لأن علاء الدين
رمضان كتب هاتين المسرحيتين للعرض ،
وليس لخيال القارئ ، فإن مناقشتنا لهما
ينبغي أن تتحدد في إطار التوجيه الذي
اختاره لهما ..
" سمكة ظامئة " اسم
للمسرحيتين معاً ، فالمسرحية الأولى "
المونودراما " باسم الضحية الوحيدة
فيها : محمد عطاف .. والمسرحية الثانية ،
الشعرية : " الخروج إلى القلعة " ..
الفنان يحدد المكان غرفة
بمستشفى بنيكوم للأمراض النفسية والعصبية
بهولندا . فهو مكان محدد .. أما الزمان فهو
أقرب إلى النثر السردي الذي يعني –
بالنسبة للمخرج – أن عليه تجسيد
التحليقات اللغوية ، أو بلاغة الأدب ، في
مشاهد بصرية وأحداث . والتحول المكاني
يبين في تعليمات الفنان – بداية – لمخرج
المونودراما .. ففيه تتسم بالطابع العربي
الإسلامي ، في التكوينات والزخرفة ، وفي
الموسيقا المغربية الشعبية على آلتي
العود والطنبورة . ثم تداخل فيها موسيقا
الصخب الغربية ، وتعلو ضوضاء الحضارة
وتلوثها السمعي – والتعبير للكاتب تأكيد
لموقفه الرافض من تلك الحضارة المتمثلة –
على حد تعبيره – في انطلاقات سيارات وهدير
ماكينات وأزيز طائرات وتشوش إذاعات
وغيرها .. ولأن محمد عطاف لم يفصح عن
تفصيلات مأساته ، وإنما اكتفى بإشارات
وتلميحات ، فإن الفنان يتصور الحدث ،
يتخيله ، يحاول التعبير عن مكنونات النفس
، والتنامي الدرامي ، منذ اللحظات العادية
إلى لحظات المأساة .. في خلفية المشهد ،
يتضح باعث مهم ، ولعلي أعتبره الباعث
الأهم ، لأنه الحد الفاصل بين الهجرة من
الوطن والحنين إليه ، التقدم والتخلف ،
ومعالجة الواقع بمسكنات وقتية ومحاولات
مجاوزته بالعلم والتكنولوجيا والأخذ
بأسباب العصر .
كان محمد عطاف يجد في العلم
خلاصاً لكل ما تعانيه مليكة وطنه ، لكنه
يعاني المؤامرات الصغيرة والرفض والإحباط
بالإضافة – كما قلنا – إلى الظروف
الأسرية القاسية . لقد كانت هي الدافع لأن
يبدأ محمد عطاف رحلة الأمل والمعاناة ،
لكن ما يحصل عليه العربي في بلده لا يعينه
على العمل في بلد الغربة . إن عليه أن يبدأ
التعلم من جديد . ويزداد الخرق تمزقاً
واتساعاً ، حيث يقرر محمد عطاف أن يعود إلى
وطنه ، فترفض عائلته التي تحتاج إلى عونه
المادي . تهمل التعرف إلى معاناته مقابلاً
لمعاناتها ، وحاجتها إلى ما يتيح لها
مجاوزة الظروف القاسية .
إن المونودراما تعتمد على
محاولة استنباط الشخصية ، شخصية محمد عطاف
، بتركها تتحدث مع صوتها ، مع نفسها وتبين
لنا عما يدور داخل النفس الإنسانية من
خلال الوعي الباطن . ولأن المونودراما
تعتمد على الصوت الواحد في الدرجة الأولى
، فقد أفاد الفنان من تداخل الفنون ،
كتداعي الذكريات والفلاش باك والتقطيع
وغيرها من تقنيات الوسائط الأدبية
المختلفة ، بل إن الشخصية المحاورة ،
المقابلة لشخصية محمد عطاف هي محمد عطاف
نفسه ، أو صوت محمد عطاف .
وفيما عدا بعض المفردات
والعبارات الكلشيهية ، فإن الحوار يتسم
بالبساطة والصدق وعدم الافتعال . قيمة
الحوار الدرامي في أنه يبدو مما نتبادله
في أحاديثنا ، مفردات حواراتنا العامية
وتعبيراتها ، لكنها – في الحقيقة – ليست
كذلك . أخضعها الفنان للاختبار والصقل ،
وإن لم يسلبها إبهام التلقائية ..
أما : " الخروج إلى القلعة "
فأرجو أن أحدثك عنها في كلمات قادمة .
*
ملاحظة : مليكة اسم للحبيبة لا البلدة
كما فهم الكاتب، وفهم الاسم بوصفه بلداً
يغير الدلالة في اتجاه آخر غير الذي أراده
لها المؤلف لذا لزم التنويه
محمد
جبريل
الكاتب
الروائي العربي الكبير
صحيفة
المساء المصرية؛ المساء الأسبوعية ، صفحة
قضايا أدبية يقدمها : محمد جبريل ، ص 11
السبت 14 من ربيع الآخر 1424هـ - 14 من يونية 2003م
العدد 16846 – السنة السابعة والأربعون