إلى روح
الشاعر الراحل / عمر نجم ابن
محافظة سوهاج بصعيد مصر
الفتى
عازف الناي غادر أعشاشه
من (سوهاج) الصعيد إلى القاهرة
أسرته عيون المدينة
والمقلة الساحرة
وعيون البنات اللواتي تسلحن
بالناعس الطرف
واللفتة الباترة
حين غنى .. تغنى بأوجاعنا
قطر الحب من قلبه شهد كل الأغاني
الجريحة
سكنت قلبه (مصر) غادة كل الحسان
فأسلمها وجهة النبض والأمنيات
الجموحة
لم يغيبه عنها حصار الغبار
المثار ، ولا الغاشيات
التي تتحلق حول المليحة
لم تغيبه الثعالب لما بشمن
ولا هرطقات الذئاب إذا ما تسنمت
الذروة الطاهرة
والفتى عازف الناي يرسل
ألحانه
(للحواري) تدق على باب روح
الحقيقة
والناي شجو جسور ، يعيد لموت
المساء بروقه
راح يلمس عمق الجراح بأنته
المبصرة
فاستبته جراح العروبة
وتواريخ أرض الخصوبة
واستبته عيون (فلسطين)
مذ بللت مقلتيها دموع الأسى
الحائرة
واكتسى سندساً للقباب
رداء الضباب
المكب .. فجاءت أغانيه فوق
القباب
ندى
واستشاط الصدى
معلناً غنوة ساحرة
تتدفق دقاتها في فؤادك يا (مصر)
صوب (فلسطين) في رفرفات الدموع
وفي همسات الخشوع ، وفي تمتمات
الصلاة
الفتى يسقط الآن مستشهداً
بالغرام
وقد نزف الناي ألحانه من
دماه
ولك الله (سوهاجنا) تلدين
الأماجد
ينفرطون بكفيك نحو عيون
المليحة
ثم يسقط سهم الغرام
الشداةَ
الشداة
عيناك
كاذبتان
كل الرؤى كانت بقلبي صادقة
والوجس كان على دروب الليل
ينبئني بأن البحر
رهو بين عينيك
يخفي وراء الموج ، عاصفة وصاعقة
وبرقا
يودي بمن تَخِذَ العيون النجل
مرقى
أو من تعلق في غصون الوصل
توقاً
الآن تغرق في الأعاصير الغبية
كل أحلام السنين المزهرات
الواجفات اليوم في التذكار ،
أشجارَالخرافة والرماد
كانت نبال الهدب تقدرُ أن تروض ،
خافقي
كان العصيُّ يطيع منكسراً لصوت
الحب
يلغي في الحجى نبر الرشد
كان الولد
يلغي مناجزة الخواطر واصطكاك
الخوف
حين تفور في الأعماق آماد
الزبد
عيناك فاتكتان ، خادعتان ،
تزقزقان
كي تأكلا حبات أعيننا وحبات
القلوب
تتخطفا حبل الوصال
وتصوِّبا كل النبال
عصفورتان من اللهب
عيناك تخترعان قاموس الريب
فتزينان لنا الوصب
وتحببان لنا الأرب
تبت يدا من يُنْتَخَبْ
تَبَّتْ يَــدا من يُنْتَخَبْ
عيناك لي عتقٌ وموتٌ
ومرافيءٌ فيها خُطِفْتُ
وفخاخ
صيدٍ راودتْ
خطوي وفي فمها ارتميتُ
وحدائقٌ
لبَّى فؤادي
صوتها حتى ثملتُ
فوحُ
الورود مُخَدِّرٌ
والغصنُ أشواكٌ ومقتُ
عُودي
النحيل بخورها
قد أشعلتني فاحترقتُ
أدمنتُ
حرقي بالجوى
وعلى مجامره اكتويتُ
وكبرتُ
في حبي ولكن
ما درجتُ وما حبوتُ
عيناك
لي عتقٌ وموتُ
فلأي زاوية لجأتُ؟
شفةٌ
مورجة الرضاب
على حمياها اعترفتُ
وثغور
نبرٍ جائعات
وعدها مطلُ وفوت
فمها
استغاث بكذبها
وأنا أذوب به فذبتُ
عيناك
لي عتقٌ وموتُ
يا هدبها العاتي أصبتُ
والنظرة
البتراء تشطرني
وقلبي الغر بيتُ
مصباحه
الوهم الجميلُ
وطرفها نورٌ وزيت
فإذا
أشاحت وجهها
أظلمْتُ يا دربي كبوت
وتطفأت
كل المصابيح
النحيلة فانطفأت
وحدائق
التذكار يأكلها الرماد
فأين نبتُ؟
يا
كم حواني فوحه
وبدهشة العطر انتشيتُ
أحببتُ
فيك الموتَ هل
