صـــهـــــــيـــل القــــصـــــــــــــــائد

وكالة آرس 
للبحوث والنشر 

الشـاعــــر
أحمد عـنتر مصطفى

أحمد عنتر مصطفى  الشاعر المصري أحمد عنتر مصطفى

أحمد عنتر مصطفى شاعر مصري ينتمي إلى جيل الحداثة ويتميز عن الكثيرين منهم بأمور تتعلق بالتفكير وأسلوب الأداء النصي في القصيدة 
من أبرز أعماله المطبوعة  مأساة الوجه الثالث ، و مرايا الزمن المعتم ، أغنيات دافئة على الجليد ، الذي لا يموت أبداً ، حكايات المدائن المعلقة ، زيارة أخيرة إلى قبو العائلة 

أبجدية الموت والثورة

 إلى روح الصديق أمل دنقل .. وإلى أدعياء الشعر .. أيضاً

(أ)

... التحيات لله ..
والموت للآدمي الذي حين يركله الجندُ
لا يخفض الرأسَ 
يصهلُ
كالمهرة الجامحة  
... والصلاة السلام على جثث الشرفاء
التي تتحلل في باطن الأرض 
تصبح نفطاً 
إذا بيع تغدو دراهم
تنثر فوق العروس 
وفي حفلات الختان

وأشهد أن لا إله سوى الخبز يزهده الأغنياء
يقيم له الفقراء طقوس العرق 
يقسمون به ؛ وعليه 
يبيعون أيامهم باستدارته القمرية 
حين يجيء الغسق
يدخلون كهوف القناعة والحلم
تخبو المصابيح 
تلهث 
تنفث من رئتيها الدخان 
يصبغ الحائط المتهالك بالحلكة الطافحة 
يرتمون على سرر من جريد 
وسائدها من أرق 
يغلب القهر بالنوم أعناقهم 
يشحذ الهمُّ سكينهُ الذابحة 

(ب)

... بامتداد الخرافة والحزنينحدر النهر 
كنا على شاطئيه عرايا 
صِبْيَةً
تتأرجح في أفرعِ الشجر المتشابك 
نسبحُ
نعرض أعضاءنا ، حين تُقْدِمُ سيدة أو فتاة 
ونضحك 
نلمح في مقلتيها انكساراً 
وفي الوجه حمرة الخدين 
[ لم ندرك السر ]
كان الصبايا 
يرحن .. ؛ يجئن 
تُجَفِّفُ أثوابنا الشمس 
والظل يمشط خصلاتنا 
والمياه مرايا
[ مرة ؛ جرفتنا الجسارة 
فاستبقنا مع الموج والريح 
نبدي فنون المهارة 
كان  (يوسف) فينا 
ولم يك عند المتاع 
وأحزاننا أربعة 
حين عدنا إلى الشاطئ المتجعد نبكي 
وكنا ثلاثة 
لم نعد بالثياب إلى أمه (الأرملة) 
وانتظرنا الظلام 
لندخل غرفتنا خلسة 
ونشد علينا الغطاء 
ندعي النوم ، بالأعين المقفلة 
كانت الشمس ، في ذلك اليوم 
يلهث فيها الشعاع 
يسقط عند الأصيل ، على حافة النهر 
كانت دما .. والمساء 
يحلُّ على الشط حزناً
يحدق في كومة من ثياب 
يمر عليها تباعاً 
يحك بها أنفه المتأفف بعض الكلاب ]

....
....

أيها النهر 
يا جثة الزمن المترقرق 
كيف انطوت فيك هذي البكارة ؟؟
ما الذي ذوب الآن فيك المرارة ؟؟
يجتبيك المماليك عصراً 
ودهراً يحزُّ وريدك سيف الغزاة ونلقي بأفلاذ أكبادنا الناهدات العرائس فيك هدايا 
نحن متنا على شاطئيك 
وكنا دموع القرابين 
لم نجن منك سوى المرض المتوطن 
كنا حجارةْ 
لمن يبتنون القصور على ضفتيكَ 
وكنا ضحايا 
كيف يمضي الزمان ، وتبزغ فينا الحضارة 
والروح في الآدمي 
تناثر فيها الإباءُ 
شظايا 

(ج)

... جامعوا الصدقات القليلة 
حاصروني صباحاً 
فأخرجتُ جيبي لهم ضاحكاً 
حاصروني بإلحاحهم ، والعيون 
( آهِ .. تلك العيون ، التي مدَّ في قاعها الموتُ ظلاَّ ؛ وأهدابُها عنكبوت )
كان شيء يموت 
والوطن المترنح في حلقات الجنون 
فاقدٌ نخوات الرجولة 
لا يرى كيف تقعي على الأرض أشلاؤه
تسأل الناس 
أو تملأُ الطرقات
صياحاً عن الشفرات 
وعن صور اللاعبين
وسورة ( ياسين )
والسبع آيات 
والمصحف المتداول في العربات
والوطن المتأرجح في خصلات المنون 
ليس يحضن ، كالطير أفراخه
ليس يرعى الطفولة 

... 
...

