alQods

 

 

ourQods

 

 

 

strict

 

 

 

قدسنا

 

 

المسجد الأقصى

 

 

المسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي للمعبد العتيق في أرض فلسطين، فهو مسجد قديم قدم البشرية، بناه آدم عليه السلام بعد المسجد الحرام بأربعين سنة،

وعاش في أكنافه معظم الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم الخليل إبراهيم عليه السلام.

والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم، فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجدا بالمعنى الشرعي، فإليه تشد الرحال وفيه تضاعف الصلوات.

مسجد قبة الصخرة

يدخل ضمن المسجد الأقصى مسجد الصخرة ذو القبة الذهبية المنصوبة على المبنى المثمن، ومع أنه لم يرد نصٌّ يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد منها إلى السماء، إلا أن كثيراً من المؤرخين اعتقدوا ذلك، ويروي أحبار اليهود الذين أسلموا أن أول من صلى عندها آدم عليه السلام، وأن إبراهيم عليه السلام اتخذ عندها معبدا ومذبحا، وعليها أقام يعقوب عليه السلام مسجده بعد أن رأى عمودا من النور فوقها، كما يروون أن يوشع عليه السلام نصب عندها قبة الزمان، أو خيمة الاجتماع التي صنعها موسى عليه السلام في التيه ليتلقى فيها الوحي، وليؤدي فيها بنوا إسرائيل فرائضهم.

الآيات

التي ورد فيها ذكر المسجد الأقصى والأرض المباركة

للأرض المقدسة والمسجد الأقصى مكان متميز ومكانة رفيعة في قلوب المسلمين، فالقدس والأقصى يسكنان قلب كل مسلم، وقد وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة:

1- قال موسى عليه السلام لقومه: ((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ولا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)) [الأعراف: 137].

2- وقال الله عنها: ((وأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا)) [الأعراف: 137].

3- وقال سبحانه ((سُبْحَانَ الَذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الإسراء:1].

4- وقال ((ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:71].

5- وقال ((ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا وكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)) [الأنبياء 81].

6- وقال ((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ)) [سبأ: 18].

7- وجاءت الإشارة إلى قدسية هذه الأرض حين أقسم الله بها مع غيرها في سورة التين ((وَالتِّينِ والزَّيْتُونِ * وطُورِ سِينِينَ * وهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ)).

8- وفي قوله تعالى ((واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ)) [ق: 41]، ورد في التفسير أن المنادي هو إسرافيل ينادي من صخرة بيت المقدس.

9- وفي قوله تعالى ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)) [النور: 36] قال عكرمة إنها المساجد الأربعة: "الكعبة ومسجد قباء ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس".

10- وفي قوله تعالى ((ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وسَعَى فِي خَرَابِهَا)) [البقرة:114]، قال كثير من المفسرين: هو مسجد بيت المقدس.

11- وفي قوله عز وجل ((يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ والْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا ورَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ)) [الحديد:13]، قال ابن عباس: السور: سور بيت المقدس، به باب الرحمة، وخلفه وادي جهنم، وبربط هذا التفسير لابن عباس رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن القدس بأنها: "أرض المحشر والمنشر"، نستطيع أن نفهم أن القدس بأسوارها، ووديانها، ومبانيها، هي نموذج مصغر للأرض التي سيجري عليها الحساب، وأنها بذاتها ستكون منطلق الناس من الأرض إلى الساهرة التي سيحاسب عليها البشر.

12- وقال تعالى ((فَإذَا جَــاءَ وعْـدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَــرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَـا عَلَوْا تَتْبِيراً)) [الإسراء:7]

وقد أجمع المفسرون على أن المسجد المذكور هاهنا هو المسجد الأقصى.

هذا وقد كانت صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في ليلة الإسراء إقرارا مبينا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن وطأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين، وكان في الإسراء دلالة على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى في شرع الله، هي الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة التي أم رسولها سائر الأنبياء، ولا شك أن في اقتران العروج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلا على مدى ما لهذا البيت من مكانة عند الله تعالى.

الأحاديث

التي ورد فيها ذكر المسجد الأقصى والأرض المباركة

وردت عدة أحاديث نبوية تبين فضل ومنزلة وشرف المسجد الأقصى وبيت المقدس في دين الإسلام، ومنها:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى".

[البخاري، ومسلم].

2- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربـطـته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـرج بي إلى السماء".

[مسلم].

3- عن جنادة بن أبي أمية الأزدي قال: "ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الدجال، فذكر الحديث وفيه "علامته يمكث في الأرض أربعين صباحا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى والطور".

[أحمد].

4- عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا: حكما يصادف حكمة، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه؛ إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة".

[أحمد والهيثمي].

5- عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس"، قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه".

[أحمد وأبو داود].

6- عن ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: "إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: "عليك ببيت المقدس، فلعله ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذاك المسجد ويروحون".

[أحمد ، والهيثمي].

7- عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ قال: قلت إلى السعة والدعة، أنطلق حتى أكون من حمام مكة، قال: كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال: قلت إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة، قال: وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟ قال: قلت والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي".

[أحمد، والهيثمي].

8- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق - إلى أن تقوم الساعة".

[أبو يعلى].

9- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسـي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعـته بصري، فعمد به إلى الشـام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".

[أحمد، والهيثمي].

10- عن أبي حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: "يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور والعظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك".

[أحمد وأبو داود والحاكم].

11- عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من آدم فقال: "أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً ".

[رواه البخاري].

12-عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا - ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم بيت المقدس؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً". أو قال: "خير له من الدنيا وما فيها".

[أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني].

13- قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليحلق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله".

[صحيح الجامع الصغير للألباني].

14- قال صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".

[صححه الألباني].

15- قال صلى الله عليه وسلم:"إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام.

[صححه الألباني].

ومن تلك الأحاديث المذكورة وغيرها مما ورد في فضل المسجد الأقـصـى والأرض المقدسة، يظهر لنا علو منزلتهما في الإسـلام مما جعل لهما مساحة كبـيرة في أوراق الـتـاريخ الإسلامي منذ عهود النبوة وحتى آخر عصور الخلافة الإسلامية.

لقد حافظ المسلمون على مفاتيح القدس منذ استلمها عـمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى جاء من المسلمين من فرط فيها بضـعف إيمان وخذلان فذل ليهود واستسلم، ولن يكون التفريط حجة على المسلـمين أبد الدهر، ولن يوقف العزائم ويسلبها الحق ما كان في المسلمين إيمان وإسلام، وهذه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل  صلى الله عليه وسلم: "لا تزال عصبة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم، ظـاهـرين على الحق إلى أن تقوم الساعة" فلن ينقطع الجهاد لاستلام مفاتيح الـقـدس ثانية، ولذا فإن بيعة الجهاد اليوم تنعقد بنية الجهاد لتخليص الأقـصى من أيدي يهود، فمن لم يحدث نفسه بغزو فهذه فرصته فليحدث نفـسه لغزو يهود صادقا من قلبه ليشهد بشارة النبي صلى الله عليه وسـلم، فيفوز بمنزلة الشهداء، وهو من تلك العصابة وإن مات على فراشـه قال صلى الله عليه وسلم :

"من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" والصدق في سؤال الشهادة أن يجاهد بما يستطيع ما وسعه ذلك، فإن لم يستطيع ان يكون من تلك العصابة المشهود لها بالإيمان فليجاهد بما يجود من مال فهذا جهاده يعدل به جهاد من بذل نفسه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ولا يعذر بعد ذلك حبة خردل.

إن شأن القدس ومدينته ودولته شأن المسلمين كلهم لا شأن أهله فحسب بنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما قد جـعلا لكل مسلم حقا بجزء من تلك الأرض المباركة، يقابله واجب، هو واجـب النصرة بكل صوره، مهما تخاذل المتخاذلون أو استسلم المستسلمون، فالحجة تبقى قائمة مع الحق وأهله وعلى الظلم وأهله إلى يوم الدين.

وليأتين وعد الله، وعد الكرة الأخيرة للمسلمين على اليهود بعز عزيز، ولن يخلف الله وعده قال تعالى ((فَإذَا جَــاءَ وعْـدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَــرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَـا عَلَوْا تَتْبِيراً)) [الإسراء:7]

تاريخ بناء المسجد الأقصى المبارك

يعتقد أغلب العلماء أن الملائكة أو آدم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، بعد أن بنى المسجد الحرام بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: "قلت يا رسول الله: أي مسجد وُضِع في الأرض أولا؟ قال المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة" [البخاري ومسلم].

وبعد الطوفان الذي غمر الأرض في عهد نوح عليه السلام، لم يبق لبناء آدم  أثر.

عهد النبي صلى الله عليه وسلم

أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق وهي الدابة التي كانت تحمل الأنبياء قبله، فركبها ثم خرج به صاحبه يريه من الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء عليهم جميعا السلام، قد جُمعوا له فصلى بهم بعد أن ربط دابته (يعتقد المؤرخون أن المكان الذي ربط فيه البراق هو الحائط الغربي الذي يسميه اليهود حائط المبكى)، ثم صُعِد به عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا، وقد كان المكان الذي صعد منه النبي صلى الله عليه وسلم خاليا وأقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مكانه المسجد الأقصى حيث وجد بقايا السور الذي يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط فيه دابته: البراق.

في عهد الخلفاء الراشدين

دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس من جهة جبل المُكَبِّر، الذي سمي بذلك لأنه عندما وقف عليه كبر وكبر المسلمون من خلفه، ويروي المؤرخون أنه بعد أن كتب العهدة العمرية، قال لصفرونيوس، كبير أساقفة النصارى: أرني موضعا أبني فيه مسجداً فقال: على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب، ووجد عليها ردماً كثيراً حيث كانت الإمبراطورة هيلانة قد أمرت بتدنيسها نكاية في اليهود، فشرع في ازالته، وتناوله بيده يرفعه في ثوبه، واقتدى به المسلمون كافة حتى أزالوه. وأمر ببناء المسجد. وجعل الصخرة في مؤخرته.

وقيل أن الذي دله على موضع بناء المسجد؛ هو كعب الأحبار، أحد كبار علماء اليهود الذين أسلموا وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

العصر الأموي

في ضوء الحفريات الحديثة التي جرت في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، كشف النقاب عن الهيكل المعماري لدار الإمارة الأموية في بيت المقدس، من خلال البقايا المعمارية والأثرية لخمسة مبان ضخمة عبارة عن قصور وقاعات كبيرة، دلت وأكدت تاريخ الأمويين العريق في بيت المقدس.

ولقد غيرت هذه الاكتشافات الجديدة، نظريات وآراء عديدة فيما يخص تاريخ بعض المعالم الأثرية في الحرم الشريف، مثل الأثر الذي يعرف بإسطبل سليمان وباب الرحمة وغيرها، وكان قد علق في أذهان العديد من الباحثين والمختصين على أن تاريخ تلك المعالم يعود لفترات سبقت الفتح الإسلامي لبيت المقدس، ولكن ما أن ظهرت هذه المكتشفات الجديدة، حتى غيرت هذه الآراء والمفاهيم، فإسطبل سليمان نسبة إلى سليمان بن عبد الملك وليس إلى النبي سليمان.

وفي عصر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بدأت المسيرة المعمارية المباركة لتعمير بيت المقدس، فأمر ببناء قبة الصخرة المشرفة، وأوصى ابنه الوليد بن عبد الملك، الذي امتاز عهده بالرخاء وكثرة البناء، بإكمال هذه المسيرة، فقام ببناء المسجد الأقصى ودار الإمارة ومعالم أخرى.

وعلى الرغم من أن المصادر التاريخية لم تذكر وصف المسجد الأقصى في الفترة الأموية، إلا أنها أجمعت على أن الخليفة الأموي الذي بنى المسجد الأقصى، هو الخليفة عبد الملك، أوابنه الوليد.

ومن الممكن أن يكون الخليفة عبد الملك قد بدأ البناء وأتمه الوليد.

ولقد كانت مساحة المسجد الأقصى المبارك في العهد الأموي أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وظل المسجد قائما بتخطيطه الأصلي الأموي حتى سنة 130 هجرية/746 ميلادية، حيث تهدم جانبيه الغربي والشرقي جراء الهزة الأرضية التي حدثت في تلك السنة، كما حدثت اضطرابات في أواخر العهد الأموي، هدمت فيها بعض أسوار القدس.

الأمويون وقبة الصخرة

لقد بات معروفا تماما أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام 76 هجرية/ 691 ميلادية أي في فترة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-68 هجرية/ 684-705 ميلادية)، وذلك حسب النص المادي والموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي الأموي والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها.

يقول النص: "بنى هذه القبة عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنين وسبعين تقبل الله منه..." وهنا لا بد للقارئ أن يتساءل كيف تداخل اسم المأمون الخليفة العباسي (198-218 هجرية/ 813-833 ميلادية) مع التاريخ هجرية.

والجواب هنا أنه أثناء أعمال الترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي المأمون، قام أحد الفنيين بتغيير اسم "عبد الملك" الخليفة الأموي مؤسس وباني قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسي أن يغير التاريخ حيث تم اكتشاف الأمر بسهولة ولا نظن هنا أنه كان للمأمون رأيا في هذا الأمر، وإنما جاء الأمر من قبيل الاجتهاد على يد أحد الصناع. ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعب القبول به: ذلك أن التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلى الفترة الأموية، وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية من نصوص تؤكد على أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء هذه القبة ووقف لبنائها خراج مصر لسبع سنين.

فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شئ فإنما يدل على الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية والتي تعكس تأثير القوم الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام الإمبراطوريتين العظيمتين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت. وهذا يقودنا إلى السؤال عن السبب الكامن خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة والعظمة، فمما لا شك فيه أن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدة الإسلامية لما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والروايات التاريخية المنقحة فلولا وجود هذه الصخرة كرمز ديني إسلامي ارتبطت بمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها.

وهذا يجعلنا نستبعد التبرير السياسي الذي أورده اليعقوبي، واتّهم فيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعا في ذلك مبايعة الحجاج لعبد الله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية، مما جعله يكثر من تشويه صورتها أمام الخلافة العباسية.

فليس من المنطق إذن أن نقبل رواية مدسوسة على الخليفة الذي حكم فترة تزيد عن العشرين سنة وعرف عنه خلالها الحزم والحكمة السياسية وقوة الإرادة وبعد النظر والاهتمام بالعقيدة الإسلامية، فكيف يعقل لخليفة في مثل هذه الصفات وصاحب تاريخ عظيم أن يقدم على التلاعب بركن من أركان الإسلام (الحج) بهذه البساطة التي يرويها اليعقوبي.

ولكننا نتساءل هل كان ضروريا أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان يستطيع أن يبنيها بشكل أبسط وغير مكلف، ولكننا إذا أمعنا النظر بالظروف التي أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبة وحللناها لوجدنا أن الخليفة عبد الملك بن مروان بناها بهذا الشكل لإظهار عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظميين الفرس والروم. ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام كان السكان في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات. ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤية الحضارة البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسة القيامة في القدس الشريف وكنيسة المهد في بيت لحم. فما كان للخليفة الأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة منافساً فيها العمارة البيزنطية  وليبين ويثبت للسكان مدى قوة الدولة الإسلامية الجديدة.

وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام 985م حينما وضحه أثناء مناقشته مع عمه بخصوص العمارة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصه على لسان عمه : "ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظمة قبة القمامة (القيامة) وهيئتها، خشي أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى".

في عهد الدولة العباسية

إن ما شاع عن العباسيين أنهم لم يهتموا بالحرم الشريف وعمارته ليس صحيحا فقد تم ترميم المسجد الأقصى لأول مرة في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ولكنه ما لبث أن تعرض لهزة أرضية عنيفة ثانية في سنة 158 هجرية/774، أدت إلى تدمير معظم البناء، الأمر الذي جعل الخليفة العباسي المهدي، يقوم بترميمه وإعادة بنائه من جديد في سنة 163 هجرية/780 ميلادية وقد كان المسجد الأقصى في عهده يتألف من خمسة عشر رواقا، حسب ما جاء في وصف المقدسي.

وقد حافظ العباسيون قدر استطاعتهم على عمارته، دون تغيير ملموس في ذلك الطابع المعماري الذي نفذه الأمويون.

ففي سنة 216 هجرية / 831 ميلادية زار الخليفة العباسي المأمون (198-218 هجرية / 813-833 ميلادية) بيت المقدس وكان قد أصاب قبة الصخرة شئ من الخراب فأمر بترميمه وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة الصخرة المشرفة مما حدا بالمأمون أن يضرب فلسا يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هجرية كذكرى لإنجاز ترميماته ذلك.

وفي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (295-320 هجرية / 908-932 ميلادية) في سنة 301 هجرية / 913 ميلادية، تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة اشتملت على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله نصرها الله وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى وثلاث مائة".

في عهد الدويلات الإسلامية

(الطولونيين والإخشيديين والفاطميين)

في الفترة الفاطمية، تعرض المسجد الأقصى لهزة أرضية أخرى حدثت سنة 425 هجرية/1033 ميلادية، أدت إلى تدمير معظم ما عمر في عهد المهدي، حتى قام الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله بترميمه في سنة 426 هجرية/1043ميلادية، حيث قام باختصاره على شكله الحالي وذلك عن طريق حذف أربعة أروقة من كل جهة، الغربية والشرقية، كما قام بترميم القبة وزخارفها من الداخل. وقد أشير لترميماته هذه من خلال نقشه التذكاري الموجود والذي جاء فيه ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم نصر من الله لعبد الله ووليه أبي الحسن علي الإمام الظاهر لإعزاز دين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين أمر بعمل هذه القبة وإذهابها سيدنا الوزير الأجل صفي أمير المؤمنين وخاصته أبو القاسم علي بن أحمد بن أحمد أيده الله ونصره وكمل جميع ذلك إلى سلخ ذي القعدة سنة ست وعشرين وأربع مائة صنعه عبد الله بن الحسن المصري المزوق".

ثم تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة سنة 407 هجرية/1016 ميلادية، وأدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386-411هجرية/966-1021 ميلادية) واستكمل الترميم في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله (411-427 هجرية/1021-1036 ميلادية). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413 هجرية/1022 ميلادية، وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة.

الاحتلال الصليبي

لما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 492 هجرية/1099ميلادية، قاموا بتغيير معالم المسجد الأقصى والذي استخدموه لأغراضهم الخاصة، منتهكين في ذلك حرمته الدينية، فقاموا بتحويل قسم منه إلى كنيسة والقسم الآخر مساكن لفرسان الهيكل، كما أضافوا إليه من الناحية الغربية بناء استخدموه مستودعا لذخائرهم.

وقد زاد استهتارهم وانتهاكهم لقدسية المسجد الأقصى عندما استخدموا الأروقة الواقعة أسفل المسجد الأقصى كإسطبلات لخيولهم، والتي عرفت منذ تلك اللحظة بإسطبل أو إسطبلات سليمان.

وقد ظل المسجد الأقصى منتهكا بهذا الشكل طوال فترة الغزو الصليبي لبيت المقدس، وحتى الفتح الصلاحي سنة 583/1187 ميلادية.

كما عانت قبة الصخرة كثيرا مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي. فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493 هجرية / 1099 ميلادية، قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم". فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحا ووضعوا فيها الصور والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة. ومن الطريف بالأمر أن قساوسة ذلك الوقت اعتادوا على المتاجرة بأجزاء من الصخرة، كانوا يقتطعونها من الصخرة ليبيعوها للحجاج والزوار ليعودوا بهذه القطع إلى بلادهم بحجة التبرك والتيمن بها. وعلى ما يبدو أنها كانت تجارة رابحة جدا للقساوسة حيث كانوا يبيعون تلك القطع بوزنها ذهبا، الأمر الذي حدا بملوك الفرنجة إلى كسوة الصخرة بالرخام وإحاطتها بحاجز حديدي مشبك لحمايتها والإبقاء عليها خوفا من زوالها إذا استمر القساوسة بهذه التجارة.

في العهد الأيوبي

وفي سنة 583 هجرية / 1187 ميلادية، فتح الله على القائد صلاح الدين (564-589 هجرية / 1169-1193 ميلادية) باسترداد بيت المقدس وتطهير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين حيث أمر صلاح الدين بتطهير المسجد والصخرة من الأقذار فطهرا. ثم صلى المسلمون الجمعة الأخرى في قبة الصخرة، وخطب محيي الدين بن زنكي قاضي دمشق بأمر صلاح الدين، وأتى في خطبته بعجائب من البلاغة في وصف الحال وعظمة الإسلام. ثم أقام صلاح الدين بالمسجد الصلوات الخمس إماماً وخطيباً، وأمر بعمل المنبر له فتحدثوا عنده بأن نور الدين محمود اتخذ له منبراً منذ عشرين سنة، وجمع الصناع بحلب فأحسنوا صنعته في عدد سنين فأمر بحمله ونصبه بالمسجد الأقصى.