يتقدمُ الأحياءَ مَيْتُ؟
وفطمتُ
قلبي على هواك
فماله إلاك سمتُ
وفطمتُ
عيني على رؤاك
فصامت العينُ وصمتُ
لا
حسن يلفتُ ناظري
والعين أنت إذا التفتُ
وفواخِتٌ
مرت وقد
حنت الجناح فما حننتُ
لا
صوت يطربني سواك
فلم يعد إلاك صوتُ
شيبتِ
قلبي الطفلَ هأنذا
بشيب الرأس عــدتُ
ولكم
توهمتُ الرؤى
أني بعينيكِ ولدتُ
مَنَّيْتِني
حتى ارتويتُ
وفي صحارى الوهم ضعتُ
لا
حلم يبرق للعيون
وليلها غيم وكبتُ
الشعر
كان الترجمان
بكل أشواقي شدوت
قلدتك
الدرر الحسان
فبعتها وحواكِ صمتُ
وقتلتِ
عاشقكِ المتيم
ما تردد فيك سحت
لا
أنس يأتي للجميلة
شد شال الحزن وقتُ
كنت
الجمال العبقري
فهل ترى يحويك نعت؟
أم
هل ترى اتسع البيانُ
لوصفك الغالي فبحتُ؟
أحببتُ
فيك الموت
حتى في دلال العشق متُّ
عيناك مبتدئي ومختتم الجوى
كل اللواتي قد مررن على الفؤاد
محطةً فمحطةً
كن انتظاري لانبثاقة فجرك
المضفور من توقي
ومن تهاويل العناد ومن مراوغة
الهوى
كل اللواتي قد وقفن على دمي
كن المحطات الأخيرة للوصول
علقتهن على فؤادي كالدمى
إذ راوغتني في هواك دروبي
المتلعثمة
ولكم ذهلتُ أمام تفسير الحروف
أمام صوت التمتمة
وأمام مولد مقلتيك من الغشاوة
من تباريح انتظاري المهلكة
عيناك مملكتي
إذا عَـزَّتْ على المملكة
وإمارتي وتبوُّئي السلطان
والعرش المهيب
عيناك تاريخي الخصيب
عيناك في قلبي ابتهالات الصباح
المُنْعِمِ
كل اللواتي قد وقفن على دمي
مثل الدمى
فإذا سطعتِ خَفَتْنَ صاح القلب
صحت : تكلمي
أنت التي أعني هواها من مدار
الأنجم
من غربتي في الشعر والأفلاك
والليل العمي
وفي ضبابات الغمام الأبكم
لا تُقلعي عن ناظري لأي دربٍ في
الدروب
فأنا على الدنيا غريب
وأنت من تمشين مؤنسة لروحي في
الصباح وفي الظهيرة والغروب
وتترجمين خفوق قلبي في الصفاء
وفي الكروب
وتدثرين تلهفي بالدفء في عمر
الصقيع
وتشكلين ربيع عمري لو تجافاني
الربيع
إني أحبك زورقاً يختال في الليل
المروع
يستلّني من لحظة التشريد
والأحزان والليل الكئيب
يستلني لأمان حبك عند شاطئه
البعيد
لا تقلعي عن ناظري لأي درب في
الدروب
فأنا على الدنيا غريب
وأنت توأم هذه الروح المغيبة
النشيد
ولأنت لي هذا الوجود
وأنا بدونك مظلم كالليل تخذله
البدور
وتطفأ النجمات فيه ولا يراقصه
الحبور
أحيا انتظارك دائماً والعشق
يحملني إليك
والتوق يشفع لي لأحضن مقلتيك
فلا تغيبي عن مداراتي وعن قلبي
الشريد
و لا تضيعي في مدى الأفلاك
والإفك المزين
بالتلهف والوداد
وبالمداهنة البَرُود
لن يحتويك سواي إنا غربة
الإحساس في هذا الزمن
وأنا وأنت لمن يحسون الوطن
وأنا وأنت هنا أتينا بالخطأ
إنا هبطنا في مكان من أتاه قد
انكفأ
فلم نجئ لزماننا ومكاننا
وأنا وأنت التوأمان
وأنا وأنت زمان عشق قد تغرب في
المكان
وفي الزمان
أفتقبلين بأن نتوه هنا بتيه
اللامكان
ونصير أغنية الوداع على دموع
للكمان
ونصير أغنية التبدد في المسافات
القصية والدروب المهلكات
وأنا وأنت غناء هذي السوسنات
لا تغربي عن مقلتيّ
أنا وأنت التوأمان
وأنا وأنت نصوغ أحلام الزمان
ونصوغ أيام الهوى
متحديين زماننا
واللامكان