جامعوا الصدقات القليلة 
حاصروني بإلحاحهم ؛ والجفون
( آهِ .. تلك الجفون التي تتدلى غداً ، ذابلاً شائكاً)

صحتُ
يا وطني 
كم تكون المسافة بين الجريمة والفقر ؟؟ 
[ ضاع الصدى 
صار دوامة ، جذبتني إلى قاع تلك العيون 
حيث أبصرت فيها قتيلاً ، وقاتلْ 
ولصاً ، تعضُ على معصميه السلاسلْ
وشيئاً 
أظنُّ هو الوطنُ المستكينُ 
تخبطَ في دمه .. هالكا ]

.... 
....

.. جامعوا الصدقات القليلة 
حاصروني بإلحاحهم في الصباح 
تدفق سيل الدعاء 
( تعثرت في الدعوات الطويلة )
حدثوني عن الله 
عن جنة الأتقياء 
صحتُ : " يا أيها البسطاء 
ضيعتكم دروب المنى المستحيلة 
فالجنة الآن في الأرض 
للأغنياء 
ومن يتقون الرذيلة 
وغداً 
في السماء
سوف يدخلها القادرون على رشوة الكبراء 
ومن يملكون البطاقات والتوصيات 
من الطبقات النبيلة "

(د)

دائماً تطلقين الأناشيد خلفي 
والزهور أمامي 
تطوق صورتيَ الشاحبة 
تذكرينَ 
وكنت أدب على أرضك اللاهبة 
لم تمدي يديك إلى جبهتي تمسحين التعب 
تذكرين 
وأنت بلادي 
تمدين فوقي هجيراً 
وتحتي سعيراً 
وحولي يحدق حتفي 
صرتُ في كف أمي المسنة تذكرة تتخطى بها عقبات الزمان
تصرف ؛ لو أظهرت جرحها المختفي بينها ؛ السلع الغائبة
لحظة 
تكرمين بها جسدي 
ثم تنفلتين إلى غابة اللهو .. والنسيان 
يسخر منها الموظف حيناً .. ؛ وحيناً يشيح لها بعيونٍ 
تفح اللهب 

.. .. ..
.. .. .. 

كان فرحي مروجاً 
من الحلم شاسعة 
وطوتها خيول التوهم 
أيتها الحرب 
أنت خلقت الأماني 
أنت أنجبت لي موسماً من خيال خصيب روته الأغاني 
إنهم يجتنون ثمار الدم المتخثر في أرض سيناء .. ، يا أمي النادبة 
لملمي كلَّ أشلائنا 
واضربي الوطن المتمزق 
قد ينتخي فيه حس الغضب 
لم تزل نسوة تتقلد جرحي على صدرها 
دمي يتأرجح في ناهديها عقوداً 
وعيني لها درة من جمان 
والعشيق ترامى على قدميها يريق الكرامة والنفط  وا كبرياء العرب 

.. .. .. 
.. .. ..

في مدى الحرب ؛ يشتبك اللون باللون  ؛  لكن وجهك أخضر 
أيها الوطن المتناثر في الأبجدية 
والنبرات الخفيضة في صلوات أبي 
والدعاء الذي لا يجفًّ على ثغر أمي .. ؛ والسرير الصغير ؛ ولثغ أخي .. ؛ والتخفي 
فجأة ؛ إن كسرنا الزجاج .. ؛ ولهفتنا للحكايا .. ؛ وجن ( سليمان ) في كل ليلة صيفِ
أيها الوطن المتبدد بين حقائبنا المدرسية 
والخرائط في غرف الدرس 
والشمس تنقر عند الصباح النوافذ 
والجارة المستحمة تنشر بعض ملابسها الداخلية 
والبائع الباكر الوجه يسند دراجة للجدار 
وفي فرجة الباب 
راح يكيل اللبن 
والحوار الرشيق بنافذتين .. ؛ وعينين .. ؛ في حارة ضيقة 
أيها الوطن المتبدد بين ملامحنا حين يشتبك اللون باللون ؛ وجهك أخضر 
ونصغر فيك .. ونكبر 

(ي)