وظل هذا المنبر قائما فيه حتى تاريخ 21 /8/ 1969م، عندما تم إحراق المسجد الأقصى المبارك على يد الحاقد مايكل روهان. وقد أتى الحريق على المنبر حتى لم يتبق منه إلا قطع صغيرة محفوظة الآن في المتحف الإسلامي في الحرم الشريف. ويعتبر المنبر من روائع القطع الفنية الإسلامية، وذلك لما امتاز به من دقة ومتانة في الصنع، وكذلك لما اكتنفه من زخارف إسلامية بديعة.

ثم أمره بعمارة المسجد واقتلاع الرخام الذي فوق الصخرة، والذي وضع في عصر الصليبيين لحماية الصخرة من القساوسة الذين لأن القسيسين كانوا يبيعون الحجر من الصخرة المشرفة. ثم استكثر في المسجد من المصاحف ورتب فيه القرّاء، ووفر لهم الرواتب. وتقدّم ببناء الربط والمدارس فكانت من مكارمه رحمه الله تعالى.

ومن أهم الترميمات التي أنجزت على يدي صلاح الدين، تجديد وتزيين محراب المسجد، حيث يشير إلى ذلك النقش التذكاري الذي يعلوه والمزخرف بالفسيفساء المذهبة حيث جاء فيه ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم أمر بتجديد هذا المحراب المقدس وعمارة المسجد الأقصى هو/على التقوى عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدين والدنيا/ عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة/ وهو يسأل الله إذاعة شكر هذه النعمة وإجزال حظه من المغفرة والرحمة".

وقد تابع الأيوبيون بعد صلاح الدين، اهتمامهم في الحفاظ على المسجد الأقصى، حيث قام السلطان الملك المعظم عيسى، في سنة 614 هجرية/ 1218 ميلادية، بإضافة الرواق الذي يتقدم الواجهة الشمالية للمسجد الأقصى، والذي يعتبر اليوم الواجهة الشمالية نفسها للمسجد الأقصى. وقد أشير إلى تعميره من خلال النقش التذكاري الموجود بواجهة الرواق الأوسط منه والذي جاء فيه ما نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم أنشأت هذه الأروقة في أيام دولة سيدنا ومولانا السلطان الملك المعظم شرف الدنيا والدين أبي العزائم عيسى بن الملك العادل سيف الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي بكر بن أيوب بن شادي خليل أمير المؤمنين خلد الله ملكهما وذلك في سنة أربع عشر وستمائة للهجرة النبوية وصلى الله على محمد وآله".

أما قبة الصخرة فقد قام صلاح الدين بتطهيرها وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، وقام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوبا من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي فيه ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة".

هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ عليه، إذ رتب للمسجد إماما وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة.

وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة. كما أن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هجرية / 1193-1198 ميلادية)، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط بالصخرة لحمايتها بدلا من الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون.

العهد المملوكي

لقد ساهم المماليك في المحافظة على المسجد الأقصى بشكل منقطع النظير، وذلك من خلال ترميماتهم الكثيرة والمتتابعة فيه. حيث تركزت وتمت في الفترة المملوكية الواقعة ما بين (686-915 هجرية/1287-1509 ميلادية) على يدي سلاطين المماليك نذكر أهمها:

1) السلطان المنصور سيف الدين قلاوون:

حيث قام بترميمات عديدة أهمها في سنة 686 هجرية/1286 ميلادية، والتي قام فيها بعمارة القسم الجنوبي الغربي من سقف المسجد الأقصى المبارك.

2) السلطان الناصر محمد بن قلاوون خلال سلطنته الثالثة:

حيث قام في سنة 728 هجرية/1327ميلادية، بصيانة وترميم قبتي المسجد الداخلية والخارجية، وقد أشير إلى ذلك بالنقش التذكاري (الكتابة الدائرية) الموجودة في رقبة القبة من الداخل والذي جاء فيه ما نصه:

"بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه القبة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العادل المجاهل المرابط المثاغر المؤيد المنصور قاهر الخوارج والمتمردين محي العدل في العالمين سلطان الإسلام والمسلمين ناصر الدنيا والدين محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور قلاوون الصالحي تغمده الله برحمته في شهور سنة ثمان وعشرين وسبعمائة".

3) السلطان الكامل سيف الدين شعبان:

حيث قام في سنة 746 هجرية/1345 ميلادية، بتجديد المسجد من الداخل وأبوبه، والذي أشير إليه في نقشه التذكاري الموجود في الواجهة الشمالية للمسجد.

4) السلطان الناصر ناصر الدين حسن خلال سلطنته الأولى:

حيث قام في سنة 751 هجرية/ 1350 ميلادية، بتجديد جناح للمسجد كان يقوم في الجهة الشرقية الشمالية منه، وذلك وفقا لما جاء بالنقش التذكاري الموجود في الرواق الشمالي للمسجد.

5) السلطان الأشرف سيف الدين إينال:

حيث قام في سنة 865 هجرية/1460 ميلادية، بتعميرات مختلفة في المسجد الأقصى، كما قام بوضع المصحف الشريف بالمسجد الأقصى ورتب له قارئا ووقف عليه جهة.

6) السلطان الأشرف سيف الدين قايتباي:

حيث قام في سنة 879 هجرية/1474 ميلادية، بتعميرات مختلفة في المسجد الأقصى، منها تجديد رصاص أسطحه وقبة المسجد الأقصى.

7) السلطان الأشرف قنصوه الغوري:

حيث قام 915 هجرية/1509 ميلادية بأعمال تجديدات في المسجد اشتملت على إصلاح رصاص السطح وبياض الجدران ودهان الأبواب وترميمها وغير ذلك، وذلك حسب ما ورد في نقشه التذكاري الموجود في المسجد.

المماليك والقبة المشرفة:

وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (685-676 هجرية / 1260-1277 ميلادية) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 669 هجرية / 1270 ميلادية. أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709-741 هجرية / 1309-1340 ميلادية) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان ابن قلاوون بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في سنة 718 هجرية / 1318 ميلادية وذلك حسب ما ورد بالشريط الكتابي الموجود في أعلى رقبة القبة الداخلية حيث جاء ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاوون تغمده الله برحمته. وذلك في سنة ثمان عشرة وسبع مائة". وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها.

وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى (784-791 هجرية/1382-1389 ميلادية)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في سنة 789 هجرية/1387 ميلادية على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد في النص التذكاري الموجود عليها. وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842-857 هجرية/1438-1453 ميلادية)، ثم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق أثر صاعقة عنيفة.

وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم السلاطين برصيد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك الأشرف برسباي (825-841 هجرية/ 1422-1437 ميلادية)، قد أمر بشراء الضياع والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة، حيث جاء في النص الوقفي ما نصه: "جدده وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين أثابه الله الجنة وهو مشتراه مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر ألفا درهم خارجا عن تكملة جوامك المستحقين وما جدده وأنشأه من الحمام الخراب بحارة حواصل قرية العوجاء والنويعمة بالغور ومرتب الجرجان الواردين تمامه وأن يصرف جميع ما تحصل ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف مهما حصل من ذلك يرصد حاصلا لصندوق الصخرة الشريفة أرصد ذلك جميعه برسم العمارة خاصة إرصادا صحيحا شرعيا بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه أعلاه ورسم أن ينقش ذلك في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على مستمرة الدوام ما تعاقبت الشهور والأعوام فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ومضاف إلى ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فضل هذا الخير وكان سبب فيه جازه الجنة والنعيم ومن غيره أو نقصه جازاه العذاب الأليم في الدنيا الآخرة".

العهد العثماني

لقد كان للعثمانيين دور هام في متابعة مسيرة المحافظة على المسجد الأقصى المبارك، حيث قام سلاطينهم بأعمال ترميمات ضخمة في المسجد الأقصى، كان أهمهم السلطان سليمان القانوني (969هجرية/1561 ميلادية) ، والسلطان محمود الثاني (1233 هجرية/1817 ميلادية) والسلطان عبد المجيد (1256 هجرية/1840 ميلادية)، والسلطان عبد العزيز (1291 هجرية/1874 ميلادية) والسلطان عبد الحميد الثاني (1293 هجرية/1876 ميلادية).

ونستطيع القول أن تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة قد دخل مرحلة جديدة وطويلة في الفترة العثمانية التي استمرت أربعة قرون، حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت. فكان أول سلاطين العثمانيين الذين اهتموا بقبة الصخرة ورعايتها هو السلطان سليمان القانوني (926-974 هجرية/ 1520-1566 ميلادية)، الذب استطاع أن يصبغ قبة الصخرة بالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري الموجود فوق الباب الشمالي لقبة الصخرة والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزجج والملون في سنة 959 هجرية/1552 ميلادية مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالا فائقين من الخارج كما هي الداخل. كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبة القبة وذلك في سنة 945 هجرية/1538 ميلادية.

ولقد حرص سلاطين العثمانيين بشدة خلال فترة توليهم الطويلة على استمرارية الحفاظ على مسجد قبة الصخرة، حتى أنهم قاموا بتشكيل لجنة لتختص بشئون إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى، تألفت من شيخ الحرم وأمين البناء وأمين الدفتر.

ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلك التي أنجزت في عهد السلطانين عبد المجيد الأول (1255-1277 هجرية/1839-1861 ميلادية)، حيث تم إنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالا طائلة، حيث استدعى خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبة وزخارفها من الداخل والخارج.

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327 هجرية / 1876-1909 ميلادية)، تم كتابة سورة ياسين الموجودة حاليا في أعلى واجهات التثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميد بفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمين.

ومن الجدير بالإشارة إلى القبة الصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت في الفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخ المقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه: "... وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسر القديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي ويحتفل القوم بها مرة في كل سنة،.. في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان...".

ي عام 1967:

---------

1) في السابع والعشرين من يونيو عام 1967 عقد في القدس مؤتمر لحاخامات اليهود في العالم، ناقشوا فيه موضوع القدس والهيكل، وطالب الحاضرون بالإسراع في عملية إعادة بناء الهيكل الثالث.

2) في الخامس عشر من أغسطس عام 1967م دخل حاخام إسرائيل وجيشها (شلومو غرين) مرتديا الزي العسكري إلى ساحة المسجد الأقصى يرافقه عشرون من ضباط الجيش ، وهرع داخل الساحات ملوحا برشاش كان معه ، ومجريا القياسات هنا وهناك ، ثم اصطف معه ضباط الجيش لتأدية الشعائر اليهودية .

3) في الحادي والثلاثين من أغسطس عام 1967 استولى جيش اليهود على مفتاح باب المغاربة لتيسير الدخول إلى حائط المبكى كلما أرادوا ، وكان ذلك بإيعاز من (شلومو غرين) الحاخام الأكبر لجيش الدفاع الإسرائيلي.

في عام 1969:

---------

4) في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1969 أوعزت جهات يهودية لسائح أسترالي من أصل يهودي اسمه (مايكل دينيس روهان) لإشعال النار في المسجد الأقصى توطئة لهدمة وإزالته، وبناء الهيكل على أنقاضه، وقد أسفرت الجريمة عن إحراق السطح الشرقي الجنوبي للمسجد، ومنبر صلاح الدين الأيوبي بأكمله.

في عام 1976:

---------

5) في الثلاثين من يناير عام 1976 أقرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حق اليهود في الصلاة بساحات الأقصى في أي وقت يشاءون من النهار، وذلك بعد أن برأت 40 يهوديا اتهموا بالدخول عنوة داخل المسجد الأقصى، مرددين الأناشيد اليهودية مما تسبب في وقوع اشتباكات بينهم وبين المسلمين عند ساحة الأقصى.

ي عام 1980:

---------

6) في الأول من مايو عام 1980 جرت محاولة لنسف المسجد الأقصى عندما اكتشف بالقرب من المسجد الأقصى أكثر من طن من مادة (تي إن تي) شديدة الانفجار، فوق أسطح إحدى المعابد اليهودية القريبة من الأقصى، واكتشفت متفجرات أخرى في مدرسة (باشيفا) اليهودية للغرض نفسه، وقد حوكم في هذه القضية الإرهابي مائير كاهانا، الذي قتله البطل المصري سعيد نصير في نيويورك بعدها بأعوام.

في عام 1981:

---------

7) في التاسع من أغسطس عام 1981 تجمهر 300 من جماعة جوش إيمونيم عند المسجد الأقصى، وكسروا قفل باب الحديد، وأدوا الشعائر اليهودية بشكل استفزازي للمسلمين.

8) في الخامس والعشرين من أغسطس عام 1981 أعلنت الهيئات اليهودية الدينية عن اكتشاف نفق يبدأ بحائط البراق ويؤدي إلى فناء المسجد الأقصى، وأعلنوا أن لذلك علاقة بالهيكل الثاني، وبدأوا عمليات حفر هددت جدران المسجد بالانهيار.

في عام 1982:

---------

9) في عام 1982 قام (يرئيل لرنر) وهو من نشطاء حركة كاخ بمحاولة لنسف مسجد الصخرة المشرفة، وكان قد جمع عددا من الشباب الصغار ضمن حركة سرية، ووضع خططا لنسف المساجد الإسلامية الأخرى بالمنطقة.

10) قام الرابي (أرنيل) من الكلية المدنية في كريات أربع في عام 1982 بمحاولة لاقتحام المسجد الأقصى مع مجموعة من طلابه يبلغون عشرين شخصا.

11) في الثاني من مارس عام 1982 قام خمسة عشر شخصا من جماعة أمناء جبل الهيكل باقتحام أحد الأبواب الخارجية للمسجد الأقصى (باب السلسلة) وكانوا مزودين بالأسلحة النارية، واعتدوا على حراس المسجد في الداخل فاشتبكوا معهم، وأصيب أحد الحراس المسلمين بطعنة في جانبه الأيسر، وفي اليوم التالي قام المسلمون بإضراب شامل في القدس احتجاجا على هذه الاستفزازات، واجتاحت المظاهرات مدن الضفة الغربية ونابلس وبيت لحم.

12) في الثالث من مارس عام 1982م أقدمت مجموعة من الشباب اليهودي المتدينين على اقتحام المسجد الأقصى عبر باب الغوانمة، فتصدى لهم الحرس المسلمون، وحدث اشتباك أصيب فيه أحد الحراس المسلمين، ولما حضرت الشرطة الإسرائيلية اعتقلت الحارس المصاب واستجوبت الحراس الآخرين.

13) في الثامن من إبريل 1982م عثر الأهالي المسلمون على طرد مشبوه خلف أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى، ووجد في الطرد بعد فتحه أسلاك كهربائية وجهاز توقيت ورسالة موجهة إلى مجلس الأوقاف مكتوب فيها "انتظروا مزيدا من عملياتنا ضدكم"، وفي اليوم التالي صلى المسلمون الجمعة واعتصموا بالمسجد الأقصى احتجاجا على هذه التهديدات.

14) في الحادي عشر من إبريل 1982، اقتحم جندي إسرائيلي يدعى آلان جودمان المسجد الأقصى عبر بوابة الغوانمة برشاشه، وأطلق النار على حارس الباب فأصابه. ثم هرع إلى مسجد الصخرة وهو يطلق النار بغزارة وبشكل عشوائي، فأصاب عددا من المصلين، وقتل أحد حراس مسجد الصخرة، وشارك بعض الجنود الإسرائيليين المتمركزين على أسطح المنازل المجاورة في إطلاق الرصاص تجاه مسجد الصخرة، فأخذ المؤذنون يناشدون الأهالي المسلمين عبر مكبرات الصوت بالتوجه فورا إلى ساحات المسجد للدفاع عنه. فتدافع المسلمون نحو المسجد، ولكن الجنود اليهود الواقفين على الأسطح القريبة بدأوا يطلقون النار عليهم فأصابوا ما يقرب من مائة شخص.. وعندما حمَّل الشيخ سعد الدين العلمي مفتي القدس الحكومة الإسرائيلية مسئولية الحادث، هاجمه بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء مناحم بيجن جاء فيه: "على المجلس الإسلامي أن يعلم أن عهد المفتي أمين الحسيني قد مضى إلى غير رجعة".

وكان لهذا الحادث دوي عالمي فاجتمع مجلس الأمن لمناقشة الحادث في 20/4/1982م، وأعد مشروع لتنديد بإسرائيل من أجل الحادث، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت حق الفيتو وأسقطت مشروع الإدانة.

15) في السابع والعشرين من أبريل 1982م قامت مجموعة قوامها مائة شخص يهودي بزعامة الحاخام مائير كاهانا رئيس حركة كاخ الصهيونية المتطرفة، بمحاولة لاقتحام المسجد الأقصى حاملين لافتات تدعو لطرد العرب من فلسطين، كما حملوا صورة كبيرة لساحات الأقصى وقد بدت خالية من المسجدين بعد أن وضع مكانهما الهيكل الثالث.

16) في التاسع والعشرين من أبريل 1982، قامت مجموعة مسلحة مكونة من ثلاثين شخصا بمحاولة لدخول المسجد الأقصى بالقوة فتصدى لها الحراس المسلمين.

17) في السادس من مايو 1982 قام مجهولون بإطلاق الرصاص على قبة الصخرة فأقفل الحراس جميع أبواب المسجد، وتبين أن أحد المستوطنين اليهود أطلق الرصاص عليها من فوق مدرسة مجاورة.

في عام 1983:

---------

18) في عام 1983 حاول بعض الشباب اليهود من أتباع الحاخام (زلمان كورن) القيام باقتحام المسجد الأقصى، وبعد محاكمتهم والحكم ببراءتهم وجه القاضي الإسرائيلي اللوم إلى الشرطة لاعتقالهم وأخلى سبيلهم في 21/9/1983.

في عام 1984:

---------

19) في يناير عام 1984 جرت محاولة آثمة لنسف المسجد الأقصى ومسجد عمر، ولكن تصدى لها الحراس المسلمون وأحبطوا العملية.

20) في يوليو عام 1984 حاول يهودي متعصب اقتحام الأقصى بسيارته.

21) في أغسطس عام 1984 أفادت أنباء واردة من الأرض المحتلة أن السلطات اليهودية أعادت رفع العلم الإسرائيلي داخل ساحات الأقصى تنفيذا لقرار وزير الداخلية الإسرائيلي وقتها (يوسف بورج). وكانوا قد رفعوه قبل ذلك التاريخ بثلاثة أسابيع ولكنهم اضطروا إلى إنزاله بعد احتجاج المجلس الإسلامي في القدس.

22) في بداية أغسطس عام 1984 اكتشف حراس الأقصى من المسلمين عددا من الإرهابيين اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد وهم يعدون لعملية نسف تامة للمسجد، مستخدمين قنابل ومتفجرات من مادة (تي . إن . تي) شديدة الانفجار تبلغ مائة وعشين كيلو جراما. وقد قال الشيخ العلمي مفتي القدس وقتها: "لولا عناية الله لما بقي حجر على حجر من المبنى الشريف".

23) في السابع من أغسطس عام 1984 أقدم الحاخام اليهودي مائير كاهانا زعيم حركة كاخ اليهودية الإرهابية بمحاولة لتدنيس المسجد الأقصى، وذلك برفع العلم الإسرائيلي وفرده على أحد أبوابه بعد أن دق عليه بعنف، وكان ذلك في ذكرى تحطيم المعبد القديم. وقام آلاف من اليهود وقتها بإقامة الشعائر اليهودية عند المسجد الأقصى.

24) في التاسع من أغسطس عام 1984 أوضح تقرير أصدرته وزارة العمل الأردنية أن سلطات الاحتلال اليهودية بدأت بإنشاء ثلاثة معتقلات أحدها في القدس قرب الأقصى.

25) في الثامن عشر من ديسمبر عام 1984 كشف النقاب عن محاولة فاشلة لنسف المسجد الأقصى، وذلك عندما قامت عناصر يهودية مسلحة من حرس الحدود الإسرائيلي بوضع عبوة ناسفة في الساحة الرئيسية للمسجد الأقصى، إلا أن حراس المسجد اكتشفوها وأبطلوا مفعولها، ونظم بعدها إضراب شامل في القدس.

في عام 1986:

---------

26) في التاسع من يناير عام 1986 قامت قوات من الجيش الإسرائيلي أو ما يسمى بحرس الحدود، بفرض حظر التجول في منطقة المسجد الأقصى، وأقدمت القوات على اعتقال أعداد من المصلين وحراس المسجد إثر تصديهم لأعضاء لجنة الداخلية التابعة للكنيست الإسرائيلي، وكانت هذه أول محاولة اعتداء رسمية على الأقصى.

27) في الثالث من إبريل عام 1986 اقتلع البوليس الإسرائيلي بالقوة بابا وضعه الحراس المسلمون لمنع تسلل اليهود بالليل إلى المسجد الأقصى.

