعماء الدينيين منذ فترة وجيزة لتأكيد
دعاويهم أنهم مناصرون لقضاياهم. إن هذا التوجه خطير بالنظر إلى ما يمكن أن يزيد
من وتيرة الاستقطاب الطائفي و يؤدي إلى مزيد من تهميش الجالية في مجالات
الاجتماعية و الاقتصادية بدلا من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية أو التعليمية
لهم. ومما يؤكد هذا الأمر أنه لم يعرف عن القادة الدينين أي اهتمام فعال فيما
يخص تقدم الجالية في النواحي الاقتصادية والتعليمية. وبسبب النفوذ المتزايد
للقوى الهندوسية، بنوعيها المتشددة و الناعمة، فإن العديد من المسلمين يساورهم
القلق بأن هويتهم معرضة للتهديد. وبدهي أن يعزز هذا الأمر نفوذ القادة الدينيين
المحافظين الذي يسعون لصياغة أجندة الجالية بمصطلحات دينية، مقللين من أهمية
القضايا الخاصة بتمكين الاقتصادي والإجتماعي للمسلمين. هذا يفسر جزئيا سبب
عدم إيلاء القادة الدينيين و السياسيين المسلمين اهتماما جديرا لقضايا اجتماعية
و اقتصادية وتعليمية مركزين عوضا عن ذلك على قضايا مرتبطة بالدين و الهوية،
وذلك ردا على دعاية وتعبئة مضادة للمسلمين يقوم بها قوى هندوسية متطرفة. و قد
تعزز الشعور السائد لدى أغلبية المسلمين أن هويتهم يتم تدميرها بشكل متزايد
نتيجة سيادة الأشكال القومية الرسمية في الهند والتي تم تأطيرها بمصطلحات
براهمانية، مما أعطت مساحة قليلة للهويات البديلة بما فيها الهوية الإسلامية.
ليس الغرض
من النقاش السابق الإشارة إلى أن المسلمين كجالية يشكلون جماعة متجانسة. و
الحال أنهم متشتتين كأية جماعة دينية أخرى في مختلف نواحي الإقتصادية و
الاجتماعية واللغوية و الإثنية والإقليمية والطبقية. وفي الواقع فإن فكرة تأسيس
جالية إسلامية هندية موحدة(A
monolithic pan-Indian Muslim community)
مضللة تماما مثل جالية هندوسية هندية موحدة.
و
الفكرتين بالنتيجة تؤديان إلى صيغة نخبوية تخفي بداخلها التباينات والتناقضات
الداخلية تماما. رغم ذلك فمن الممكن تكوين بعض العموميات العريضة عن المسلمين،
أو الجاليات المسلمة المختلفة في الهند ككل. وتظهر الدراسات المختلفة التي
أجريت خلال العقود القليلة الماضية بشكل لا يدع مجالا للشك أن المسلمين قد
همشوا على نحو متزايد على صعيدي الاجتماعي و الاقتصادي إجمالا، رغم الاعتراف
بوجود بعض التقدم في جيوب (أماكن) صغيرة. إلا أن هذا التقدم المحدود كان مستقلا
بفضل الجهود التي بذلتها بعض الحكومات المحلية. أما الولايات فهي من جانبها
تبدو أنها لعبت، بقصد أو دون قصد، دورا بينا بعض الشيء، إذ اتخذت بعض الولايات
موقفا عدائيا واضحا حيال التقدم الاجتماعي و الاقتصادي والتعليمي للمسلمين.
ويبدو هذا جليا، على سبيل المثال، من حقيقة أن نسبة المسلمين في الوظائف
النظامية سواء في قطاعي العام أو الخاص قد هبطت بشكل كبير على مدى عقود منذ
استقلال الهند عام 1947. واليوم فإن الوضع قد زاد سوء نتيجة تأثير العولمة و
السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، التي أضرت أكثر بالجماعات المهمشة مثل
الفلاحين و العمال الذين لا يمتلكون الأراضي و أصحاب المهن الحرفية الذي يشكل
المسلمون جزء كبيرا منهم. ويزعم بعض الكتاب بأن التخلف الاجتماعي والإقتصادي
للمسلمين قد فاق تخلف الطبقات و القبائل المتخلفة الأخرى و على أساسه يطالبون
حجزا في الخدمات الحكومية و المؤسسات التعليمية فضلا عن تخصيص متوازن للموارد
من جانب الدولة للتنمية الاقتصادية للمسلمين. وطبقا للإحصاءات الرسمية فإن
المسلمين يشكلون نحو 14 بالمئة من مجموع سكان الهند. ومن هنا فإن من الواضح أن
التهميش الاقتصادي والتعليمي لشريحة كبيرة مثلهم ينبغي أن يكون مصدر قلق
للجميع.
إن تهميش
المسلمين بوجه عام منذ 1947 أمر معروف للجميع، و قد برزت هذه الحقيقة من خلال
العديد من الدراسات و حتى اللجان التي شكلتها الحكومات المختلفة، ولكن جل هذه
اللجان ببساطة كانت خدع سياسية حيث رفعت تقاريرها و قدمت توصيات مختلفة للحكومة
لمعالجة تهميش المسلمين. إلا أن الحكومة أعارت اهتماما قليلا لهذه الاقتراحات
أو لم تعر لها أي اهتمام مستخدمة هذه اللجان خدعا لكسب أصوات الناخبين عن طريق
إعطاء انطباع بأنها جادة حول مسلة تخلف المسلمين. ولكنها في الحقيقة لم تعمل
شيئا حياله.
المصدر:
موقع
www.countercurrents.org
النص الأصلي:
Survey Of
Socio-Economic Conditions Of Muslims In India,
Imran
Ali,
Yoginder Sikand
الترجمة: موقع بوابة الهند
أكتبوا إلينا آراءكم
وتعليقاتكم:
الآراء و التعليقات
|