.. يلبس الحزنُ وجهي 
وينساب في طرقات المدينة 
ينزف الصمت بعض الحروف الثخينة 
بيننا ؛ 
فأدير حواراً قصيراً في مداخل موتي 
يداهمني تحت جلدي 
[ .. كنتُ أشعل طرف اللفافة 
حين مرت أمامب النساء  ؛ يثرثرن عن فتنة اللون عن صبغة الشعر ؛ يأكلن من مدبرات الحروف ؛ ويمضغن قشر الثقافة 
والرموش الصناعية المستعارة 
والحواجب ، قد زججتها الصغيرات 
( يا شيخنا المتنبي عليك السلام ) الشوارع تمضغ أبناءها 
وتلوك العذارى 
وتلفظهن نساءً تسكعن ، تحت عمود الإنارة 
يجلسن في البار ؛ أو ينسكبن دماً ، في الدروب الحزينة ]

عربات الـ U.N
في طرقات القاهرة المحتشدة 
والفتيات صغيراتُ السن 
ينظرن إلى أغطية الرأس اللبنية 
فوق رجال الأمم المتحدة 

[ حين عرضتُ على سيف الله المسلولِ الصورَ التذكارية 
لجنود الأمم المتحدة 
في الأحياء الأثرية 
أبدى دهشته 
وأشار إلى ركنٍ في زاوية الصورة 
قلت له : " هذي الأهرامات المشهورة 
أما تلك الأجناد المنثورة 
في صور الألبوم 
فجنودٌ حفظوا السلمَ على خط النار 
رضيتْ عنهم كل الأطراف المعنية 
( مط الشفتين لدى نطقي " الأطراف المعنية "  .. )
غمغم شيئاً ؛ لم أأتبين منه سوى : " أعرف في زرقة أعينهم نسل الروم 
هل تسمع أصداء الحق القدسي 
حدثني السيف ؛ عن الرمح ؛ عن القوس ؛ عن السهم المارق ؛ عن نيران الحق الأزلية 
أن التسوية السلمية تعصف بالحق المهضوم 
تجلب للضعفاء الخزي الدامغ 
والموصوم" ]

يلبس الحزنُ وجهي 
وينساب في طرقات المدينة 
ينزف الصمت بعض الحروف الثخينة 
بيننا ؛ فندير حواراً قصيراً ؛ وأهرب منه يزاحمني في مداخل موتي ؛ يداهمني تحت جلدي 
حين أذكر أنا منحنا البلاد مواعيد حب ؛ أعدت لنا شعرها المترقرق شلال عطرٍ ؛ نوافذها غردت ؛ واستدار بها الناهدانِ ؛ تعرت لنا تحت ضوء القمر 
فاجأتها السياط على صدرها ؛ في أتون التحدي 
كانت الأرض تقعي 
وحين نصيح بها تشرئبُّ
تشب على طرف أقدامها 
تسمع الصوت منا وعوداً 
تُطَرِّزُ أحلامها الزئبقية 
عادت الأرض تبلع أحزانها 
تتقلص بين الخرائط ؛ في ذلة .. ؛ قفي هذه الأرض 
لا تهربي تحت أقدامي الناحلات وكوني انتمائي الوحيد 
وجرحي وحدي 

(ت)

تكتبين الرسائل .. تطوينها .. للحبيب البعيد 
آهِ .. أرملة الوهم والشوق 
والكبرياء الشهيد 
تنسجين خيوط الأماني ووهم الأغاني 
وجورب طفل وليد 
وتنتظرين البريد 

.. .. .. 
.. .. .. 

والرسائل في غرفة القائد المتصلب 
أشرعة أنهكتها الرياح 
ارتمت في المرافئ
يقرؤها ضابط الأمن في خلوة هادئة 
يقيس الحروف وأبعادها الناتئة 
هل تشف وتنضح أسرارها 
للعدو المرابط خلف الحدود ؟؟ 
من فروج الأصابع سال النزيف 
وذوب من الألم المستباح بها 
آهِ .. أرملة  الوهم والشوق 
لا توقظي جرحه المستكنَّ 
ولا تخفضي روحه المعنوية 
هل أمهُ بانتظار العلاج ؟؟ 
وهل بنته رفضتها المدارس ؟؟ 
لا تكتبي هذه المزعجات 
فما كل شيء يقال 
ولا ينبغي أن يحس به في العراء الجنود 

مرحباً بكم في صهيل القصائد ، إنه بإمكانكم التفاعل مع قصائد الموقع والكتابة إلى شعرائها أو عن القصائد مباشرة ، ارسل ما تريد قوله إلى الإدارة لنشره بشرط القيمة والحفاظ على  مشاعر الآخرين والمعيارية في الحكم.. مرحباً بكم

الموقع : أخبر به صديقاً                 

محصي الزائرينCounter
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شبكة الأخوين الثقافية