28) في التاسع والعشرين من إبريل عام 1986 اقتحمت مجموعة من أعضاء منظمة أمناء جبل البيت المسجد الأقصى، بقيادة (جرشون سلمون) لتأدية الشعائر اليهودية.

29) في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1986 دخلت جماعات من حركتي أمناء جبل البيت وحزب هتحيا ساحة الأقصى، وأقاموا الطقوس اليهودية فيها تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية. وكان ذلك خلال احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك.

في عام 1989:

---------

30) في السابع عشر من مارس عام 1989 اكتشف الحراس المسلمون كمية من القنابل داخل المسجد الأقصى، وضعتها إحدى الجماعات اليهودية بقصد استخدامها لعمليات تفجير بداخله.

31) في السابع عشر من أكتوبر عام 1989 قامت جماعة أمناء الهيكل اليهودية بوضع حجر الأساس لليهكل الثالث بالقرب من مدخل المسجد الأقصى، وبلغت زنة هذا الحجر 3.5 طن، وقال جرشون سلمون زعيم الجماعة: "إن وضع حجر أساس الهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة". وأضاف: "لقد انتهى الاحتلال الإسلامي، ونريد أن نبدأ عهدا جديدا من الخلاص للشعب اليهودي"

في عام 1990:

---------

32) في الثامن من أكتوبر 1990 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة دموية في ساحة الأقصى عندما أطلق الجنود الصهاينة النار على المصلين داخل المسجد بعد أن تصدى المصلون لجماعة أمناء الهيكل المتطرفة في محاولة لوضع حجر الأساس لهيكلهم المزعوم في ساحة الحرم القدسي وقد أسفرت المواجهة عن استشهاد أكثر من 34 مواطنا وجرح 115 آخرين، وكان من بين الشهداء عدد من النساء والأطفال والشيوخ.

في عام 1993:

---------

33) في الثالث والعشرين من سبتمبر 1993 أكدت المحكمة الإسرائيلية العليا أن القانون الإسرائيلي ينطبق على حرم المسجدين الأقصى وعمر في القدس الشرقية.

في عام 1996:

---------

34) في 24 سبتمبر 1996 فتح الإسرائيليون بابا ثانيا للنفق الممتد تحت باب السلسلة وباب القطانين وتحت مجموعة من الأبنية الدينية والحضارية علما بأن الحفريات التي استهدفت إقامة هذا النفق كانت قد توقفت في الثمانينات بعد تدخل الأوقاف الإسلامية وأسفر الإعلان عن افتتاحه إلى اندلاع مواجهات عنيفة.

في عام 1997:

---------

35) في السابع والعشرين من ديسمبر 1997 تم اكتشاف مخطط لدى أوساط اليمين اليهودي لتفجير قبة الصخرة والمسجد الأقصى وسائر مقدسات الحرم الشريف في القدس واعتقال اثنين من قادة اليمين.

في عام 1998:

---------

36) في الخامس من مايو 1998 حاول متطرف يهودي تدنيس المسجد الأقصى وذلك بإلقاء رأس خنزير مغلف بآيات من القرآن الكريم في باحة المسجد، كما تم إحراق مدخل رئيسي للمسجد الأقصى في الجهة الغربية منه بعد إلقاء اليهود لمادة مشتعلة بعد منتصف الليل وأتى الحريق على نصف الباب تقريبا وقام حراس المسجد الأقصى بإخماده.

37) في الثاني من أغسطس 1998 حاول عشرات الآلاف من اليهود اقتحام المسجد الأقصى لإحياء ذكرى خراب الهيكل المزعوم وكانوا يرتدون ملابس الحداد ويضعون على رؤوسهم الأقنعة السوداء وتكررت محاولاتهم عدة مرات خلال هذا اليوم.

38) في الحادي والعشرين من أغسطس 1998 دخل الجنود اليهود باحة المسجد الأقصى وقاموا بالاعتداء على الحراس وقامت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس بإغلاق المسجد أمام السياح احتجاجا على ممارسات الجنود الذين قاموا بالإضافة لذلك بشتم الذات الإلهية والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والدين الإسلامي.

39) 1998 أعلن عن اكتشاف خطة من جماعات جبل الهيكل لنسف الحرم القدسي بالصواريخ من موقع مشرف على الحرم.

في عام 1999:

---------

40) في الحادي عشر من أغسطس 1999 تم اقتحام الأقصى من قبل عناصر من الشرطة وحرس الحدود الإسرائيليين لإغلاق نافذة قامت دائرة الأوقاف بالإشراف على توسعتها وترميمها باعتبارها جزءا من الأقصى القديم.

 

الإسلام والقدس:

لقد سجل القران الكريم مكانة القدس حين وضح أن الله سبحانه تعالى أسرى بعبده وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث قال جل شأنه "سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير".

وسمى بالمسجد الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة والمراد بالبركة المذكورة في الآية الكريمة في قوله تعالى "الذي باركنا حوله" البركة الحسية والمعنوية فأما الحسية فهي ما أنعم الله تعالى به على تلك البقاع من الثمار والزروع والأنهار وأما المعنوية فهي ما اشتملت عليه من جوانب روحية ودينية حيث كانت مهبط الصالحين والأنبياء والمرسلين ومسرى خاتم النبيين وقد دفن حول المسجد الأقصى كثير من الأنبياء والصالحين.

والمسجد الأقصى: هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله علية وسلم قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى.

ومعنى هذا الحديث انه لا يسافر أحد لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه المساجد الثلاثة لا أنه لا يسافر أصلا إلا لها وقد بنى المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة كما جاء في الحديث الصحيح عن أبى ذر رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال أربعون سنة وأينما أدركت الصلاة وفصل فهو مسجد.

وللمسجد الأقصى مكانته الجليلة في الإسلام فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

روى الطبري في تاريخه عن قتادة قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا.

ومما يدل على فضل بيت المقدس ومكانته أنه أرض المحشر والمنشر وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت قلت: يا رسول الله أفتنا في ببيت المقدس؟ قال أرض المحشر والمنشر " ائتوه فصلوا فيه فان الصلاة فيه كألف صلاة في غيره" وعن ابن عباس رضى الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن ينظر إلى بقعة من الجنة فلينظر إلى بيت المقدس".

وفي مدينة القدس دفن عدد كبير من الصحابة والتابعين منهم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت وشداد بن أوس فهو مهد النبوات والشرائع والرسل الذين وجدوا هناك في هذا العصر ولقد كان المسجد الأقصى قبلة لهم وهذا كله يمثل البركة الدينية التي أحاطت به وأما البركة الدنيوية فكثرة الأشجار والأنهار وطيب الأرض وهذا ما يراد بقوله تعالى "الذي بركنا حوله" وروي أن الذي أسس المسجد الأقصى هو يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهما وسلم بعد بناء إبراهيم الكعبة وقد قام سليمان عليه السلام بتجديده وقد أشكل ذلك لأن باني البيت الحرام إبراهيم عليه السلام وباني المسجد الأقصى داود وابنه سليمان بعده وبينهما مدة طويلة تزيد على الأربعين التي ذكرت في الحديث المروى في الصحيحين عن أبى ذر رضى الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع على الأرض فقال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت وكم بينهما قال أربعون عاما ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل فيه فإن الفضل فيه وأجاب عن هذا الإشكال أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار بأن الوضع غير البناء والسؤال في الحديث السابق عن مدة ما بين وضعهما لا عن مدة ما بين بنائهما فيحتمل أن يكون واضع الأقصى بعض الأنبياء قبل داوود وسليمان ثم بنياه بعد ذلك وللمسجد الأقصى ارتباط وثيق بعقيدتنا وله ذكريات عزيزة وغالية على الإسلام والمسلمين فهو مقر للعبادة ومهبط للوحي ومنتهى رحلة الإسراء وبداية رحلة المعراج وقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى المسجد الأقصى بالبقعة المباركة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وهى طور سيناء فصلى بها ركعتين ومر بالبقعة المباركة التي ولد فيها عيسى عليه السلام وهى بيت لحم فصلى بها ركعتين ثم وصل إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في جمع من الأنبياء والرسل فصلى بهم جميعا ثم عرج به إلى السماء فرأى من آيات ربه الكبرى ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الرحلة المباركة وأخبر قومه كان منهم من صدق ومنهم من كذب وذهب بعضهم إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه وأخبروه فما كان جوابه إلا أن قال لهم والله لئن كان قاله لقد صدق قالوا: تصدقه على ذلك قال إني أصدقه على أبعد من ذلك أصدقه على خبر السماء. وقد تمادى القوم في لجاجهم وحوارهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في نعنت عن بيت المقدس ومنه من كان قد رآه وظنوا انهم بهذه الأسئلة سيوقعون الرسول صلى الله عليه وسلم في حرج ولكنه وهو المؤيد من قبل ربه وصف لهم بيت المقدس وصفا كاملا في غاية الدقة وأخبرهم عن آياته يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس على بعض الشيء فجلى الله لي بيت المقدس ثم جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم فقالوا: أما النعت فقد أصاب وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه كلما وصف لهم الرسول صلى الله وعليه وسلم وصفا يقول صدقت أشهد انك رسول الله ثم أخبرهم عن عيرهم وعن أحمالها وعن دقائق الملابسات ووصفها أكمل وصف وقال لهم تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان محيطتان ومع وضوح الأدلة فقد لج القوم في عنادهم ولم يصدقوا تلك المعجزة الواضحة فقد طمس الله على أبصارهم وبصائرهم "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور" وفي رحلة الإسراء والمعراج فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة وهى الصلة القوية بين العبد وربه وكانت القبلة آنذاك هي صخرة بيت المقدس حيث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باستقبالها وكان بمكة يصلى بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تعذر عليه أن يجمع بينهما عندئذ أمره الله تعالى أن يتوجه إلى بيت المقدس واستمر على ذلك نحو ستة عشر شهرا وكان يدعوا ربه ويبتهل إليه أن تكون وجهته إلى الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت الحرام فخطب الناس وأعلمهم بذلك وكانت أول صلاة صلاة العصر وفي هذا يقول الله تعالى "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون".

وعن البراء رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وإنه صلى أول صلاة صلاها العصرة وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان قد مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما تقول فيهم فانزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم" ومما يؤكد عاطفة المسلمين نحو القدس الشريف كواحد من أهم معالم الإسلام انه قد أسرى الله برسوله صلى الله عليه وسلم إليه وأن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل المسجد الأقصى وصلى فيه، ففي رواية أنس رضى الله عنه:

ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: أخذت الفطرة"

وقال الإمام النووي رحمه الله : المراد بالفطرة هنا الإسلام والاستقامة وفي رواية ابن مسعود ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا تنتظر من يؤمنا فاخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم.

وفي رواية أبي إمامة عند الطبراني ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمد صلى الله عليه وسلم فصلى إماما بالأنبياء جميعا في المسجد الأقصى ولقد أطلع الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة على نماذج لثواب الطائعين وعقاب العاصيين ومن هذه النماذج ما رآه من ثواب المجاهدين في سبيل الله: مر على قوم يزرعون ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال لجبريل عليه السلام ما هذا؟

قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف "وما أنفقوا من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين".

وفي هذا المشهد توضيح لمكانة الجهاد والمجاهدين وفي هذا النموذج المحسوس لمثوبة الجهاد تجيش في نفوسنا عواطف الإيمان لتدفعنا لتطهير القدس الشريف واسترداده وتطهير كل بقعة في الوطن الإسلامي ونجاهد من أجل إعادة الحق إلى أصحابه "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله" وكما قال سبحانه وتعالى :"وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" وقد اختارت الإرادة الإلهية أن يكون الإسراء برسول الله  صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى وصلا للحاضر بالماضي وتقديرا لمنزلة هذه البقعة المباركة التي عاشت عمرا كبيرا تنتشر على ظهرها الهداية وتستقبل في رحابها النبوات وظل بيت المقدس مهبط الوحي الإلهي سنين عديدة فلما عصى اليهود أمر ربهم وتنكروا لوحي السماء تحولت النبوة عنهم وانتقلت إلى ذرية إسماعيل وتحولت بالتالي القيادة الروحية إلى خاتم الأنبياء والمرسلين فانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه البقعة المباركة تقديرا لإخوانه السابقين من الأنبياء والمرسلين وإعلانا عن إكباره لهم وللدين الذي انتشر نوره وسناه في هذه البقاع المباركة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال سبحانه "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله".

وقد جمع الله تعالى له الرسل السابقين فاستقبلوه وصلى بهم إماما وطبق الله في ليله الإسراء والمعراج وفي رحاب المسجد الأقصى ذلك العهد والميثاق الذي أبرمه منذ القدم مع الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا ويمهد بعضهم لبعض وأن يؤمنوا بمن سيرسله وأن ينصروه كما قال سبحانه وتعالى "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين".

وهكذا كانت إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمرسلين في هذا المكان المقدس إعلانا لختم رسالات السماء وأن رسالته خاتمة الرسالات ودستوره السماوي وهو القرآن كلمة السماء الأخيرة وأنه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.

وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء لا ينافيها كون الأنبياء كانوا قد ماتوا من قبل لأن الذي أسرى هو الله الخالق القادر على كل شئ فهو القادر على تغيير بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلى بالأنبياء وهو القادر على تغيير قانون برزخية الأنبياء السابقين ليصلى بهم فما أراده الله تعالى حدث وبالكيفية التي أرادها رب العزة سبحانه وتعالى وفي هذا إعلان لعالمية الإسلام وإعلان بأنه التشريع الخاتم والرسول الذي ختم الله به الأنبياء والمرسلين وأن حادث الإسراء والمعراج ليضع في أعناق المسلمين في كل الأرض أمانة القدس الشريف وأن التفريط فيه تفريط في دين الله وسيسأل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانة إن فرطوا في حقها أو تقاعسوا عن نصرتها وإعادتها فعلينا أن نوحد جهودنا وألا نتفرق لنكون بوحدتنا قوة إسلامية لا يستهان بها ولا تضعف في المطالبة بحقوقها فطريق الوحدة مناشدة القوة هو طرق الحفاظ على مقدساتنا التي هي جزء من عقيدتنا وديننا.

إن القدس مسرى خاتم الأنبياء وبوابة الأرض إلى السماء و|أولى القلتين وثالث الحرمين الشريفين ولكم تعرض إلى العدوان والتخريب فلماذا؟ وهو الموطن الإسلامي ولولا الصفة الإسلامية للقدس وفلسطين ما كانت لتعانى كل هذه المعاناة "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله" إلا أنها مسلمة تحتل وتكثر المستوطنات اليهودية بها يوما بعد يوم الآن شعبها مسلم يضطهد ويشرد ويتعرض للإبادة والتفكيك هل أصبحت هذه سمة البلاد والشعوب الذين يتعرضون لتهاون النظام العالمي فنرى أمثال هذه المعاناة في البوسنة والهرسك والشيشان..

أقول: إن الجهاد فرض عين في الدفاع عن القدس كما أنه فرض عين في الدفاع عن البوسنة والهرسك والشيشان وكل وطن إسلامي على ظهر الأرض وفرضية الجهاد للدفاع عن الأوطان ليست مقصورة على ساكني هذه الأوطان المسلوبة أو المنهوبة فحسب بل إن فرضية الجهاد على جميع المسلمين وفي كل الأرض ومن هنا فان كل جهاد والحكم الشرعي الذي قرره الفقه الإسلامي أن أعداء الإسلام إذا دخلوا بلدا يقيم فيه المسلمون فيجب الخروج لقتالهم ولا يجوز لأحد أن يتخلى عن هذا الواجب قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" وعن ابن عباس – رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" فإذا نادى الواجب المسلمين لتحرير أوطانهم ورفع العدوان عنها واسترداد الحق فإنه يجب عليهم أن يخفوا لتلبية هذا النداء وإلا يتناقلوا قال الله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة ألا قليل".

وفي سبيل إقرار الحياة الآمنة المستقرة ونشر الإسلام في ربوع الأمة يجب علينا إلا نتفرق وإلا نختلف بل نتوحد فلا نتنازع "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" وأن نتجمع ولا نتفرق "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل

التوصيات

لقد تكررت المآسي في القدس الشريف من جراء انتهاك السلطات الإسرائيلية لحقوق هذه المدينة وحقوق الفلسطيني حيث تعددت المجازر البشرية والاستمرار في زيادة المستوطنات اليهودية كما تعرضت إلى حوادث الإحراق والعدوان على الأنفس والأموال واستهانت إسرائيل بالشرائع السماوية والمقدسات الدينية والحقوق والإنسانية وكانت لها ممارسات إرهابية في المنطقة باشرت من خلالها كل وسائل العدوان والعربدة.

ولما كانت القدس لها منزلتها الأثيرة في قلوب المسلمين والمسيحيين والعربة جميعا فهي مسرى رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وعاش فيها المسيح عليه السلام.

ولما كان السلام الشامل والدائم في المنطقة رهنا بالتسوية العادلة والكاملة واسترداد الحق لأهله ولما كانت القدس البلد الوحيد الذي عانى الأمرين وكان الشعب الفلسطيني أكبر من تحمل في سبيل الدفاع عن وطنه من معاناة وقتل وتشريد وضياع فإني أوصي بالتوصيات التالية:

1- تأكيد الدعوة إلى استمرار صمود المجاهدين من أبناء فلسطين دفاعا عن الحق والشرعية ووقوف الدول العربية والإسلامية مع هذا الشعب المظلوم استردادا لحقه وانتصارا للشرعية والحق.

2- الدعوة إلى توحيد القوى العربية والإسلامية والإنسانية عامة المحبة للسلام الواقفة بجانب العدل والحق فلا يضيع الحق إلا بضعف أهله ولا قوة لنا إلا في وحدتنا استجابة لقول الله تعالى "اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".

3- تحريك الرأي العام الدولي بإظهار الحق ومناشدة الضمير الإنساني في كل الأرض لمناصرة الحق ومناهضة الباطل والظلم.

4- مطالبة النظام العالمي بإيقاف الهجرة اليهودية وإيقاف المستوطنات واسترداد الحق لأهله حتى يسود السلام الدائم والشامل.

5- تضمد الجراح العربية والإسلامية بين الأشقاء العربة والمسلمين حتى تتم وحدة الصف والهدف وتقوى الأمة في مواجهة التحديات.

6- مطالبة النظام العالمي ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بتحقيق القرارات التي سبق أن أبرمت مطالبة بحقوق القدس وفلسطين والشعب الفلسطيني.

7- دعوة الأمة أفرادا وجماعات وأمما وشعوبا بتوثيق الصلة مع الله وتأكيد تطبيق التعاليم الإسلامية التي فيها انتصار لدين الله مما يترتب عليه انتصارنا مصداقا لقوله تعالى "ولينصرن الله من ينصره".

8- تشكيل لجنة دولية تمثل أهم الشخصيات الدولية الذين يمكن أن يتابعوا توصيات هذه الندوة حتى تأخذ طريقها إلى العمل الجاد ولا تبقى كغيرها من الندوات حبرا على ورق.

وبالله التوفيق ،،،

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه آمين

القدس مفتاح السلام والحرب في الشرق الأوسط

مصطفى دسوقي كسبه

رئيس قسم الاستشارات

بمركز الاقتصاد الإسلامي

أحدث قرار الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ردود فعل على مستوى العالم الإسلامي أفرادا وهيئات وحكومات حيث أن هذا القرار يحسم مشكلة مدينة القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل وهذا ليس في صالح عملية السلام وإدخال إسرائيل في الهيكل الاقتصادي للمنطقة.

وهذه الدراسة محاولة للتأكيد على أن القدس رمز لوحدة الديانات السماوية الثلاث وأن الإسلام هو خاتم الرسالات السماوية الثلاثة وأن القدس لم تكن تقبل أبدا التقسيم أو التدويل.

والدراسة تنقسم إلى:

تمهيد

موقف الكونجرس الأمريكي من القدس

تهويد القدس

أحقية إسرائيل في القدس كعاصمة أبدية

1/3- حقائق التاريخ السياسي لليهود

2/3- الصهيونية

3/3- الشخصية الإسرائيلية

أحقية المسلمين في القدس

1/4- منزلة القدس عند المسلمين

2/4- الظروف الدولية التي ساعدت إسرائيل على تهويد القدس

3/4- الخبرة التاريخية بشأن القدس

ملحق : قرارات وتوصيات

تمهيد:

القدس إحدى حقائق الإسلام الكبرى، التي لا يتوافر مثلها في مدينة أخرى فهي التي شهدت اكتمال حلقات عقيدة التوحيد، توحيد الله وتوحيد دين الله حيث اتجه المسلمون إليها للصلاة ثم حين أسرى إليها النبي العربي خاتم الرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ على نحو ما ورد في معجزة الإسراء والمعراج وسجل القرآن الكريم هذه الأحداث في قرآن يتلوه المسلمون في شتى بقاع الأرض وحين فتحها المسلمون وجعلوا منها عاصمة الدين وملتقى رسالات الله وفتحوا أبوابها أمام المسيحيين واليهود وحرسوا معابدهم وعمروا مقدساتهم حتى إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده صلاح الدين قادوا بأنفسهم أعمال التنظيف والتطهير والترميم لمقدسات أهل الكتاب من اليهود والنصارى دون استثناء.

