تعويذة تدمرية

غسان كامل ونوس

تعـويذة تدمرية

وقصائد أخرى

شعـر
غسان كامل ونوس

تعويذة تدمرية

                                        -1-

منزرع في الرحم الأولى

منفلت من قبض يقين

منشغل بصرير الحلم

يشيع تابوت الأيام…

                                   ***

                                   -2-

مزمار يبحث عن شفة

           واللحن يطوف

وتراتيل الولع الناهض

أفق يتراقص

       في مد الرؤيا

وشهاب ينسل ستر عماء

وحرائق في جوف التنين الهامد

                               ***

                               -3-

تترجع في الأمداء المسعورة

أمواج الوجع المسكوب

         على أوتار الشجن

                 المتكاثف

               في أودية الروح

وعلى أفق مسفوح

يتلوى لحن منفرد

والجوقة تسترق السمع

وتضحك ملء الأنفاس

وشحوب منسدل

وعيون جاحظة

ونيام …‍!

                                ***

                                -4-

جئنا

من يستذكر

       طعم الكأس الأولى

      وصدى اللحن الطفل..؟!

من يرتشف الطيف العائم

             والجو سديم..؟!

جئنا..

جئنا نشكو قدام شرودك

     فلم لا يهتز الجفن..؟!

     ولم لا ينفتح

               مسام الغيم الراكد..؟!

ولم لا ترتعش ذؤابة

             عشق

                   غابر..؟!

                                  ***

                               -5-

عالية أحداق الضوء

والقامة من حجر فارع

          والرجم فصول..!

                                ***

                                -6-

إني رهن عمائك في رقدتك

                    الجلى

يامُوقد لهفتي الحرى

وصدى خطوك

        صوتك

يترجرج في قاعي المطمى

يا مومض صحوتي المرّه

                               ***

                               -7-

كيف أخبئ وجهي

         وأنا عارٍ..؟!

كيف أقابل وجهك

         وأنا هش..؟!

         وشراعاتي علقت

               في أدران الدهليز..؟!

         ومساماتي صدئه..؟!

جئت أفتش عن

         حبل السرة

/مقطوع من زمن النكران..!/

                              ***

                              -8-

مزقني صمت المجداف

   ونبضك تعويذه

   عبرت كثباناً من أرق

      وأخاديد القلق

ومفازات البوح السريه

كلمني..

سكوتك يصدعني

وشرودك يلقيني في التيه

عاتبني

بح لي بمرارات الصلب

       وعذابات الظهر المطعون

                والخفق المدمى

حدثني

رد إلي الصوت

مد إلي يديك

لا ترسل عينيك بعيداً

صرت إليك قريباً

بيني في الهم

       وبينك

أنك ميت حي

وأنا حي

كل صباح

      يذوي..!!

                                ***

                                -9-

خبرني

   كيف احترق النهر

        وجف النسغ

        وطاف الملح

        وغار اليخضور..

   كيف امتلأ الأفق جراداً

    والساحة مجمرة لهاث

    والشارع تابوت

                  مصقول..

                              ***

                             -10-

عارية روحي

   حتى من ورق التوت

من يعتقني من

            هذا الجوع..؟!

من يقذفني خارج

            هذا الوقت..؟!

من يرسم لي

           وجهاً من حجرٍ..؟!

من يحشرني

       في رقصة هذي العمدان..؟!

أجري..

أهرب من رائحة

            دخان طازج

            ونداء محروق..!

من يوقظني..؟!

   آه لو أحلام..!!

                             ***

                            -11-

تتهادى في بيداء الصمت

          نجوم تعبت

             من هم التحديق

والرمل فحيح

والسفح خرير مكتوم

والريح صدى مبحوح

وملامح عاصفة تتعرى

واللوحة أصداء

            كونيه

لم يبق سوى

       سهم مشدود

      وإشارة بدء عالقة

             بشفاه عروس مضرية..

تضاريس على أفق شاحب

إليك / أيا ذا المساء الفسيح
بساطاً من الوخز والإحمرار /
إليك احتراقي

إليك الجراح الصديدة
وهذا النزيف
يغطي الثواني البليدة
لقد ضاع صوتي وتاهت علاماتي الفارقة
سوى رعشة في الرماد
وحلم ينوس
وهذي لأنفاسي العالقة
أَأُدعى رفيقَ المدار السحيق
وأُعطى رداءَ الخلود؟
أَأُدعى طريدَ الزمان المُسِنِّ
وأذوي صدى لا يعود ؟

* * * * *

ضباب / كفن
ضباب يلف الصباح
ضباب كنصل يشعُّ
يلف الصباح
الـ أضاع الشراع
وألقت إليه الورود اللهاث
وناحت عيون بصمت
وهامت شموع حيارى
لوهج الصقيع
حذار ..
أيا نبضتي الغافلة
ضياع المرافيء
حذار من الرعشة الهاربة
ومن موعد لا يجيء
ومن جانحٍ تحتويه الرياح
فيفتقد الذاكرة