إن القدس ترمز لحقيقة الإسلام الدين الذي يعترف بسائر الأديان وبجل كتبها ويحترم رسلها وأنبياءها بل يجعل الإيمان بهم جزءا لا يتجزأ من العقيدة نفسها.

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونن له مسلمون)

موقف الكونجرس الأمريكي من القدس:

موقف الكونجرس الأمريكي من القدس ليس جديدا وهو عندما أصدر مشروع قرار بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لم يكن يتخذ موقفا وديا من إسرائيل بمقدار ما أراد أن يتخذ موقفا لا مباليا من العرب.

وسواء كانت أكثرية الكونجرس ديمقراطية أو جمهورية وأيا كان الرئيس الأمريكي فذلك لا يقدر ولا يؤخر في رأي الولايات المتحدة الرسمي بالقدس الجديد في قرار الكونجرس الأخير أنه أحدث ضجيجا أكثر من سابقاته بسبب عيد الأمم المتحدة الخمسين وبسبب تزامنه مع بدء الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية المحتلة.

وهذه ثالث مرة منذ 1980 تبدي الولايات المتحدة رسميا وخطيا ممانعتها لعروبة القدس وتميل إلى الإجراءات اليهودية الرامية ليس فقط إلى تهويد المدينة المقدسة بل إلى جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل.

وثمة تلميحات إلى أن الرئيس بيل كلينتون لن يستخدم حق فيتو الرئاسة كي يجمد مشروع الكونجرس والأرجح أنه يهدف من وراء التلويح بالفيتو إلى إبلاغ الكونجرس بأن القرار سيلحق الضرر بمحادثات السلام في الشرق الأوسط ولعل الرئيس كلينتون يسجل كسبا انتخابيا كبيرا إذا ما أقنع الأمريكيين بأن مشروع الكونجرس مضر بمصالح أمريكا والشعب الأمريكي في الخارج وفيما يلي سجل بالمواقف الأمريكية بشأن مدينة القدس في الأمم المتحدة.

في 30 يونيو (حزيران) 1980م حيث كان الديمقراطيون في الحكم في البيت الأبيض وفي إسرائيل كان لليكود (مناحيم بيجن) صدر عن مجلس الأم الدولي القرار رقم 470 الذي يشجب إصرار إسرائيل على تغير الطبيعة المادية والتركيب السكاني وبنية المؤسسات والمركز القانوني لمدينة القدس ويعبر عن قلقه العميق من الخطوات التشريعية المتخذة في الكنيست الإسرائيلي بهدف تغيير صفة ومركز المدينة المقدسة وأكد مجلس الأمن على مضمون قراراته السابقة الخاصة بعدم شرعية كل الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها السلطات المحتلة واعتبارها لاغية.

صوت مجلس الأمن على هذا القرار فوافقت عليه الدول الأعضاء الـ 15 باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت.

وشهد نفس العام حدثين بالغي الأهمية:

الأول في شهر أغسطس (آب) 1980م عندما وافقت الحكومة الإسرائيلية على قانون أقره الكنيست ينص على ما يلي:

أن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل.

القدس مقر رئيس البلاد والكنيست والحكومة والمحكمة العليا.

الأماكن المقدسة ستحمي من التدنيس . . . الخ.

تشرف الحكومة على تطوير وإنماء المدينة... الخ.

انعقد مجلس الأمن بعد هذا القرار الإسرائيلي بأيام قليلة وفي 20 من نفس الشهر صدر عنه القرار رقم 478 وجاء فيه ما يلي:

يستنكر القرار الإسرائيلي.. الخ.

يؤكد أن إقرار إسرائيلي القانون الأساسي يشكل انتهاكا للقانون الدولي ولا يؤثر في التطبيق المستمر لاتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 أغسطس (آب) 1949م.

يصمم (مجلس الأمن) على أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والأعمال التي قامت بها إسرائيل ـ السلطة المحتلةـ والتي غيرت أو تهدف إلى تغير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني وخاصة القانون الأساسي الأخير بشأن القدس: باطلة ولاغية ويجب أن تلغى.

يؤكد أن هذا العمل يشكل عائقا خطيرا أمام تحقيق السلام... الخ.

يقرر ألا يعترف بالقانون الأساسي وبأعمال إسرائيل الأخرى الناجمة عن هذا القانون والتي تهدف إلى تغير طابع مدينة القدس ووضعها القانوني ويدعو جميع الدول إلى:

أن تقبل بهذا القرار.

أن تدعو الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس أن تسحب هذه البعثات.

مرة أخرى جرى التصويت على هذا القرار فأيدته جميع الدول الأعضاء الخمس عشرة باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت عن التصويت.

المرة الثالثة حدثت أخيرا في الكونجرس الأمريكي ففي حين نص اتفاق إعلان المبادئ الذي جرى التوقيع عليه في 13 سبتمبر (أيلول) 1993م في البيت الأبيض على ترك مسألة القدس إلى آخر بنود التفاوض بين إسرائيل والعرب وفي حين أخذ البيت الأبيض والرئيس الأمريكي بيل كلينتون على عاتقه هو وموسكو رعاية هذا الاتفاق وتطبيقه خرج الكونجرس ليعلن تأييده لنقل سفارة بلاده إلى القدس وهو بذلك يريد أن يعترف صراحة وعلنا بأن القدس هي عاصمة إسرائيل ذلك أن العواصم تكون وفي الغالب مقار البعثات الدبلوماسية والحكومة ورئاسة الدولة والمحكمة العليا والبرلمان وقد احتوى قرار إسرائيل ضم القدس وجعلها عاصمة أبديه لها أغسطس (أب) 1980م بندا ذكر قبل قليل ويتناول بالتحديد أن تكون القدس عاصمة ومقرا للحكومة والهيئات الرسمية والبعثات الدبلوماسية والأجنبية.

ومعروف في واشنطن وفي الكونجرس خصوصا أن إسرائيل حاولت ضم القدس وجعلها عاصمة لها ومقرا للسفارات الأجنبية منذ عام 1948م وتحديدا في 26 ديسمبر (كانون الأول) 1949م بعقد اجتماعاته في القدس وفي 23 يناير (كانون الثاني) 1950م وافقت الحكومة على إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقلت كل وزارتها إليها ماعدا وزارة الخارجية التي بقيت في تل أبيب بسبب بقاء السفارات الأجنبية هناك.

بعد حرب 1967م استكملت إسرائيل ربط القدس العربية (الشرقية) بالقدس الغربية وقررت أن تكون القدسان قدسا واحد موحدة.

ومنذ 1967م حتى 1980م تاريخ تشريع ضم القدس صدرت عن مجلس الأمن الدولي ستة قرارات برفض واستنكار كل إجراءات إسرائيل في القدس.

في 27 إبريل (نيسان) 1968م صدر عن مجلس الأمن القرار رقم 250 الذي يدعو إسرائيل إلى الامتناع عن إقامة عرض عسكري في القدس.

في 2 مايو (أيار) 1968م صدر القرار رقم 251 الذي أبدى المجلس فيه أسفه على إقامة العرض العسكري الإسرائيلي في المدينة في نفس التاريخ.

في 21 مايو (أيار) 1968م صدر عن مجلس الأمن القرار رقم 252 وجاء فيه أن مجلس الأمن يعتبر كل الإجراءات الإدارية والتشريعية والأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوضع القانوني للقدس إجراءات باطلة.

في يوليو (تموز) 1969م أصدر مجلس الأمن القرار رقم 267 الذي ندد فيه مرة أخرى بكل الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغير معامل القدس واعتبرتها إجراءات لاغية.

في 15 سبتمبر (أيلول) 1969م أصدر مجلس الأمن القرار رقم 17 ندد فيه وأدان مسئولية إسرائيل في حريق المسجد الأقصى.

وفي 25 سبتمبر (أيلول) 1971م أصدر المجلس القرار رقم 298 الذي أكد فيه بعد أن أشار إلى عدم تجاوب إسرائيل مع قراراته السابقة وقرارات الجمعية العامة أن جميع الأعمال التشريعية والإدارية التي قامت بها إسرائيل في القدس لاغية كليا ولا يمكن أن تغري ذلك الوضع.

واستنادا إلى حوالي 40 قرارا وتوصية من الجمعية العمومية ومجلس الأمن تدين إسرائيل بأوضح العبارات وتعتبر كل إجراءاتها في القدس وامتلاك الأراضي الفلسطينية لاغية يمكن القول أن ما أصدره الكونجرس الأمريكي أخيرا هو ضربة مزدوجة واحدة لمصلحة إسرائيل الناخب القوي جدا في الولايات المتحدة وواحدة ضد المرشح المقبل بيل كلينتون وإبلاغه أن الكونجرس بمجلسيه يملك أكثرية مطلقة من الجمهوريين وبالتالي فهو يملك ورقة الانتخابات المقبلة.

لكن الخوف أن يطول السكوت وعدم الرد المناسب على إسرائيل عربيا ودوليا فتصبح المسألة أمرا واقعا على رغم أن القناعة العربية الشاملة هي أن واشنطن لا تزال تكيل بمكيالين غير عابئة بالغضب العربي الذي قد ينقلب إلى كارثة حقيقية.

2- تهويد القدس:

استهدفت إسرائيل تهويد القدس من خلال ما يلي:

أولا : محو الملامح والصفات والخصائص العربية والإسلامية للمدينة.

ثانيا : خلخلة الكثافة السكانية وعزلها عن محيطها العربي.

ثالثا : تكثيف الوجود اليهودي بحيث تصبح لهم الأغلبية المطلقة.

رابعا: إقامة احتفالات ومهرجانات بمرور ثلاثة آلاف سنة على تأسيس القدس كعاصمة لليهود على يد الملك داود.

أولا: محو الملامح والصفات والخصائص العربية والإسلامية للمدينة:

بالسيطرة على أكبر قدر من الأراضي العربية فاستولت على أراضي الأملاك العامة وصادرت كثيرا من الأملاك الخاصة وفرضت إرادة المحتل على المدينة بخلق أمر واقع لا يمكن تغييره وذلك من خلال إقامة العديد من المستوطنات التي تشكل مبانيها المقامة على شكل قلاع على رءوس الجبال أحزمة أو أطواق تتيح اتساع رقعتها والتوسع الدائم لصالح اليهود وتحاصر في الوقت نفسه المواطنين العرب وتقضي على أي فرصة لهم للتوسع.

كذلك سنت سلطات الاحتلال القوانين الخاصة بمدينة القدس واعتبرتها جزءا من أراضيها واتخذت العديد من الإجراءات لتغيير طابع المدينة السياسي والديني.

وبهدف إضفاء الطابع اليهودي على المدينة اتخذت الإجراءات التالية:

مصادرة عشرات الآلاف من الدونمات (1000 متر مربع) لأراضي تخص المواطنين العرب داخل البلدة القديمة من مدينة القدس وحول هذه المدينة.

إقامة أحياء سكنية إسرائيلية داخل البلدة القديمة من مدينة القدس وإقامة عشرات المستوطنات حول هذه المدينة من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية بحيث تحاصر هذه المدينة وتعزلها عن سائر مناطق فلسطين.

توسيع مسطح مدينة القدس على حساب الأراضي العربية بهدف إقامة "القدس الكبرى" بحيث تصبح نسبة اليهود عام 2000م حوالي 75% من السكان.

حرمان السكان العرب من منح رخص بناء لهم ضمن مدينة القدس لأن الذي يدير مدينة القدس مجلس بلدي إسرائيلي.

ويمكن إجمال الخطوط العامة للاستيطان كما يلي:

الطوق الأول ويشمل :

الحي اليهودي بدأت عمليات الاستيطان فيه من خلال قيام بعض العائلات اليهودية بالانتقال إلى داخل القدس القديمة وشغلها لبعض المساكن التي تركها أصحابها من الفلسطينيين وقد أعقب ذلك صدور قرار الحكومة الإسرائيلية في يوليو 1967م لبدء الاستيطان في المدينة وعلى الفور قامت السلطات بإعادة أعمار الحي اليهودي دون انتظار وضع الخطة الشاملة لعملية الاستيطان في القدس وقد حاولت هذه السلطات توسيع حدود هذا الحي حتى بلغت مساحة الأراضي التي أقيم عليها ضعفي مساحته عام 1948م وذلك بإلحاق مجموعة من الأحياء العربية المجاورة بعد تهجير سكانها وهدمها والاحياء هي "حي المغاربة" الملاصق لحائط البراق و "باب الشرف" و "باب السلسلة" وحي "الباشورة".

وقد جعلت هذه الأحياء امتدادا للحي اليهودي بحيث بلغت مساحة الأراضي التي أقيم عليها حوالي (116) دونما تحتوي على 320 وحدة سكنية وسوقا تجارية وكنيسا للصلاة.

الحديقة الوطنية المحيطة بسور القدس من الشرق والجنوب واعتبارها حزاما اخضر يحيط بسور القدس ومحاولة إخلاء بعض الأحياء السكنية الواقعة في الغرب من "سلوان" و"عين الحلوة".

المركز التجاري الرئيسي للمدينة وذلك لاستكمال محاصرة القدس من الشمال والغرب وفصلها عن الأحياء العربية المجاورة ولتحقيق التحام المدينة بالقدس الغربية من خلال إزالة المنطقة العازلة بين شطري القدس ويقوم هذا المركز على الأحياء العربية في "باب الساهرة" و"باب العمود" و"الشيخ جراح" وأجزاء من "حي المصرارة" و"سعد" و"سعيد" من المناطق المحتلة عام 1948م.

والجدير بالذكر أن هذا الطوق يركز على الاستيطان داخل الأحياء العربية في القدس القديمة من خلال هدم الأحياء القديمة والتاريخية كما يهدف لطرد أكبر عدد ممكن من سكان القدس خصوصا سكان تلك الأحياء المزدحمة الموجودة في الوسط.

الطوق الثاني ويشمل:

بناء سلسلة من الأحياء السكنية الضخمة في جميع المناطق الواقعة ضمن حدود أمانة مدينة القدس لتحيط بالمدينة من ثلاث جهات مدعومة بمجموعة من المستوطنات الخلفية على النحو التالي:

الناحية الشمالية وتتكون من مستوطنات "رامات أشكول" و"معالوت دفنة" و"حي شابيرا" في التل الفرنسي و"حي سانهدريا" قرب "شعفاط".

وتستند هذه المستوطنات إلى مستنوطنات خلفية أبعد منها هي "النبي يعقوب" و"راموت" قرب "النبي صمويل" و"عطاروت الضاعية"  قرب "قلنديا" من الناحية الجنوبية وتتكون من مستوطنات الحي السكني لطلبة الجامعة العبرية وهي "تل بيوت" قرب "جبل أكملبر" و"صورباهر" وتستند إلى مستنوطنة خلفية هي "جيلو" (شرفات) قرب "صفافا".

من الناحية الشرقية أقيمت هذه السلسلة من بعض الأحياء السكنية التابعة للجامعة العبرية ومستشفى "هداسا" وكذلك حي "نمضعات همفتار" في "الشيخ جراح" ويستند هذا التشكيل إلى مستعمرة خلفية هي "معالية أروميم" في منطقة الخان الأحمر.

ويهدف هذا الطوق إلى عزل مدينة القدس عن التجمعات العربية في الشمال والجنوب والشرق ومنع اتصالات الأحياء العربية في القدس بالقرى المجاورة كما يهدف للحد من نمو الأحياء العربية القليلة المتبقية داخل مدينة القدس فضلا عن إخراج المدينة برمتها من قلب الضفة الغربية وجعلها مندمجة مع الوجود الإسرائيلي في الغرب ويشكل هذا الطوق بأبنيته الخرسانية الضخمة حزاما أمنيا ويخلق أمرا واقعا جديدا يصعب على التسوية السياسية تجاهله.

الطوق الثالث:

وهذا الطوق في طور التنفيذ العملي ويهدف لإقامة سلسلة من المستوطنات في حدود القدس الكبرى "الموسعة" ويشمل السيطرة على المنطقة الممتدة من "رام الله" شمالا حتى أطراف مدينة "الخليل" ومن منطقة الخان الأحمر شرقا حتى "اللطرون" غربا بما يعادل 30% من مساحة الضفة الغربية ويمتد المشروع ليشمل عدة مدن عربية مثل "رام الله" "بيت لحم" "بيت جالا" و "بيت ساحور" إضافة إلى 60 قرية عربية تضم حوالي 300 ألف نسمة.

وتستهدف إسرائيل من وراء هذا المشروع ليس فقط زيادة عدد اليهود في هذه المناطق وتهويد القدس وابتلاع مساحات واسعة من أراضيها وتشتيت سكانها وإنما أيضا تمزيق الضفة الغربية ككل وشطرها إلى نصفين منفصلين جغرافيا وسكانيا.

ثانيا السكان:

استطاعت إسرائيل بما اتخذته من إجراءات تغير النسبة السكانية لليهود في البلدة القديمة (القدس الشرقية) من صفر عام 1967م إلى ما يزيد قليلا عن 50% عام 1993م أما القدس الموحدة بشطريها الشرقي والغربي فإن نسبة المواطنين العرب تتراجع لتصبح الأغلبية لليهود.

ومن وجهة نظر "سارة كامفكر" المتخصصة الإسرائيلية في مجال تخطيط المدن (أن الإنجاز الذي حققته إسرائيل في القدس هو من أعظم التغيرات السكانية في تاريخ العالم).

ومن أهم الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتحقيق ذلك.

تهجير اكبر عدد ممكن من السكان العرب من القدس إلى خارج حدودها بطرق متعددة.

فرض الضرائب المرتفعة والمتعددة على السكان العرب في المدينة لتعجيزهم اقتصاديا.

فرض حصار عسكري على المدينة المقدسة ومنع المسلمين من أنحاء فلسطين من الوصول إلى هذه المدينة وحرمانهم من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك وبخاصة في شهر رمضان المبارك.

ثالثا: الناحية الدينية:

فقد عملت إسرائيل في اتجاهين متوازيين يكل كل منهما الآخر..

الاتجاه الأول:

وهو الاتجاه الرسمي ويتمثل في الحفريات حول حرم المسجد الأقصى الشريف تلك الحفريات التي بدأت منذ وقت مبكر من الاحتلال ولا تزال مستمرة وقد مرت تلك الحفريات بالعديد من المراحل.

والحفريات أسفل العقارات الوقفية الأثرية التي تلاصق السور الخارجي للمسجد الأقصى المبارك من الجهتين الغربية والشمالية تقوم بها السلطات الإسرائيلية المحتلة منذ عام 1967م وحتى الآن بدعوى البحث عن هيكل سليمان ـ المزعوم ـ وبدعوى البحث عن آثار عبرية لإثبات وجود لهم في هذه الديار إلا أنهم لم يعثروا على شئ.

الاتجاه الثاني:

وهو الاتجاه غير الرسمي الذي أخذ شكلا متناميا منذ الاحتلال وحتى الآن ويتزعم هذا الجانب غير الرسمي الجماعات الدينية المتطرفة التي تتزايد ويتزايد معها تأثيرها على مراكز اتخاذ القرار في إسرائيل.

هذا فضلا عن المحاولات المتكررة من اليهود والمتطرفين لإقامة صلواتهم في ساحة المسجد الأقصى المبارك بدعوى أن هيكل سليمان ـ المزعوم ـ يقع تحت الأقصى ومجزرة الأقصى التي وقعت عام 1990م ليست ببعيد حينما تصدي المواطنون العرب للمتطرفين اليهود الذين حاولوا مس قدسية المسجد القدس الأقصى مما دفع الجيش الإسرائيلي لإطلاق الرصاص على المصلين المسلمين بشكل متعمد مما أدى إلى استشهاد 21 شخصا وجرح العشرات واعتقال المئات من العرب.

وعلى مدى ثلاثة عقود (تقريبا) من الزمن وضعت إسرائيل يدها على ما نسبته 33% من مساحة القدس الموسعة أو ما يقارب 24 كيلو متر مربع.

فمساحة القدس قبل عام 1967م تبلغ 6.5 كيلو مترا مربع وبعد عام 1967م بلغت 70.5 كيلو متر مربع وبهذا الأسلوب استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تخلق واقعا جغرافيا وسكانيا في القدس الشرقية وأخذ الصراع العربي الإسرائيلي على منطقة القدس مظهرا سكانيا فقفز عدد السكان اليهود عام 1967م من صفر إلى 160 ألفا شكلوا لأول مرة أغلبية يهودية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة وقد أقيمت (15) مستعمرة على هذه الأراضي وتم بناء 30 ألف وحدة سكنية لليهود مقابل 555 وحدة ة للعرب.

رابعا:   الاحتفال بمرور ثلاثة آلاف سنة على تأسيس القدس كعاصمة لإسرائيل على يد الملك داود:

أقامت إسرائيل ابتداء من سبتمبر عام 1995م مهرجانات واحتفالات وعروضا ثقافية وفنية تحت شعار القدس 3000 وذلك بمناسبة ما تدعيه أنه الذكرى الألفية الثالثة لتأسيس القدس كعاصمة لليهود على يد الملك داود وتستمر خمسة عشر شهرا مستغرقة كل العام 1996م وهي الفترة التي كان ينبغي خلالها مناقشة مصير القدس حسب اتفاق أوسلو.

بدأ فلسطينيون وإسرائيليون يوم الثلاثاء 5 يوليو 1995م حملة سياسية أطلق عليها "القدس لنا" هدفها إيجاد حل لقضية المدينة المقدسة من خلال جعلها مفتوحة وموحدة وعاصمة لدولتين.

وصرح أوري افنيري أن حملة القدس لنا تعد لتنظيم مؤتمر دولي القدس تحت شعار "احتفالات الألفية الخامسة للقدس" وأن هدف المؤتمر هو "التصدي لاحتفالات الألفية الثالثة للقدس" والتي تعد لها بلدية القدس التي تعتبرها الذكرى الألفية الثالثة لاتخاذ الملك داود القدس عاصمة لها ونبه أنيري إلى أن هذا زعم تاريخي باطل فالقدس كانت موجودة قبل ذلك التاريخ بألفي سنة على الأقل داعيا إلى بدء المفاوضات على القدس فورا شروط وقف كل النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية فيها.

3- أحقية إسرائيل في القدس كعاصمة أبدية لها:

1/3 حقائق التاريخ السياسي اليهودي:

أحداث التاريخ السياسي اليهودي على مر عصور التاريخ القديم أدت إلى تفريغ فلسطين من السكان اليهود.

وبدأت عملية التفريغ هذه بخروج بني إسرائيل من فلسطين إلى مصر زمن يعقوب ويوسف عليهما السلام لانتشار المجاعة القحط في فلسطين وفقا لرويات التوراة والقرآن الكريم وقد استمر التواجد الإسرائيلي في مصر لمدة تقترب من أربعمائة عام خلت فيها فلسطين من الإسرائيليين ولم يبق فيها سوى سكانها العرب القاطنين فيها والمحيطين بها وبعد الخروج من مصر زمن موسى عليه السلام شهدت حياة الإسرائيليين فترة عدم استقرار اشتملت على أحداث الخروج وفترة التيه في شبة جزيرة سيناء وفترة الصراع مع الكنعانين ويستمر هذا الوضع حتى قيام دولة داود وسليمان عليهما السلام في القرن العاشر قبل الميلاد والتي سرعان ما انهارت وانقسمت إلى دولتين الأولى إسرائيل والثانية يهودا وانتهت الأولى على يد الآشوريين في عام 721ق.م.

وسقطت الثانية على يد البابليين وانتقلت حياة اليهود إلى المنفى في بلاد النهرين وهربت أعداد كبيرة من السكان اليهود إلى مصر والشمال الأفريقي وشبه الجزيرة العربية كما أدى إلى إخلاء فلسطين من اليهود.

ورغم صدور قرار العودة إلى فلسطين بواسطة الملك الفارسي قورش بعد سقوط البابليين فإن معظم المسببين لم يستجيبوا لقرار العودة بسبب استقرار أوضاعهم في بلاد النهرين.

وأتى العصر اليوناني بمزيد من الهجرة اليهودية إلى مصر والشمال الأفريقي وإلى بلاد النهرين.

وفي العصر الروماني وقع ما يعرف بالشتات اليهودي لعام وضعفت البنية السكانية ليهود فلسطين بسبب كثرة عدد قتلاهم في حروبهم مع الرومان وما تعرضوا له من اضطهاد أدى إلى فرارهم ثم حدوث دمار أورشليم والهيكل وتحولت فلسطين إلى بلد روماني وأورشليم إلى مدينة رومانية يسكنها الجنود الرومان وخالية تماما من السكان اليهود.

ويرى الدكتور محمد خليفة حسن أحمد أن هذه الأحداث السياسية المتتالية انتهت إلى تفريغ فلسطين من السكان اليهود في الوقت الذي لم تتوقف الهجرات العربية إليها والتي دعمت الوجود العربي فيها بشكل مستمر.

ولذلك فالنقص المستمر في السكان قابلته دائما زيادة سكانية عربية جعلت من فلسطين بلدا عربيا خلال كل عصور التاريخ القديم.

والتاريخ يؤكد أن الملك سالم اليبوسي الكنعاني العربي هو الذي أسس القدس في العام 3500 قبل الميلاد أي أن القدس مضى على تأسيسها حوالي 5500 سنة وليس 3000 سنة كما تحاول إسرائيل الزعم.

وعلى رغم أن السلطة اليهودية على المدينة لم تتعد 77 عاما من عمر المدينة البالغ 5500 عاما ومع أن القرارات الدولية كافة تؤكد عدم شرعية احتلال إسرائيل للقدس على اعتبار أنها مدينة محتلة مثلها في ذلك مثل باقي الأراضي العربية التي احتلت في العام 1967م والتي تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949م وتلزم إسرائيل بعدم تغير وضعها السكاني وكان آخر هذه القرارات قرار مجلس الأمن 799 الصادر في 19/12/1992م وأخيرا على رغم أنها من القضايا المؤجل التفاوض بشأنها مع قضايا أخرى وفقا لحكم المادة الخامسة من اتفاقية أوسلو السابق لإسرائيل إبرامها مع منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في 13/9/1993م بحضور شاهدي التوقيع أمريكا وروسيا تجاهلت كل ذلك ومضت في الاستعداد لحفلها الذي أعلنت إشارة البدء به في قرية سلوان العربية في 4/9/1995م ليستمر 15 شهرا.

وقاطع كثير من الهيئات والشخصيات الدولية هذا المهرجان الذي يهدف إلى طمس معالم القدس العربية والإسلامية والتي ترسخ هيمنتها الاستعمارية على المدينة الجريحة وإلى محاولة خلق أمر واقع وذلك بتحريف التاريخ وتزيف الواقع.

2/3 الصهيونية:

الأفكار الصهيونية ما كان يمكن أن يقدر لها أن تتحول إلى كيان سياسي دون مساعدة قوة خارجية، وهنا يأتي الدور الذي لعبته الإمبريالية الغربية (ويهود الشتات) واستفادت الصهيونية من حاجة الاستعمار الغربي إلى قاعدة في الشرق الأوسط وكذلك استفادت من المناخ الفكري والحضاري الذي خلفته الإمبريالية.

ولكن على الرغم من أن الصهيونية على المستويين الحضاري والاقتصادي مدينة بوجودها للاستعمار الغربي فإنها جزء متميز من كل.

هذا ومن ناحية أخرى هناك ثمة تشابه في البنية بين الأفكار الصهيونية والأفكار الدينية اليهودية والسمة الأساسية لهذه الأفكار أنها تخلط بين المقدس والقومي وبين المطلق والنسبي وتمزجهما.

والفكرة المحورية في "الأيدلوجية" الصهيونية هي فكرة الأمة اليهودية وفكرة اليهود الخالص أي اليهود الذي لا تشوبه شائبة غير يهودية وهو التعبير الحقيقي عن المثل الأعلى الصهيوني وتفترض فكرة اليهودي الخالص غياب العربي وإلا اختل النسق "الأيديولوجي" وجابه تحديا واضحا.

وفي مجال وضع هذا النسق موضع التنفيذ توجهت الصهيونية في اتجاهين نحو اليهود ونحو العرب فحاولت نقل اليهود من المنفى إلى أرض الميعاد ونقل العرب من فلسطين إلى المنفى.

وعلاقة الصهيونية بيهود العالم هي علاقة عنصرية في جوهرها فالصهيونية تنطلق من افتراضها أن ثمة شعبا يهوديا واحدا يجب أن ينقل شاء أم أبى ـ إلى الوطن القومي المزعوم أرض الميعاد . وفي محاولة ترجمة هذا الافتراض إلى واقع تنفيذ الصهيونية الشخصية اليهوديةـ التي نمت وترعرعت في المنفى ـ وتهاجم يهود الشتات وتحاول قلقة أوضاعهم وإرهابهم.

أما عن علاقة الصهيونية بالعرب وبخاصة الفلسطينيون فهي أيضا علاقة عنصرية إذ أنه حسب التصور الصهيوني يجب تفريغ أرض الميعاد من سكانها ويجب سلب حرية وإرادة من تبقى منهم بعد 1948م.

والدكتور/ عبد الوهاب المسيري يرى:

أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع صهيوني بالدرجة الأولى وأنه برغم كل التحديات التي تواجه النسق "الأيديولوجي" الصهيوني المهيمن يحتفظ بسيطرته على الإسرائيليين، نظرا لعوام لسياسية واقتصادية كثيرة لعل أهمها أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع تدعمه الإمبريالية ويهود الشتات الذين تهيمن عليهم الصهيونية وانعكس هذا الوضع على الوجدان الإسرائيلي الذي تحول إلى وجدان جبري يقبل أن تكون حالة الحرب حالة نهائية.

الصهيونية تحتوي على قسط كبير من الأوهام وادعاءات وتزييف التاريخ وتساندها أجهزة إعلامية وأكاديمية كثيرة تنجح في خلق انطباع عام لدى الجميع من الأعداء والأصدقاء بصدق مقولاتها فنجد أنفسنا نردد مقولة مثل الشعب اليهودي أو الاضطهاد النازي لليهود.

وعن فكرة أرض الموعد يقول البابا شنودة:

اليهود يسمونها أرض الموعد ويقولون أنهم عاشوا فيها بوعد من الله وأنا أقول : إنهم جاءوا إليها ليس بوعد من الله وإنما بوعد من بلفور أقول أن اليهود يقولون أن لهم وعدا من الله لم يحدث أن شعبا غضب منه الله مثلما غضب من اليهود.

وعن فكرة شعب الله المختار يقول البابا شنودة أما فكرة شعب الله المختار فقد انتهت، الله اختار أناسا أيام الوثنية وعبادة الأصنام ولم يكن غيرهم يعبد الله أما الآن فهل من المعقول أن الله يترك آلاف الملايين الذين يعبدونه ويتخصص في ثلاثة ملايين احتلوا أرض فلسطين.

3/3 الشخصية الإسرائيلية:

الذين يدرسون طبيعة الإجرام في العصر الحديث يقسمونه إلى أنواع تتلخص في أن المجرم ينتمي إلى قسم من الأقسام الثلاثة الآتية:

النفوس الشريرة بطبعها التي لا يكمن فيها وازع ولا ضمير ولا تريد بحال من الأحوال أن تحترم إنسانية الآخرين من البشر ولا ممتلكاتهم ولا أعراضهم ولا مقدساتهم ولا آمالهم في الأمن والرفاهية ـ واليهود ليسو من هذا القسم.

النفوس المنحرفة أي أن نزعات العدوان عند هذه الطائفة من المجرمين ليست طبيعة متأصلة في عجينة الشخصية ولكنها جاءت من المحيط الخارجي.

واليهود ليسوا من تلك الطائفة أيضا وبروز كثير من مفكريهم على مر العصور الذين يريدون بإخلاص أن يسهموا في سعادة الإنسان دليل آخر على ضعف دور الانحراف في سبك الشخصية اليهودية.

النفوس المريضة وفي هذه الحالة نجد أن الشخصية الإجرامية تمثل نتيجة لسلسلة من الإصابات العميقة وتحمل اضطراريا في الشخصية سببها وراثة ثقيلة من أمراض الأسلاف ثم حالة من الصحة النفسية والاجتماعية تأبى الانخراط في الحياة العادية للمجتمع الإنساني.

والشخصية الإسرائيلية ـ في رأي الدكتور حسن ظاظا ـ من هذا النوع الثالث وقد استفحل مرضها حتى وصل في بعض الأحيان إلى الجنون المطبق بسبب أفواج المتطرفين والحمقى والمصابين بالهستيريا والهلوسة وجنون العظمة وأحلام اليقظة وأزمات الاكتئاب واليأس والبكاء تولوا مقاليد هذه الجماعة ومقدراتها قديما وحديثا فكانت نتيجة كل ذلك الصهيونية.

فالصهيونية فكرا وسلوكا وتطبيقا موبوءة بالتعصب العنصري والتعصب الديني، وعقدة الشعور بالاضطهاد والفزع من اللاسامية كما أنها مصابة بأورام انتقلت عدواها إليهم من طغاة كثيرين فتكوا بالإسرائيليين وتفنوا في التنكيل بهم وكان من أواخر ذلك البوجروم (مذبحة منظمة ضد اليهود في أوديسا عام 1871م) واللاسامية الهتلرية فراح الغلاة من الصهاينة يقلدون أولئك السفاحين.

والعلاج من هذه المجموعة من الأمراض ما كان منها وراثيا وما أخذ بالعدوى وما تحوصل في ثنايا الشخصية الإسرائيلية في الظروف التي شاء اليهود أن يعيشوا فيها أو التي أجبروا عليها لابد أن يكون طويلا يحتاج إلى صدق نية منهم في الشفاء وإلى نظرة إنسانية شاملة من جميع النفوس المحبة للخير وهي تجربة ليست بالسهلة فمن السمات المميزة للشخصية الإسرائيلية العناد والإسراع إلى الارتداد عن طريق الخير ووصفهم ربهم في التوراة بأنهم شعب صلب الرقبة أبعد الناس عن الطاعة وعن لين الجانب (الخروج 32 :9 و33:3، 34:9 التثنية 9 : 6، 13) كما أكثر أنبياؤهم الشكوى من كفرهم وعنادهم وقسوتهم.

وقد حاول مفكرون من عظماء اليهود على مر الأجيال أن يعالجوا الأمة المريضة من دائها القديم فلم ينجحوا من أمثال موسى بن ميمون وموسى مندلسون.

كما أن سيدنا المسيح عليه السلام تعب مع اليهود حاول في أول الأمر أن يجعل دعوته بينهم وحدهم فأخذهم العناد وتصلبت أعناقهم وكابروا وتآمروا وطالبوا بقتله فلما رأى منهم ذلك حطم أسطورة العنصر وجعل دعوته للناس كافة.

ويتساءل الدكتور حسن ظاظا هل هناك من حل؟

ويجب أن بداية الحل في استئصال أسباب المرض وهذه الأسباب تحوصلت في العصر الحديث في الصهيونية ولا بد أن يقوم من الإسرائيليين أنفسهم فريق واع بحقائق الأمور مدرك خطورة المرض المستبد باليهود فيتعاون مع كل ذوي النفوس السليمة في العالم على الوصول إلى الشفاء.

هذا فضلا عن أن بقاء الشخصية الإسرائيلية حافظة لفضائلها متخلصة من رزائلها آمنة من شبح الانهيار الكبير الذي تعرضت له أكثر من مرة في التاريخ تتوقف على صدق النية في السلام.

أما الاغتصاب والتهديد بالقوة والعدوان المتكرر المستمر فإنه يطيل الداء ويبعد الشفاء ومما لا شك فيه أن العالم العربي لن يرضخ للجوار الدائم بجانب مريض لا سيما إذا كان مرضه في الشخصية بحيث يضعه على حافة الجنون ولن يكون لليهود أمل في الخلاص الذي يعتبر ركنا من أركان الدين عندهم إلا إذا تخلصوا كذلك من المفسدين المعربدين الذين يوجدون في قيادتهم وزعاماتهم.

4- أحقية المسلمين في القدس:

1/4- منزلة القدس عند المسلمين:

للمسلمين مجموعة من الارتباطات الوثيقة والحقوق العلاقات الوطيدة بالقدس:

1-الارتباط العقيدي:

حادثة الإسراء والمعراج فقد أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس.

القدس أرض المحشر والمنشر ستكون مدينة القدس أرضا للمحشر والمنشر يوم القيامة ففيها يجمع الناس وفيها يعرضون للحساب.

2- الارتباط التعبدي:

ويتمثل ذلك فيما يلي:

استقبل المسلمون بيت المقدس في صلواتهم مدة ستة شعر شهرا وذلك من بدء مشروعية الصلاة حتى نزول قوله تعالى ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (سورة البقرة) فأصبحت قبلة المسلمين المسجد الحرام لذا اعتبرت مدينة القدس أولى القبلتين.

اعتبر سول الله صلى الله عليه وسلم ثواب الركعة الواحدة في المسجد الأقصى بخمسمائة ركعة في غيره من المساجد.

حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيارة المسجد الأقصى بقصد العبادة وربطة بالمسجد الحرام بمكة المكرمة وبالمسجد النبوي في المدينة المنورة.

أن المقيم في مدينة القدس له ثواب المرابطة في سبيل الله.

أن الحسنات تضاعف في بيت المقدس كما تضاعف لشرف المكان وتعظيمه.

3- الارتباط الحضاري والثقافي:

البناء الفريد لكل من المسجد الأقصى المعقود مسجد قبة الصخرة المشرفة بالإضافة إلى السبل (الأسبلة) والآبار في مساحة المسجد الأقصى علما بان جميع المنطقة والتي تبلغ مساحتها (144) دونما تعتب ركلها المسجد الأقصى المبارك.

وجود مئات العقارات الوقفية والأثرية التي تعود إلى العصور الصلاحية والمملوكية والتركية حول المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة.

وجود العشرات في المساجد في البلدة القديمة من مدينة القدس شيدن في عصور متعاقبة ويعود بعضها إلى العهد العمري.

إنشاء مئات المدارس والمعاهد والكليات والمكتبات ودور القرآن الكريم ودور الحديث الشريف والزوايا والأربطة والتكايا حول المسجد الأقصى المبارك وفي البلد القديمة منذ العهد الصلاحي وحتى يومنا هذا.

4- الارتباط السياسي:

ويتمثل ذلك في أمرين:

العهدة العمرية التي وقعت عام 15هـ/637م وذلك بعد ان تسلم الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح مدينة القدس من بطريك الروم "صفرونيوس" وقتئذ ولم تكن هناك أي علاقة بين المسلمين واليهود في مدينة القدس حين الفتح العمري لهذه المدينة وتمثل هذه الوثيقة أعدل وأوضح وثيقة سياسية عبر التاريخ.

حكم العرب والمسلمون هذه المدينة منذ الفتح العمري وحتى عام 1967 حين وقوع المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى هذا اليوم مع الإشارة إلى فترة الحروب الصليبية التي حكم فيها الصليبيون مدينة القدس حتى حررها صلاح الدين منهم.

وتمكن الحكام العرب والمسلمون من تحقيق العدل والاستقرار والأمن والأمان للمسلمين وغيرهم.

5- الارتباط التاريخي:

اليبوسيون فخذ من أفخاذ القبائل الكنعانية العربية قاموا في حوالي 3500ق.م. بإنشاء أول مدينة لهم على تل الضهور (تل أوفل) يبعد عن الحرم القدسي 170مترا ولما كان ملكهم الكبير يدعي "سالم" أو "شالم" والذي يعني "السلام" أطلقوا عليها اسم "أورشالم" أي مدينة سالم أو مدينة السلام حيث "أور" كلمة سومرية تعني (مدينة) واطلق عليها أحيانا "يبوس" وفي نقش مصري قديم وردت Aurshamen  وفي التوراة وردت "اورشليم" وذكرها الغرب حديثا Jerusalem أي جميعها تحريفات لأسمها الكنعاني العربي "أور – سالم" وأطلق عليها "إيليه" عام 135م الامبراطور الرماني هدريان.

أما بيت المقدس فقد ورد ذكره في حديث "الإسراء" و "القدس" غلب بعد العصر الأموي وأقدم من أطلقه عليها.

وأخيرا القدس الشريف الذي أطلقه عليها الشريف يحيي بن سعيد الأنطاقي وبهذا اللفظ ذكرها بن بطوطة وهذه التسمية تبناها العثمانيون وفضلها الملك الحسن الثاني ملك المغرب عندما أسندت إليه رئاسة لجنة القدس الشريف بنعت نفسه بصفة خادم القدس الشريف.

2/4 الظروف الدولية والإقليمية التي ساعدت إسرائيل على تهويد القدس:

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية ظهرت كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي كقوتين عظيمتين وأنشئت منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها ويمكن تقسيم الوضع الدولي بعد الحرب الثانية إلى مرحلتين الأولى استمرت ربع قرن ويمكن رصد أهم الظواهر السياسية في هذه المرحلة:

اتفاق القوتين العظيمتين وتواطئهما على قيام الدولة اليهودية في فلسطين وتأمينها من قبلهما.

تقسيم باكستان التي استقلت عن الهند إلى باكستان الشرقية (بنجلادش) وباكستان الغربية (باكستان حالي) وهناك محاولات لقوى دولية وإقليمية لفصل إقليم السند وعاصمته كراتشي عن باكستان.