* * * * *

تجوب المدى مشرعاً كسيف يشجُّ الصدى
ففي الغمد موت كسول
وتلك الفتوحات
هذيٌ وعار
وفوق الضفاف / بلا دفق ماءٍ /
تهادى سنابل
فلا الزهو يهفو إليها
ولا ترتضيها أغاني الحصاد
وتمضي شريداً
بلا ذكريات
كصوت عصي
على الأغنيات
وعبر المساء
تهيم كقبلة حب عتيق
ترف فتهوي على جرحها باردة
تموت ولا تبلغ الجذوة الواقدة

* * * * *

تنبه
وأحكم رداء الحياة
فإن العصور الـ تلي قاتلة
وكل الكلام المواسي
وكل المراثي
قروح بآفاقنا الجاهلة .

مومياء

فوق التخوم الغائمة
وعلى الشواطئ.. والذرى
تقعي وحيداً .. مفرداً
تتجشأ الآمالا
تجتر المراثي
وتقيءُ أوقاتاً عصية
ترنو إلى الأفق البعيد
تسائل الأمواج : هل خبرٌ عن الناجين؟؟
هل من مراكبَ قد تجيء الآن .. بعد الآن ؟
هل تأتي الرياح
وطلع أغنية من الزمن الرضيع ؟
أين العرائس .. سرة الماء
الحكايا
والوصايا
والهدايا ؟

* * * * *

يا مولعاً بالدفء واليخضور
يا أيها المسكون بالصمت
ستظل ترقب حاجز الأسلاك
تعبرك السلالم والمراجيح
وقامات الطحالب
وتظل ترقب وجهك المصلوب
في أيقونة
وعباءة سوداء
تحملها رياح البحر
تنهشها طيور الرخ
تدمي صمتها الدهري
ترميها على أنياب
حوت
وتحاول التذكار :
أنى رأيت الوجه هذا ؟
أتخصني هذي الملامح يا ترى ؟
أم لوحة أثرية ؟
أم مومياء ؟
ستظل تندب أمسك الغجري
والصبح القصي
وحلم غيم مر من زمن بعيد
وستكتب الأسماء واالآمال
والعنوان
فوق الماء
أو فوق الرماد
ويمر عام أو قرون أو عصور
واليافطة
ليست سوى قطع
تناثر من ضباب

* * * * *

الكأس كأسك

(1)

لا الريح تنسيني الذي قد كان
والآتي - ولا الشمس العنيدة
والمسافات الشريدة
لا .. .. ولا الصمت الحرون
لا الشاطيء الموبوء بالأضواء والذكرى
وخفق الأشرعة
لا الوهج
لا الرقص المدجن
لا السلافات الهجينة
لا الوشم
لا الاسم الموشى والمسجى
لا الحروق
ولا الندوب
لا العرس لا حسن العروس
ولا العريس
ولا جموع الراقصين / الغافلين

* * * * *

(2)

الكأس كأسك
ليس لي كأس لأشرب
ليس لي رقص ولا صوت
ولا وقت .. لأحيا
ليس لي أوراق تقويم لأقرأ حكمة منسية أو طرفة ووصية
أو يوم ميلادي
أو العيد الصغير
أو الكبير
ليس لي نبض لأعلم
كم يكون الوقت ؟
هل مرت طقوس العقم ؟
أم جاء وقت الصمت
أم حانت ترتيل العبادة
أم أناشيد الولادة ؟
ليس لي ضوء لأقرأ في جبينك
أو عيونك
أو شفاهك
غصة الدعوات
أو لون النزيف

* * * * *
(3)

عييٌ صوت مزمارٍ
تراوده عن الألحان والترجيع
وبُحتك التي ما فارقت
موالك الممتد من أعماق جرحك
للمدى المنشور فوق الريح
وصراخك المحموم
في لحظاتك العظمى / أو الصغرى / فحيح لا يقول ولا يريح
وصدى الخطى والرقص
والألوان
والأضواء
لا تكفي
لتوقظ في الثرى الغافي
عيوناً
من جليد
او تعيد الروح للميت المؤجل موته
والجثة الملقاة
من زمن اكتمال النضج
في عرض الطريق

* * * * *
(4)

نوحٌ .. وأغنية
وداعٌ .. والتقاء
نبض توهج في العروق
وفي الخطى
جمر يشع من المسام
ويستعاد
والحزن موال يعرش
في انتثارات الأغاني
وانثناءات التخوم
والوقت / صياد المواسم والفصول /
ينسل
مزداناً بأشلاء تراقص
تحت وقع السوط
( السوط / نبض يمامة خضراء )
والوقت تابوت يضيق على غدٍ
وهج ينوس وينطفي
فعلام ترقص للرماد
وتستزيد ؟ .
Last update 20.7.2004; www.g