دخول العرب أربعة حروب مع إسرائيل (1948م ، 1956م، 1967م، 1973م)

الثانية: وتبدأ من بعد حرب أكتوبر 1973م وحتى نهاية القرن العشرين ويمكن رصد أهم الظواهر السياسية على النحو التالي:

استغلال الخلاف المذهبي والعرقي والحدودي بين العراق وإيران وإشعال فتيل الحر بين إيران والعراق لتبديد مواردهما البشرية والمالية ولسهولة السيطرة على منابع البترول في الخليج العربي ومنع أي قوة إقليمية من السيطرة عليه كإيران والعراق.

الإيحاء للعراق بغزو الكويت واستخدام ذلك كذريعة لتدمير الإمكانات والقدرات العسكرية والاقتصادية للعراق.

منع جبهة الإنقاذ الجزائرية من الوصول إلى الحكم في الجزائر واشتعال فتيل حرب أهلية وإثارة النعرات العرقية بين العرب والبربر وإيجاد ذريعة لتدخل القوى الغربية في الصراع.

السيطرة على منابع البترول والتحكم في الأرصدة (البترودولارية) وإعادة إقراضها للعالم الإسلامي.

العمل على محاكاة وتقليد النمط الاستهلاكي التبذيري الغربي لامتصاص الفوائض المالية وتدويرها مرة أخرى للاقتصاد الغربي والتي تضمن السيطرة للشركات المتعددة الجنسية والمصارف الدولية.

إبراز مفهوم الشرق الأوسط (المتعدد الثقافات والأعراف) بدلا من مفهوم العالم الإسلامي المتعدد الأعراف (العرب، الأتراك، الإيرانيون، الأفغان.. ) وذو الثقافة الواحدة والحضارة الواحدة التي تستمد جوهرها من الإسلام.

العمل على إنشاء سوق شرق أوسطية تهيمن عليه إسرائيل والشركات دولية النشاط بدلا من سوق عربية أو إسلامية وإنهاء المقاطعة لإسرائيل قبل حل المشكلة الفلسطينية.

الربط بين الإسلام والإرهاب وإظهار المسلمين والعرب في وسائل الإعلام بصورة مشوهة ووضع بعض الدول العربية والإسلامية على قائمة الدول الراعية للإرهاب والمبالغة في ذلك لأسباب استراتيجية وتبرير الاعتداء على تلك الدول أو فرض حصار اقتصادي عليها كإيران ن وسوريا، وليبيا... وغيرها.

رفض إسرائيل التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وفي نفس الوقت تدمير القوة العسكرية العراقية ومنع أي دولة عربية أو إسلامية من الحصول على تكنولوجيا متقدمة ومنع المعونة عن باكستان لامتلاكها مقومات صنع أسلحة نووية.

إخضاع الاقتصاد العالمي لسيطرة المؤسسات الدولية الثلاث (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة الدولية) وفرض النموذج الغربي على العالم دون الالتفات إلى التوترات الاجتماعية والمشاكل المترتبة على النموذج الغربي من تلوث البيئة البطالة البؤس والفقر وسيطرة المؤسسات اليهودية على الاقتصاد العالمي وكذلك على وسائل الإعلام في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.

تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي وتكون كمنولث من الجمهوريات الاتحادية وظهور ست دول ذات أغلبية إسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز هذا فضلا عن المسلمين في روسيا الاتحادية.

وباختصار فإن أوضاع العالم العربي وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية والتي غزت فيها العراق الكويت ولدت كما من الانشقاقات والانقسامات مما شجع على:

اتخاذ قرارات بمصادرة بعض أراضي القدس وقرار نقل السفارة الأمريكية من تلك أبيب إلى القدس.

فشل الدول العربية في إجبار إسرائيل في التوقيع على تجديد اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية.

وبالرغم من أن هناك إجماعا من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي على رفض قرارات إسرائيل بجعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل (انظر الملحق) إلا أن فاعلية الدول العربية والإسلامية ما زالت محدودة والتاريخ يحدثنا عن كيف ضاعت القدس من يد المسلمين وكيف أعادها صلاح الدين الأيوبي.

3/4- الخبرة التاريخية بشأن القدس:

في مرات نادرة في التاريخ فقدت القدس هويتها وضاعت شخصيتها تحت ضغط القوة الغاشمة وتخيل المعتدي أنه صنع لها كيانا جديدا لكن القدس استمرت ترفض واستمر الجسم العربي والإسلامي يرفض من حولها حتى عادت إليها روحها.

في الحروب الصليبية أبرمت معاهدات أملتها الظروف السياسية والتقلبات العسكرية فضاعت معها القدس وفقدت هويتها لكن العوام الحقيقية والتيارات الواقعية التي تحرك التاريخ وتقود الشعوب وتصوغ الأجيال مزقت تلك المعاهدات والاتفاقيات وخرجت القدس من خلالها عربية الوجه إسلامية الروح لتمارس دورها الإنساني العالمي (أور سالم) مدينة السلام.

ومن خداع النفس أن تتصور إسرائيل أنها قادرة على فرض الاغتصاب على القدس بقرار يصدر من برلمانها بضم القدس أو إحاطته القدس كما تفعل اليوم بسوار واسع من القلاع والمستوطنات والحصون وإرهاب العرب من مسيحيين ومسلمين والتضييق عليهم ليهاجروا من القدس ويتركوا فراغا يملؤه الصهاينة المحتلون الوافدون من كل قطر.

صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس:

في العام 564هـ (1169م) تسلم صلاح الدين بن يوسف نجم الدين أيوب الملقب بالملك الناصر صلاح الدين ملك مصر خلفا لعمه أسد الدين شيركوه وكان في الثانية والثلاثين من عمره وقد خاض في أثناء ملكه معارك ضاربة لتحرير مصر وبلاد الشام من حكم الصليبيين فانتصر عليهم في معارك عدة كان أهمها "حطين" في 24 ربيع الآخر عام 583هـ/ 4/7/1187م).

ثم تم تحرير القدس على يديه في العام نفسه مما أدى إلى عقد صلح بينه وبين ريتشارد قلب الأسد عام 588 (1192م) وذلك بعد أن حرر صلاح الدين بالسيف معظم بلاد الشام من حكمهم ولم يبق بأيديهم سوى صور وطرابلس وأنطاكية إلا أنه بعد نصف عام فقط توفى صلاح الدين بعد أن حكم زهاء ربع قرن.

ثمانية قرون مرت على هذا الحدث ولا يزال العرب والمسلمون والعالم يرددون اسم ذلك البطل قاهر الصليبيين في أوج قوتهم وسطوتهم الملك الناصر صلاح الدين فكيف كان حال العرب والمسلمين قبل أو يوحدهم صلاح الدين كان العرب والمسلمون عيشة الملك صلاح الدين قد انقسموا شيعا:

أمويون شهدت إمبراطوريتهم الضائعة في الأندلس انهيارا مريعا بعد نزاعات وحروب بين أمرائها فخلفوا ورائهم في بعض أنحاء المغرب دويلات لم تعمر طويلا.

عباسيون كانوا قد بدءوا انحلال إمبراطورية غنية مترفة امتد سلطاتها على طول البلاد الإسلامية وعرضها نازعتهم عليها دولة فاطمية بدأت قوية حين قامت في مصر والمغرب العربي (تونس) وامتدت إلى بعض أنحاء الشام ثم ما لبثت بدورها أن بدأت تشهد انحطاطا وتقهقرا وضعفا وتقلصا وانتهت أخيرا بظهور صلاح الدين بعد موت آخر خليفة فاطمي في مصر (عام 567هـ – 1771م).

أما بلاد الشام فكانت ممزقة بين فاطمي مصر في الجنوب وسلاجقة أتراك في الشمال وبين الطرفين وفي ظلها قامت مقاطعات يحكمها أمراء وزعماء عرب يتناحرون فيها بينهم خصوصا أنهم تفرقوا شراذم قبلية وطائفية ومذهبية متباينة وغير متحدة حيث مال بعضهم إلى الغزاة الصليبين وناصروهم بينما قاومهم آخرون وحاربوهم وأهمهم الأتابكة والزنكيون والأيوبيون وكان المماليك آخرهم (وفي أواخر القرن الثالث عشر الميلادي).

وفي هذه الأثناء أقام الصليبيون في بلاد الشام إمارات وممالك أهمها إمارة الرها في بلاد الأتراك السلاجقة) وإمارة أنطاكية (عاصمة سوريا الشمالية) وإمارة (أوكونتبه) طرابلس أهم مواني سورية ومملكة بيت المقدس بينما بقيت دمشق وسورية الداخليتين بيد المسلمين.

شهدت مدينة القدس في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري تنافسا سياسيا بين الخلافة الفاطمية والدولة السلجوقية ممثلة الخلافة العباسية حينئذاك وهذا التنافس عبر بصدق عن مطامع الدولتين وإغفالهما لمصلحة العالم الإسلامي الذي يتعرض للخطر الصليبي حينذاك.

سقوط القدس في يد الصليبيين أظهر تفكك الكيان للخلافة العباسية وانهيار قدرتها العسكرية بدليل أنه لم تحرك ساكنا في مواجهة هذا الحدث التاريخي الخطير.

عكس انتزاع الصليبيين للقدس من يد الفاطميين الصورة التي كان عليها الخلفاء الفاطميون بعد أن استسلموا السيطرة الوزراء على النفوذ السياسي والإداري مما أدخل الخلافة في دوامة من الفوضى والاضطراب.

جاء سقوط القدس نتيجة لما كان يسود المسرح السياسي في بلاد الشام وفلسطين من صراعات بين الأمراء والحكام السلاجقة أدت إلى انقسام البيت السلجوقي وظهور الكراهية والأحقاد بين أمرائه.

تلك هي الصورة التي كان عليها وضع العرب والمسلمين عشية وصول صلاح الدين إلى الملك.

وكان على هذا القائد الملهم الطموح أن يخطط لاستراتيجية مدروسة من خلالها أن يحقق للمسلمين ثم العرب أهدافهم في الوحدة ثم التحرير حيث لم يكن هناك فرق بين مسلم عربي وغير عربي فكل بلاد الإسلام بلاده مما جعله وهو الكردي المسلم المولود في تكريت ومن خلال جهاده لتحرير البلاد العربية من الصليبيين قائدا عربيا قل نظيره في تاريخ النضال العربي.

وخلص الدكتور ياسين سويد من دراسته على استراتيجية صلاح الدين(التوحيد للتحرير) إلى ما يلي:

أدرك صلاح الدين بثاقب بصيرته أن الشرط الأساسي لتحرير البلاد العربية الإسلامية من الاحتلال الصليبي هو تحقيق وحدتها وخصوصا وحدة مصر وبلاد الشام فكان أول ما قام به بعد تسلمه ملك مصر هو توحيد هذه البلدان بقيادته بحيث امتدت سلطته من الرها شمالا حتى بداية الشام شرقا فمصر وبلاد النوبة جنوبا واليمن جنوبا الغربي.

انصرف صلاح الدين بعد ذلك إلى إعداد جيش قادر وقوي ومجهز بالأسلحة التي كانت مستعملة في ذلك العصر بحيث تتناسب مع الأهداف التي كان يطمع صلاح الدين إلى تحقيقها في صراعه مع المحتلين وتحرير البلاد.

وضع صلاح الدين خطة استراتيجية لمحاصرة الممالك والإمارات الصليبية.

لم يتورع صلاح الدين عن القبول بأية هدنة تعرض عليه من قبل العدو بغية إتاحة المجال لجيوشه وقادته للمزيد من الاستعدادات ودراسة الأوضاع والاحتمالات المرتقبة وكيفية معالجتها.

الخاتمة:

قرار الكونجرس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في حقيقة الأمر هو حسم قضية القدس نهائيا باعتبارها عاصمة إسرائيل الأبدية وهذا القرار يخالف كل ما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات وفي نفس الوقت يصدم مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم في العالم لخصوصية القدس وأهميتها في عقيدته فضلا عن أنه يصدم المسيحيين بكل طوائفهم.

والتهويد الذي جرى ومازال يجري على القدس سواء كان جغرافيا أم سكانيا وكذلك التدمير الثقافي مردوده عكسي.

التاريخ يحدثنا أن الملك سالم اليبوسي الكنعاني العربي هو الذي أسس القدس في عام 3500 قبل الميلاد وأن السلطة اليهودية لم تتعدد 77 عاما من عمر المدينة البالغ 5500 سنة.

ومن الجدير بالذكر أن القدس تمثل رمزا لوحدة الرسالات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام والإسلام هو خاتم الرسالات السماوية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلامي دينا).

الفكر الصهيوني يقوم على نقل اليهود من المنفى إلى أرض الميعاد وهذا مخالف لكل من عقائد المسلمين والمسيحيين وكذلك جزء كبير من اليهود يعارض ذلك أما أن اليهود شعب الله المختار وأصحاب الرسالات السماوية يؤمنون بالله الواحد والمسلمون يؤمنون بكل الأنبياء والرسل السابقين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

لا أحد ينكر أن اليهود تعرضوا طوال تاريخهم لمذابح مما أثر في تكوينهم النفسي والاجتماعي وهذا ادعى لهم أن يتمسكوا بتعاليم اليهودية الحقة والتي تدعو إلى الرحمة والعدل والإحسان بدلا من طرد الفلسطينيين من أراضيهم وسياسة البطش والإرهاب وكذلك الاحتفاظ بالأسلحة النووية لتهديد العرب والمسلمين وترويعهم أما إسرائيل فرصة تاريخية لا تكرر وهي فرصة السلام ولكن أي سلام إن السلام الذي لا يقوم على العدل سيولد في يوم ما انفجارا وغليانا لا يعرف مداه إلا الله.

أن القدس جوهر القضية الفلسطينية وهي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة فهي بالنسبة للمسلمين ذات أهمية خاصة عقديا وتعبديا وحضاريا وثقافيا وسياسيا وتاريخيا.

من الجدير بالذكر ان التاريخ الإسلامي شهد يوما ما سقوط بيت المقدس في أيدي الصليبيين وكان سبب ذلك التفكك العربي والإسلامي وسقوط الأندلس وضعف وانحلال الخلافة العباسية والصراع على السلطة وما أشبه الليلة بالبارحة في عالمنا العربي والإسلامي.

ولكن صلاح الدين الأيوبي ركز على توحيد مصر والشام وأعد العدة لاسترداد بيت المقدس وكان له ما كان.

وإذا كان انهيار الاتحاد السوفيتي قد أدى إلى انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم وبالتالي تحاول تشكيل العالم طبقا لمصالحها.

علينا أن نتذكر سنن وقوانين صعود وهبوط الحضارات وعلينا أن نتذكر أن سقوط الأندلس وسقوط الخلافة العباسية أعقبه صعود الدولة العثمانية التي حافظت على الميراث الثقافي والحضاري للإسلام.

وفي ضوء الظروف الدولية الراهنة لا يخلو العامل من حكماء وعقلاء على المسلمين أن يتوجهوا إليهم عبر وسائل الإعلام لإقناعهم بأهمية تلك القضية واغتنام تلك الفرصة التاريخية وإقرار السلام في المنطقة.

عـامـا للـقـدس

الأهرام في 26/9/1999

بقلم : أحمد الملا

القنصل العام السابق بالقدس

في اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب، الذي انعقد بالقاهرة يومي 28 و29 يونية من العام الماضي، أصدر المجلس عدة قرارات مهمة من بينها جعل يوم 26 سبتمبر يوما للقدس في الإعلام العربي، يتم فيه التركيز على المخاطر التي تحدث بالمدينة المقدسة ويدخل في إطار هذه الحملة الإعلامية إعداد كتاب حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في القدس والأراضي العربية المحتلة يكون مرجعا موثقا لما ارتكبته إسرائيل من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تمهيدا للمطالبة بتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة وإلى المحاكمة الدولية كي ينالوا جزاءهم على ما قدمت أيديهم علما بأن هذه الجرائم لا تسقط بمضي المدة.

لقد مضى يوم 26 سبتمبر سنة 97 دون أن نقرأ أو نسمع شيئا في وسائل الإعلام عن قضية القدس، كما لم نعلم عما إذا كان كتاب جرائم إسرائيل قد تم إعداده!! وهذا الكتاب عند إنجازه سيكون في غاية الأهمية لفضح جرائم إسرائيل أمام العالم ولمطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين عاثوا فسادا في الأراضي المحتلة وانتهكوا حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية وقتلوا الأسرى.

ومنذ سنوات صدر قرار من مؤتمر القمة الإسلامية الثالث بجعل يوم 18 مايو سنة 1984 يوما للقدس تحشد فيه طاقات الأمة الإسلامية وإمكاناتها دفاعا عن المقدسات ومواجهة الإرهاب الصهيوني ضدها. فماذا فعل المسلمون لتنفيذ هذا القرار الصادر منذ أكثر من أربعة عشر عاما؟ وهل نجحنا في وقف ـ ولا أقول دحر ـ العدوان الإسرائيلي على المقدسات والتراث العربي والإسلامي في القدس؟!

ومنذ أسابيع قلائل تم عقد الاجتماع الأخير للجنة القدس بالدار البيضاء برئاسة الملك الحسن الثاني ملك المغرب وبحضور وزراء خارجية 16 دولة من بينها مصر يوم 29 يوليو الماضي. ودارت المناقشات في اللجنة حول الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة الأوضاع الخطيرة التي تمر بها مدينة القدس بعد القرار الإسرائيلي بتوسيع حدود بلديتها لتشمل أجزاء من الضفة الغربية، وقد أكدت مصر على لسان وزير خارجيتها السيد عمرو موسى.. أنها مع استمساكها بالسلام كخيار استراتيجي إلا أنه خيار قائم على ما هو قانوني ومعقول، ولا يعني أبدا التهاون أو السكوت إلى ما لا نهاية على الاتجاه الإسرائيلي نحو اللامعقول واللامقبول! وأضاف الوزير أننا ننتظر موقفا موحدا وحاسما تجاه الإجراءات الإسرائيلية في القدس والاتفاق على إجراءات مقابلة.

إن جرائم إسرائيل التي ترتكبها في القدس مازالت مستمرة فهي تعمل على تغيير معالم القدس العربية وتهويدها وهدم مساكن أهلها العرب وبناء مستعمرات يهودية كان آخرها ما أعلنته من اعتزامها بناء 132 وحدة سكنية في حي رأس العمود.

إن مخطط تهويد القدس وتدمير المؤسسات العربية وأماكن العبادة الإسلامية بدأ منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للقدس يوم 7 يونية 67 حيث شرعت إسرائيل في تغيير الطابع العمراني للقدس وتكوينها الديموجرافي ومركزها القانوني ولم تبال بقرارات الإدانة الصادرة من الأمم المتحدة ولا بصيحات الاستنكار العربية والدولية.

لقد طرح العرب على مر السنوات الثلاثين الماضية قضية القدس في مؤتمرات القمة العربية والقمة الإسلامية ولجنة القدس وصدر عن هذه المؤتمرات بعض القرارات الإيجابية، ولكن لم يتم إنشاء آلية عربية وإسلامية لمتابعة هذه القرارات ووضعها موضع التنفيذ وبصفة خاصة قرارات المقاطعة التامة لإسرائيل ووقف تطبيع العلاقات معها، وإغلاق مكاتب التمثيل السياسي والتجاري التي سبق أن أقيمت بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وإنشاء بيت مال القدس لدعم مؤسساته العربية ومساعدة أهله على الصمود.

فقد حذر عالم الآثار الفلسطيني الدكتور إبراهيم الغني ـ في مؤتمر صحفي عقده أخيرا ـ من أن إسرائيل قد أعدت مشروعا لنقل الصخرة المشرفة إلى باب الخليل ـ وهذه الصخرة هي التي بني فوقها مسجد قبة الصخرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ـ وقد بهر رونق المسجد وبهاؤه علماء الآثار والزائرين على مر العصور حتى ان عالما الآثار هايتر لويس وجوستاف لوبون وصفا المسجد بأنه أجمل بناء فوق سطح الأرض.

وقد ذكر الدكتور إبراهيم أن الشروع في بناء مستعمرة راس العمود ستكون إشارة إلى بدء تنفيذ الهيكل وان إسرائيل كانت تنوي تنفيذ مشروع بناء الهيكل عام 2025 ولكنها قررت الإسراع بتنفيذه عام 2008 ، كما عرض الدكتور إبراهيم خرائط وفيلم وثائقي ومعلومات توضح طبيعة الإنفاق والحفريات التي قامت بها إسرائيل تحت المسجد الأقصى مما يهدده بالانهيار.

لقد أوقف نيتانياهو مسيرة السلام منذ توليه الحكم منذ أكثر من عامين ولم تستطع الولايات المتحدة أن تزحزحه عن مطامعه في ابتلاع القدس وإحكام سيطرته عليها، فإلى متي يظل العرب واقفين متفرجين؟! لابد من حشد قوي الأمة العربية والإسلامية لمواجهة التحدي الإسرائيلي الذي يوشك على إتمام تهويد القدس ثم إزالة المقدسات الإسلامية تمهيدا لإقامة الهيكل.

لنجعل عام 1999 عاما للقدس وقد أصبح انعقاد قمة عربية ضرورة لا غنى عنها لاتخاذ الإجراءات الحاسمة لردع إسرائيل عن المضي في تهويد القدس ولاتخاذ القرارات اللازمة لدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والتي من المقرر إعلان قيامها في مايو عام 1999.

وليكن القدس أنشودة على كل لسان حتى يظل كامنا في وجدان كل عربي ومسلم فمهما طال الليل فلابد أن ينقضي الظلام ويشرق نور الحق ويسود السلام العادل في أرض السلام.

المقاومة الفلسطينية خلال نصف قرن

مدخل للتقييم

1948-1998م

(1/2)

مجلة البيان - العدد 132

د. محسن محمد صالح

شهد عام 1948م إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين؛ حيث تمكن من الاستيلاء على 78% من هذه الأرض المباركة، وتشريد معظم أبنائها، وقد أخذ هذا الكيان يرسخ أقدامه في المنطقة، ويستقدم اليهود من شتى أنحاء العالم، كما استطاع أن يشكل خطراً كبيراً على المنطقة العربية والإسلامية وأمنها واستقرارها، وأن يسهم في إضعافها وتمزيقها، مستفيداً من دعم الدول الكبرى  غير المحدود  وخصوصاً الولايات المتحدة. ولم تنجح الجيوش العربية سنة 1948م في مواجهة هذا الخطر، كما هزمت مرة ثانية سنة 1967م وضاع ما تبقى من فلسطين فضلاً عن أراض عربية أخرى. غير أن المقاومة الفلسطينية للكيان الصهيوني استمرت بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة طوال الفترة الماضية.

وفي هذا المقال نحاول تسليط الضوء على تجربة المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني خلال الخمسين سنة الماضية، وسنقسم هذا الموضوع إلى قسمين:

الأول: نستعرض فيه مراحل المقاومة التي خاضها الفلسطينيون خلال تلك الفترة.

والثاني: نحاول فيه تقديم تقييم أولي لهذه التجربة.

أولاً: مراحل المقاومة:

المرحلة الأولى: 1948  1967م:

منذ البداية وجد ثلثا شعب فلسطين أنفسهم مشردين لاجئين (أكثر من 800 ألف)(1) بعد أن وضع الكيان الصهيوني يده على أربعة أخماس فلسطين، وتم تغييب دور القيادة الفلسطينية الوطنية الممثلة يومذاك بالحاج أمين الحسيني ورفاقه الذين شكلوا حكومة عموم فلسطين التي حرِمت ممن ممارسة صلاحياتها على الأرض، وضَمّت الأردنّ الضفةَ الغربيةَ فيما وضعت مصر قطاعَ غزة تحت إدارتها.

وفي هذه المرحلة علّق الفلسطينيون آمالهم على (قومية المعركة) وعلى الأنظمة العربية وخصوصاً مصر بزعامة عبد الناصر، وكان شعار: (الوحدة طريق التحرير) هو الشعار البراق لتلك المرحلة. غير أن الأنظمة العربية اتخذت صبغات علمانية ذات مضامين اشتراكية أو غربية أو محافظة، وشهدت فترة الخمسينيات والستينيات مداً قومياً ويسارياً جارفاً، وانحساراً مؤلماً للتيار الإسلامي، ورغم حالة العداء والحروب مع الكيان الصهيوني، إلا أن الخط البياني للأنظمة العربية كان يسير باتجاه (التسوية) وليس باتجاه (التحرير) وتم تبني المقاومة الفلسطينية لأسباب تكتيكية مرحلية وليس لأسباب استراتيجية شاملة. وسارت سياسات دول المواجهة مع المقاومة الفلسطينية ضمن خطين:

الأول: ضمان أمن النظام وبقائه، وعدم تعريضه لمخاطر الانتقام الصهيوني، ومن ثم ضبط العمل الفدائي، ووضعه تحت السيطرة ما أمكن، ومنعه من استخدام الحدود للقيام بعمليات مسلحة.

والخط الثاني: السماح المرحلي التكتيكي بوجود المقاومة وعملها، تحقيقاً لمكاسب سياسية وشعبية أو تجنباً لاضطرابات داخلية، وتنفيساً عن غضب الجماهير، ولذلك بقيت حدود دول المواجهة مع العدو مغلقة محرمة على العمل الفدائي الفلسطيني طوال الخمسين عاماً الماضية، مع استثناءات لفترات محدودة فرضتها ظروف معينة، وكان أهم هذه الاستثناءات جنوب لبنان، الذي تشكلت فيه قاعدة مقاومة قوية بعد 1967م، ليس بسبب رغبة النظم الحاكمة هناك، وإنما بسبب ضعفه وقوة الثورة وقاعدة تأييدها الواسعة.

وفي هذه المرحلة، اتخذت المقاومة الفلسطينية أشكالاً بسيطة محدودة التأثير، بانتظار دور عربي حاسم، فكثرت عمليات اختراق الحدود الفردية لاسترجاع ممتلكات للعائلات أو للانتقام من الغاصبين. ونشط الإخوان المسلمون في قطاع غزة في تشجيع وتجنيد الشباب للقيام بالعمليات الفدائية، وساعدهم في ذلك ضباط إسلاميون مصريون من أمثال عبد المنعم عبد الرؤوف، وقام الإخوان في النصف الأول من الخمسينيات بزرع الألغام، ونسف المنشآت، وتخريب خطوط المياه والكهرباء مما أدى إلى ردود فعل صهيونية متغطرسة، وإثر مذبحة غزة التي قامت بها القوات الصهيونية في 28 شباط / فبراير 1955م، وإثر انتفاضة غزة في الأول من آذار/ مارس 1955م وافقت القيادة المصرية على العمل الفدائي الفلسطيني، ووضعته تحت إشراف الضابط المصري مصطفى حافظ الذي قام بواجبه خير قيام. وتدفق الآلاف للتطوع؛ غير أنه تم انتقاء العناصر ذات الخبرات القتالية وذات المعرفة بالأرض، وزاد عدد الفدائيين العاملين عن الألف، وكثير منهم من أبناء الحركة الإسلامية ومؤيديها، وقاموا بعمليات يومية خاطفة، وأحياناً بعمليات كبيرة واسعة شارك في إحداها 300 فدائي في نيسان / إبريل 1956م توغلوا لمسافات كبيرة ونجحوا في مهامهم(2).

وحتى بعد حظر نشاط الإخوان المسلمين في القطاع، وتعرضهم للمطاردة فقد استمروا في عملهم الجهادي السري، وشكلوا مجموعات جهادية مسلحة مثل (شباب الثأر) و (كتيبة الحق) وكان لهم دورهم المشهود في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع تشرين الثاني/ نوفمبر 56 آذار/ مارس 1957م إثر العدوان الثلاثي على مصر. وبرز من الإخوان خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان أحد أنشط عناصرهم العسكرية. غير أن ظروف محاربة النظام الحاكم في مصر للإخوان، وإفساح المجال للتيارات القومية واليسارية، فضلاً عن هجرة العديد من الكفاءات ورموز الإخوان إلى الخارج وخصوصاً دول الخليج، كل ذلك أضعف من قوة حركة الإخوان في القطاع وهمّش دورها منذ أواخر الخمسينيات وحتى عام 1967م(3).

ومنذ تلك الفترة استمر سلوك الحركة الإسلامية العام بالمحافظة على النفس والتركيز على الجوانب الإيمانية والتربوية؛ غير أن هذا لم يمنع من ظهور تساؤلات وسط الصف الشبابي (الإخواني) عن وسائل العمل الممكنة لقضية فلسطين، فأخذ يظهر توجه للقيام بعمل منظم مسلح لا يتخذ أشكالاً إسلامية ظاهرة، وإنما يتبنى أطراً وطنية عامة تمكن من تجنيد قطاع واسع من الشباب، ولا تصطدم بعداء وملاحقة الأنظمة، وقدم خليل الوزير مشروعاً بذلك إلى قيادة الإخوان في غزة، لكنه لم يحصل على ما يرجوه. وفي المقابل شكلت تجربة الثورة الجزائرية المظفرة بارقة أمل، ودفعة معنوية كبيرة للقيام بعمل وطني. وقد كانت هذه هي البذور الأولى لنشأة حركة فتح التي خرجت أساساً من أحضان الإخوان المسلمين، وبالذات أبناء قطاع غزة  ورغم عدم استجابة المسؤولين من الإخوان إلا أن عدداً من ذوي المكانة والاحترام بين القواعد  ممن اقتنعوا بهذا التصور  قاموا بدعوة إخوانهم الآخرين للانضمام لهذه الحركة، وكان منهم سعيد المزين (أبو هشام) وغالب الوزير، وانضم إليهم عدد من الإخوان المرموقين في ذلك الوقت مثل: سليم الزعنون (أبو الأديب) وصلاح خلف (أبو إياد) وأسعد الصفطاوي، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، ورفيق النتشة، وتمكنت فتح من تجنيد أفراد كثيرين ممتازين من الإخوان، وكان الإخوان يعتبرون هذه الحركة منهم أو رصيداً لهم، وقد نشأت فتح في الكويت في أواخر 1957م؛ وتشير إحدى المصادر الإخوانية أن قيادتها الأولى كانت من خمسة أعضاء أربعةٌ منهم من الإخوان أو ذوو جذور إخوانية هم: أبو جهاد، ويوسف عميرة، وعبد الفتاح حمود، وسليمان حمد، والخامس (أبو عمار) ياسر عرفات الذي كان قريباً من الإخوان. لكن على ما يبدو فإن قيادة الإخوان في غزة أصرت إما على الإشراف الكامل على الحركة بوجود ثلاثة أعضاء تعينهم بنفسها أو بالانفصال عن الحركة، ولما لم تستجب فتح لذلك فقد أمر الإخوان قواعدهم بالانفصال وخيّروهم بين إحدى الجهتين وذلك في عام 1963م، وهكذا خسر الطرفان بعضهما بعضاً وتوسعت فتح في تجنيد العناصر من تيارات مختلفة(4).

استطاعت حركة فتح تشكيل جناح عسكري (العاصفة) وقامت بأول عملياتها العسكرية في مطلع 1965م وتمكنت من شن حوالي 200 عملية منذ ذلك الوقت وحتى حرب حزيران/ يونيو 1967م وقد اتهمتها الأنظمة العربية بالرجعية والعمالة، ومحاولة جرها للحرب مع العدو قبل الأوان، وقامت بملاحقة أفرادها وسجنهم، ومنعهم من التحرك والعمل، لكن هزيمة الأنظمة في 1967م فتحت أمامها آفاقاً جديدة(5).

ومن جهة أخرى دعمت الأنظمة العربية منظمة التحرير الفلسطينية في حزيران/ يوليو 1964م بزعامة أحمد الشقيري، ورغم أن هدف بعض هذه الأنظمة كان وضع المقاومة الفلسطينية تحت الإشراف والسيطرة بعد شعورهم بما كانت تموج به الساحة من حركات سرية وأنشطة بعيدة عن التحكم الرسمي، ورغم ذلك فإن (م. ت. ف.) لقيت تأييداً شعبياً باعتبارها ممثلاً للكيان الفلسطيني والهوية الوطنية التي جرى تغييبها، هذا مع تحفظ عدد من الجهات ومنها فتح على خلفيات إنشائها، وعدم قدرة (م. ت. ف.) على القيام بواجباتها، وقد تم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الذي أقر إنشاء (م. ت. ف.) وميثاقها، كما تقرر تشكيل جيش التحرير الفلسطيني ليتبع (م. ت. ف.) وتم القيام بعدد من الجهود التعبوية والإعلامية(6).

المرحلة الثانية، 1967م  1987م:

كشفت حرب حزيران/ يونيو عام 1967م مدى الضعف الذي كانت تعاني منه الأنظمة العربية، ووضعت حداً للآمال التي كانت معلقة عليها، وشعر الفلسطينيون أكثر من أي وقت مضى بضرورة أخذ زمام المبادرة بأيديهم، واضطرت الأنظمة تفادياً لموجات الغضب الشعبي أن تفسح المجال للعمل الفدائي، الذي استطاع أن يبني قواعد قوية وواسعة في الأردن ولبنان، واستطاعت التنظيمات الفدائية بزعامة فتح أن تصل إلى قيادة (م. ت. ف.) التي أصبحت برئاسة (أبو عمار) منذ شباط / فبراير 1969م، وبرز خط الكفاح الشعبي المسلح وحرب العصابات، واكتسبت الشخصية الوطنية الفلسطينية زخماً كبيراً، وتمكنت (م. ت. ف) في مؤتمر الرباط في تشرين الأول/ أكتوبر 1974م من الحصول من الأنظمة العربية على الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وفي الشهر التالي حققت انتصاراً سياسياً عندما ألقى أبو عمار خطابه في الأمم المتحدة (دون أن يتنازل عن أي من حقوق الفلسطينيين، وتم قبول (م. ت. ف) عضواً مراقباً، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في منتصف السبعينيات قرارات تؤيد حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، بل وفي الكفاح المسلح لنيل حقوقه.

كانت الفترة بين 1967م  1970م هي الفترة الذهبية للعمل الفدائي الفلسطيني، وكانت معركة الكرامة في 21 آذار / مارس 1968م إنجازاً معنوياً ومادياً كبيراً لحركة فتح، بعد أن تم تكبيد العدو الصهيوني خسائر كبيرة، فاندفع الآلاف للتطوع وتسجيل أنفسهم، وخلال 48 ساعة كان حوالي خمسة آلاف قد طلبوا الانضمام لفتح فقبلت منهم 900 فقط حسب إمكاناتها ومعاييرها. وتطورت العمليات الفدائية من 12 عملية شهرياً 1967م إلى 52 شهرياً سنة 1968م ثم إلى 199 عملية شهرياً سنة 1969م وإلى 279 عملية شهرياً في الأشهر الأولى من سنة 1970م(7).

ومن جهة أخرى فإن الكيان الصهيوني ظل يقوم بحملات متواصلة ضد قواعد الفدائيين في لبنان، بل وضد المدنيين وقراهم ومحاصيلهم ليمنع أي دعم محتمل من السكان لإخوانهم، فكان من ذلك هجماتهم على العرقوب بين 1970  1972م، واغتيال ثلاثة من قيادة المنظمة في بيروت في نيسان/إبريل 1973م (محمد يوسف النجار، كمال عدوان، كمال ناصر) وقاموا بحملة اجتياح واسعة للجنوب اللبناني في مارس 1978م، نجحوا على إثرها في إنشاء حزام أمني بقيادة سعد حداد، وفي معركة الشقيف في 19 آب / أغسطس 1980م حققت المقاومة الفلسطينية نجاحاً كبيراً ضد الهجوم الصهيوني. وكان اجتياح الجيش الصهيوني للبنان في صيف 1982م هو الأضخم والأعنف، وقد تمكنت من اجتياح الجنوب بسهولة وسرعة نسبية، غير أنه توقف عند أسوار بيروت حوالي ثمانين يوماً، وُوجِه خلالها بمقاومة عنيفة. لكن الهجوم نجح على أي حال في تدمير معظم البنية التحتية للعمل الفدائي في لبنان، وفي إخراج آلاف المقاتلين الفلسطينيين إلى معسكرات بعيدة في اليمن وتونس والجزائر والسودان، وهكذا ضُيّق الخناق على أي مقاومة فلسطينية محتملة من خارج فلسطين.

وبالتأكيد فإن معدل العمليات الفدائية ضد الكيان الصهيوني قد انخفض في السبعينيات، وتراجع إلى حدود متواضعة جداً في الثمانينيات، غير أن هناك عدداً من العمليات النوعية التي تجدر الإشارة إليها مثل عملية سافوي التي قامت بها فتح في تل أبيب في 6 آذار / مارس 1975م وأدت إلى مقتل وجرح خمسين جندياً وخمسين مدنياً(8)، وعملية كمال عدوان بقيادة دلال المغربي في آذار / مارس 1978م مما أدى على الأقل لمقتل 37 وجرح 82 من الصهاينة(9).

وقامت منظمات فدائية أخرى بعمليات مثل اختطاف الطائرات، والتي برزت فيها الجبهة الشعبية خصوصاً في 1970م، والهجوم على مطار اللد في 30/5/1972م مما أدى إلى مقتل 31 وجرح 80 آخرين(10)، وعملية (الخالصة) التي نفذتها الجبهة الشعبية  القيادة العامة في 11 نيسان / إبريل 1974م(11)، وعملية الطائرة الشراعية التي نفذتها الجبهة نفسها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1987م، وغيرها.

وهكذا، فمنذ عام 1982م أدى الإنهاك العسكري إلى استضعاف سياسي، وكسب أنصار تيار (الواقعية) في (م. ت. ف.) دفعات جديدة باتجاه تبني حلول سلمية. والحقيقة أن (م. ت. ف.) بدأت تغيّر خطابها السياسي منذ فترة مبكرة، خصوصاً منذ تبنيها برنامج النقاط العشر سنة 1974م، وكثرة الحديث عن الحلول المرحلية إلخ.. وكانت موافقة (م. ت. ف.) على مشروع فاس 1983م علامة فارقة لما يتضمنه من اعتراف بحق دول المنطقة في العيش بسلام (بما فيها الكيان الصهيوني)(12).

وواجهت قيادة (م. ت. ف.) سنوات عجافاً خلال 1983م  1987م انعكست على شكل تراجع في الأداء النضالي المسلح، وانتكاسات على المستوى السياسي.

أما من جهة التيار الإسلامي فإن مرحلة 1967م  1987م كانت مرحلة تصاعد تدريجي في الشعبية، ومع نهاية السبعينيات بدأ الاتجاه الإسلامي الفلسطيني يحقق نجاحات واسعة في الداخل والخارج، فعلى الصعيد الطلابي أخذ يسيطر على عدد من الاتحادات الطلابية، وتوسعت دائرة نفوذه في النقابات المهنية، وأخذ الرصيد الشعبي العام في الاتساع على حساب الاتجاهات الأخرى، ولكن هذا التوسع كان في الميدان الشعبي والاجتماعي والخيري والتربوي، بينما بقي العمل الجهادي والسياسي منعدماً أو منحسراً حتى أواخر السبعينيات، ويبدو أن قيادات التيار الإسلامي عملت على بناء قاعدة صلبة لعمل طويل المدى، وعدم الاستعجال في حرق المراحل، وخشيت من تكرار تجارب غير ناضجة لتنظيمات مسلحة ما لبثت أن تحولت إلى (دكاكين) ومكاتب إعلام تخدم أطرافاً عربية معينة لها مصالحها وحساباتها الخاصة، ورأت أن مثل ذلك يلطخ الصورة التي يريدون تقديمها ويورث الإحباط.

وعلى أي حال، فقد كانت هناك مشاركة محدودة للإخوان المسلمين في (معسكرات الشيوخ) في الأردن 1968م  1970م حيث تم تدريب حوالي (300) رجل توزعوا على سبع قواعد فدائية، وعملوا تحت مظلة فتح؛ وعلى محدودية إمكاناتهم، فقد قدموا نماذج مشرفة، فخاضوا عمليات قوية ناجحة مثل الحزام الأخضر 31 آب / أغسطس 1969م ودير ياسين 14 أيلول / سبتمبر 1969م وسيد قطب 28 آب / أغسطس 1970 واستشهد منهم حوالي 13 رجلاً(13).

وفي أواخر السبعينيات، كانت الظاهرة الإسلامية قد قويت في الأرض التي احتُلت سنة 1948م، وكُشف في 1980م تنظيم (أسرة الجهاد) بقيادة فريد أبو مخ وعبد الله نمر درويش، واعتُقل حوالي ستين عضواً، وكان قد قام بعشرات العمليات في الأرض المحتلة(14). وفي قطاع غزة، برز دور المجمع الإسلامي بقيادة الشيخ أحمد ياسين، وفي سنة 1983م قبض على الشيخ أحمد ياسين وعدد من رفاقه، بعد اكتشاف مخزن أسلحة في أحد المساجد، بتهمة إنشاء تنظيم معاد للكيان الصهيوني(15). أما حركة الجهاد الإسلامي فكان أبناؤها المؤسسون أعضاء في (الإخوان) حيث تكونت نواتهم الأساسية من الطلبة الفلسطينيين الدارسين في مصر في أواخر السبعينيات برئاسة د. فتحي الشقاقي، وبدأوا تشكيلاتهم في فلسطين منذ 1980م، ودعوا إلى (الإسلام منطلقاً، والجهاد وسيلةً، وفلسطين هدفاً للتحرير) وكان من أبرز عملياتهم عملية باب المغاربة التي أدت إلى إيقاع حوالي ثمانين إصابة في جنود العدو الصهيوني في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1986م(16).

المرحلة الثالثة: 1987-1998:

بقدر ما تجلت قدرات شعب فلسطين في هذه المرحلة على التضحية والعطاء من خلال الانتفاضة المباركة، بقدر ما كانت الحصيلة مخيبة للآمال  لقد كانت الانتفاضة التي اندلعت في 9 كانون الأول ديسمبر 1987م من أروع وأنبل ما شهده تاريخ فلسطين المعاصر عندما واجه الشعب الأعزل بأطفاله ونسائه وشيوخه الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح، و(تحدّت العين المخرز) وواجه الحجر الرصاصة والدبابة. في هذه الانتفاضة شارك الشعب تحت الاحتلال في الضفة والقطاع بكل فئاته واتجاهاته وقطاعاته، وتميزت هذه الانتفاضة بأمرين جديدين: الأول: أن (الداخل) المحتل أخذ زمام المبادرة النضالية، بعد أن كانت بيد العمل من (الخارج). والثاني: (أن التيار الإسلامي شارك بقوة وعنف وفاعلية، وبرز لأول مرة على ساحة المواجهة بحجم منظم مؤثر. لقد أكدت هذه الانتفاضة رفض أبناء فلسطين للاحتلال وإصرارهم على المقاومة، وراقب العالم في ذهول أطفال فلسطين وهم يفضحون آلة القمع الصهيونية، ويكشفون وجهها القبيح، وبدأ العالم يستذكر أن هناك شعباً مقهوراً مستعمَراً اغتُصبت أرضه.

وتميزت المرحلة الأولى من الانتفاضة المباركة بالمواجهة الشعبية الواسعة، والإضرابات، والمظاهرات، ومقاطعة الإدارة المدنية الصهيونية، وتنظيف المجتمع من العملاء ومروجي الفساد والمخدرات، أما المرحلة الثانية: فقد شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الصهانية مع تراجع الأنشطة الجماهيرية خصوصاً منذ أوائل 1992م وحسب مصادر (م. ت. ف.) فإنه خلال الفترة من كانون الأول / ديسمبر 1987م إلى كانون الأول / ديسمبر 1993م، كان قد استشهد 1540 فلسطيني وجرح 130 ألفاً واعتقل 116ألفاً(17).

وقد تلازم إنشاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مع بداية الانتفاضة، واعتبرت من أكثر الأطراف فاعلية، إن لم تكن أبرزها جميعاً. وقد عرّفت حماس نفسها بأنها جناح للإخوان المسلمين وامتداد لهم، وذكرت في ميثاقها أنها (تعتبر الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها، وإليه تحتكم، ومنه تسترشد خطاها). وهدفت إلى تحرير فلسطين، وإقامة دولة الإسلام على أرضها، ودعت إلى تربية متكاملة للأجيال لتحقيق الغايات المرجوة(18). وقد استطاعت حماس أن تحقق شعبية واسعة فكان مؤيدوها يحصلون على ثلث الأصوات وأحياناً نصفها عادة في انتخابات الطلاب والنقابات المهنية. وفي مقابلة صحفية للدكتور هشام شرابي المعروف بميوله العلمانية قال: إن حماس هي الشكل الجديد للمقاومة وأنها (نجحت حتى الآن فيما عجزت عنه (م. ت. ف.) وفصائلها خلال أكثر من ربع قرن في استنباط أشكال جديدة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من الصراع العسكري الفعال باستقلال عن كل عون خارجي)(19)، وقد تطور عمل وأنشطة حماس من المظاهرات والمواجهات الشعبية إلى قذف القنابل الحارقة والطعن بالسكاكين وتصفية العملاء، إلى العمليات الجهادية المسلحة ونصب الكمائن، إلى العمليات الاستشهادية، غير أن أطراف (م. ت. ف.) سعت لاستثمار سياسي سريع للانتفاضة بدخول مؤتمر مدريد 1991م، ثم توقيع اتفاقية أوسلو 1993م وبدء مشروع الحكم الذاتي 1994م، وقد زاد هذا من صعوبة عمليات حماس، وأصبحت تتعرض لضغط فلسطيني وصهيوني مشترك؛ ورغم ذلك فقد شهدت الفترة من 1994م  1997م عدداً من العمليات النوعية القوية ومن ذلك ردها على مذبحة المسجد الإبراهيمي بخمسة عمليات عنيفة، وردها على مقتل المجاهد يحيى عياش (الذي كان مهندساً لعمليات أدت لقتل حوالي سبعين إسرائيلياً وجرح 340 آخرين) بعدة عمليات في شباط / فبراير، وآذار / مارس 1996م هزت الكيان الصهيوني واستدعت عقد مؤتمر (شرم الشيخ) الدولي بحضور الدول الكبرى لمكافحة (الإرهاب)(20).

وحسب إبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم حماس فإن الحركة قدمت منذ الانتفاضة حوالي سبعمائة شهيد(21)، ولا تزال حماس تتعرض للملاحقة والمطاردة والاجتثاث، من قِبَل سلطات الحكم الذاتي ومن قِبَل الكيان الصهيوني.

ومن جهة أخرى فقد قامت حركة الجهاد الإسلامي بعدد من العمليات النوعية والاستشهادية مثل عملية نتساريم في تشرين الثاني/ نوفمبر 1994م وعملية (بيت ليد) في 22 كانون الثاني/ يناير 1995م وعملية (تل أبيب) في 4 آذار/ مارس 1996م كما قتل قائد الحركة د. فتحي الشقاقي  ونحسبه من الشهداء  في عملية اغتيال نفذها الموساد الصهيوني في 26تشرين الأول/ أكتوبر 1995م(22).

وبلا شك فإن الاتجاه الإسلامي الفلسطيني يعمل الآن في ظروف غير مواتية، ولكنها ظروف تمكنه من التمايز، ومعرفة العدو من الصديق.

ومن جهة أخرى فقد عدّت قيادة (م. ت. ف.) الانتفاضة رافعة سياسية لها، فحاولت استثمارها بشكل مبكر؛ وقامت بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة لتتولى توجيه فعالياتها، وشاركت الفصائل الفلسطينية  وخصوصاً فتح  بفعالية في المرحلة الأولى من الانتفاضة، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1998م طرحت (م. ت. ف.) مبادرتها السلمية واعترفت لأول مرة بقرار الأمم المتحدة رقم 242 وهو ما كانت ترفضته طوال 21عاماً، وأسهم سقوط الاتحاد السوفييتي وانحلاله، والهجرة اليهودية الواسعة إلى فلسطين المحتلة منه ومن أوروبا الشرقية (حوالي 700 ألف) وكذلك الاحتلال العراقي للكويت، وما رافقه من نتائج سلبية أضعفت البلاد العربية والإسلامية، كل ذلك أعطى فرصة ذهبية للضغط على الفلسطينيين للذهاب إلى مؤتمر مدريد في تشرين الأول (أكتوبر) 1991م وفق شروط مجحفة، ثم التوصل إلى اتفاقية أوسلو في أيلول/ سبتمبر 1993م ضمن شروط أكثر إجحافاً.

ونتج عن ذلك قيام حكم ذاتي فلسطيني محدود على أجزاء من الضفة والقطاع (لم تتعد إلى الآن 30% من قطاع غزة و6% من الضفة الغربية) وذلك دون أن تحل قضايا الاستيطان الصهيوني وقضية القدس وعودة اللاجئين ودون أن يعطى الفلسطينيون حق تقرير مصيرهم. وقد أمل الكثير من الفلسطينيين أن يكون اتفاق أوسلو أساساً تبنى عليه مطالب جديدة، ولكنه  كما يبدو الآن  فإن الآمال تسعى إلى الوصول إلى سقف أوسلو، بعدما أبدى الصهاينة من مماطلات وشروط تعجيزية إلخ(23).

والآن فإن مناضلي الأمس الذين قاتلوا لتحرير أرض 1948م قبل سقوط الضفة، والقطاع، يجدون أنفسهم في مواجهة مجاهدي اليوم، وها هم يتهمون مجاهدي اليوم بما اتّهموا هم به عندما بدأوا نضالهم قبل أكثر من 30 عاماً من قِبَل معارضيهم! فلمن تكون العاقبة؟ لا شك في أن (العاقبة للمتقين).

الهوامش :

(1) انظر الموسوعة الفلسطينية، إعداد إبراهيم المرعشلي وآخرين، ط 1 (دمشق، هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984م)، ج 4، ص 579

(2) انظر: المرجع نفسه، ج 3، ص 393  396، وعبد الله أبو عزة، مع الحركة الإسلامية في الدول العربية (الكويت، دار القلم 1986م) ص 26  53.

(3) أنظر عبد الله أبو عزة، مرجع سابق، ص 26  53.

(4) المرجع السابق، ص 71، 96.

(5) سليمان حمد، رسالة الكويت، 17 يوليو 1994م

(6) انظر صلاح خلف (أبو إياد) فلسطيني بلا هوية، ط 2 (عمان: دار الجليل للنشر 1996)، ص 75  83.

(7) حول (م. ت. ف.) ونشأتها انظر: أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، والموسوعة الفلسطينية، ج 4، ص 313  325.

(8) صلاح خلف، مرجع سابق، ص 96  98.

(9) الموسوعة الفلسطينية، ج 2 ص 567.

(10) المرجع السابق، ج 3، ص 661  662.

(11) المرجع السابق، ج 4، ص 42.

(12) المرجع السابق، ج 2، 313  314.

(13) انظر: منير الهور وطارق العيسى، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية 1947م  1985م، ط 2، (عمان: دار الجليل، 1986م) ص 220  221.

(14) حول معسكرات؛ الشيوخ انظر: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ط 2 (لندن: فلسطين المسلمة 1998م)، ص 996.

(15) انظر: زياد محمود غنيمة، عداء اليهود للحركة الإسلامية (عمان: دار الفرقان: 1982م) ص 100  102.

(16) ربعي المدهون (الحركة الإسلامية في فلسطين 19281987) مجلة شؤون فلسطينية، عدد 187، أكتوبر 1988م، 20  23.

(17) انظر: مقابلة للدكتور فتحي الشقاقي مع مجلة الوسط، لندن 6 نوفمبر 1995م.

(18) جريدة صوت الشعب (الأردن) 8 ديسمبر 1993م.

(19) انظر ميثاق الحركة الإسلامية حماس (نشر في 19 أغسطس 1988).

(20) جريدة الحياة، لندن، 5 مارس 1995م.

(21) انظر حول تفصيلات عمليات حماس: غسان دوعر، مرعد مع الشاباك (لندن: فلسطين المسلمة، 1995م) وغسان دوعر، المهندس (لندن: فلسطين المسلمة، 1997م).

(22) جريدة الأردن، عمان (الأردن، 17 أغسطس 1996م).

(23) انظر: مجلة فلسطين المسلمة، ديسمبر 1994، وجريدة الرأي، عمان (الأردن، 23  25 يناير 1995م وجريدة الحياة 30 اكتوبر 1995م.

(24) حول التسوية السلمية وانعكاساتها انظر مثلاً: جواد الحمد، عملية السلام في الشرق الأوسط وتطبيقاتها على المسارين الفلسطيني والأردني (عمان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1996م)، وعماد يوسف وآخرون، الانعكاسات السياسية لاتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني (غزة  أريحا أولاً) (عمان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1994م).

المقاومة الفلسطينية خلال نصف قرن

1948-1998م

مدخل للتقييم

(2/2)

مجلة البيان - العدد 133

د. محسن محمد صالح

في الحلقة الماضية استُعرضت تجارب المقاومة الفلسطينية عبر مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى (1948  1967): حيث برزت المقاومة الفلسطينية وظهرت حركة فتح و(م. ت. ف.).

المرحلة الثانية (1967  1978): تصاعُد دور فتح العسكري وتوالي عملياتها الفدائية ضد العدو، ثم ردود الفعل الصهيونية التي توالت حتى احتلال جنوب لبنان، وإضعاف المقاومة، وبروز تيار (السلم)، وتنامي التيار الإسلامي.

المرحلة الثالثة: (1987  1998): قيام الانتفاضة الشعبية في الداخل التي شارك فيها الإسلاميون بقوة، وظهور (حركة حماس) التي قادت الجهاد المسلح. ثم مسارعة (م. ت. ف.) إلى مدريد، ثم اتفاق أوسلو و(الحكم الذاتي)، ومجابهة السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني معاً للتيار الإسلامي، ومحاولة تحجيمه بالاتفاقات الاستسلامية.. ويواصل الكاتب بقية الموضوع... البيان

ثانياً: تقويم التجربة

لو حاولنا تقييم تجربة المقاومة الفلسطينية خلال الخمسين سنة الماضية  بناءً على النتائج والأحوال التي وصلنا إليها الآن  لوجدنا أن الأمر يدعو إلى القلق والأسى؛ فقد تجذر المشروع الصهيوني في المنطقة، وتمكن من التوسع واحتلال أراضٍ جديدة سنة 1967م، وكسر شوكة المقاومة الرسمية العربية والفلسطينية. ونجح في ضمان دعم الدول الكبرى بدرجات متفاوتة أقلها الاعتراف بشرعية وجوده واحتلاله لمعظم أرض فلسطين (فلسطين المحتلة سنة 1948)،وحظي بالرعاية والحماية الأمريكية، وتمتع بالتحالف الاستراتيجي معها، وقفز عدد اليهود من 650 ألفاً سنة 1948م إلى حوالي أربعة ملايين و700 ألف في 1997م يمثلون 36% من يهود العالم. وتمكن الصهاينة من صناعة القنبلة النووية، وتجهيز حوالي مائتي قنبلة تشكل خطراً كبيراً على العالم الإسلامي أجمع. كما استطاعوا تحييد دول عربية، وإبعادها عن دائرة الصراع بإقامة معاهدات سلام معها (مصر والأردن) وحققوا معاهدة سلام مع (م. ت. ف.) وفق شروطهم، وهي معاهدة تسهم في حل مشاكلهم أكثر مما تسهم في الاستجابة لمطالب الفلسطينيين. ووجد الفلسطينيون أنفسهم يقطفون ثماراً ضئيلة فجة قياساً إلى حقوقهم وآمالهم.

ورغم أن ميزان النتائج والمنجزات يميل بشكل صارخ إلى الجانب الصهيوني الإسرائيلي، فإن هناك بعضاً من المنجزات التي تحسب للجانب الفلسطيني، أهمها:

* المحافظة على جذوة المقاومة والعداء ضد المشروع الصهيوني طوال الفترة الماضية.

* الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وأنه ذو حقوق مشروعة، بعد أن كادت القضية أن تمحى، وتعالج على أساس أنها مشكلة لاجئين.

* تحقيق تعاطف دولي كبير، ودعم لقضية فلسطين، وعزل الكيان الإسرائيلي سياسياً خاصة في السبعينيات (ما لبث الكيان الإسرائيلي أن حقق مكاسب سياسية كبيرة خاصة بعد معاهدات السلام).

* إخفاق الكيان الإسرائيلي في تحقيق أي اختراق تطبيعي شعبي في البلدان التي أقام علاقات سياسية معها، واستمرت مشاعر العداء الشعبي العربي والإسلامي ضده.

* بداية بروز المشروع الإسلامي لتحرير فلسطين، والذي يبشر بنتائج طيبة على المستوى الاستراتيجي البعيد.

لكن تقويم التجربة يجب أن يتعدى دائرة النتائج لنفهم الأسباب والخلفيات التي أدت إليها، وفيما يلي نقدم مجملاً مختصراً لذلك:

أولاً: إشكالية المنهج:

تميز الخط الأيديولوجي الفلسطيني العربي بأنه خط علماني، راوح بين دائرتي الوطنية والقومية، كما كان هناك قطاع فلسطيني لا يُنكر حجمه  خصوصاً في الستينيات والسبعينيات  تبنى أيديولوجيات يسارية اشتراكية ماركسية (الجبهتان الشعبية والديمقراطية مثلاً).

وكان الهدف  في البداية  الوصول إلى تحرير كامل أرض فلسطين. غير أن عدم وجود منهج ثابت مبني على مبادئ محددة لا يمكن تجاوزها حتى ولو بحجة المصلحة، يقدم رؤية سليمة لطبيعة الصراع ضد المشروع الصهيوني، ويستطيع استنهاض طاقات الأمة وتجنيدها في المعركة؛ قد أدى غياب هذا المنهج إلى ضبابية الرؤية، والنزوع للاستجابة الدائمة للضغوط و (متطلبات المرحلة) والسعي للبقاء في الساحة ودائرة الضوء مهما كانت التنازلات.

وقد أثر هذا بشكل كبير على الأهداف التي جرى تقزيمها مع مرور الأيام، فمن تحرير فلسطين وإخراج الغاصبين، إلى القبول بالدولة الديمقراطية التي تشمل الجميع بمن فيهم كل اليهود الغاصبين، إلى إقامة الدولة على أي جزء يتم تحريره، إلى إقامة الدولة على أي جزء ينسحب منه العدو، إلى الاعتراف بالقرار الظالم (242) الذي يتعامل مع قضية فلسطين باعتبارها مشكلة لاجئين، إلى التفاوض على الضفة الغربية وقطاع غزة  فقط (22%) من فلسطين  إلى الوصول إلى إقامة حكم ذاتي ضعيف يفتقد شروط السيادة على أجزاء ضئيلة من الضفة والقطاع.

لقد كان المنهج الذي تم تبنيه بعيداً عن عقيدة الأمة وتراثها الحضاري؛ حيث جرى استبعاد المنهج الإسلامي الذي يملك استنهاض طاقات الأمة وتعبئتها، ويعد الجهاد لتحرير فلسطين عبادة وتقرباً إلى الله، ولا مجال فيه للتنازل عن حقوق المسلمين في الأرض المباركة مهما طال الزمن وكثرت التضحيات، وهو المنهج الذي جُرّب تاريخياً فكان فتح فلسطين على يد عمر بن الخطاب، وكان استردادها على يد صلاح الدين في حروبه مع الصليبيين، وعلى يد قطز في حروبه مع التتار، وكلهم كان لهم الإسلام هادياً ومناراً، وإذا كان المسلمون يؤمنون بأن النصر من عند الله  سبحانه  فإن الأوْلى بهم السير على منهجه لينالوا مدده وتوفيقه.

ثانياً: إشكالية القيادة:

من المؤسف أن القيادة السياسية الفلسطينية خلال الثلاثين سنة الماضية افتقدت التجانس، وعانت من تباين أهداف الأطراف المشاركة في قيادة (م. ت. ف.)، وسعت بعض القيادات إلى مراعاة مصالح أطراف عربية معينة تتلقى منها الدعم على حساب أولويات العمل للقضية، كما راعت قيادات أخرى رؤية مصالح روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً) باعتبارها طرفاً اشتراكياً ماركسياً.

ولم تحترم القيادة العمل المؤسسي، وتمكن الرجل الأول من جمع كل الصلاحيات الممكنة بيده، وأمسك تماماً بعصب القرار السياسي وبعصب الإنفاق المالي، وبعصب الأجهزة الأمنية والعسكرية. وأصبح العديد من القضايا الحساسة المهمة تخضع لمبادرة وقرار (الزعيم) وهذا أعطى فرصة كبيرة لنمو الخلالات(*) والمحسوبيات، وأسهم في تفكك البناء الداخلي للثورة الفلسطينية بقيادة (م. ت. ف.) وإضعاف أجهزتها، وخروج وتحييد الكثير من الكفاءات والطاقات، وقد كشفت تحقيقات عديدة عن فساد إداري ومالي كبير، كان أبرزها مؤخراً ما كُشف عن تورط العديد من قيادات سلطة الحكم الذاتي في الضفة والقطاع في ذلك(1).

ويمكن ضرب مثال على المبادرات الفردية بمفاوضات أوسلو السرية التي لم تكن معظم القيادة الفلسطينية تعلم عنها شيئاً، كما لم يكن يعلم عنها الوفد الفلسطيني الرسمي المفاوض الذي تشكل إثر مؤتمر مدريد سنة 1991م.

كما لم تنجح القيادة الفلسطينية في التفاهم والتعاون مع التيار الإسلامي المتنامي في المنطقة، وسعت إلى تحييده وعزله فضلاً عن محاولات ضربه وتصفيته.

وهكذا، فإن القيادة خسرت مع مرور الزمن الكثير من قواعدها وجماهيرها، وأصبحت أضعف قدرة في مجالات التعبئة والتأثير، وصار الارتباط بالمنصب ودوائر الأضواء أهم لدى البعض من استمرار التضحية والكفاح.

ثالثا: إشكالية المؤسسات:

يوفر العمل المؤسسي المبرمج إمكانيات أفضل لاستغلال الطاقات، وتوفير الجهود وترسيخ العمل واستمراره دون الارتباط بالأشخاص، كما توفر المؤسسات السياسية البرلمانية إمكانات أفضل للمراقبة والمحاسبة وضبط المسيرة.

غير أن ما حدث في العمل الفلسطيني خلال الفترة الماضية يثير الحزن، فمنذ الستينيات تشكلت مؤسسات مهمة مثل المجلس الوطني الفلسطيني، والصندوق القومي، ومركز الأبحاث، ومؤسسات رعاية أسر الشهداء، ودائرة التخطيط، وغيرها؛ غير أن هذه المؤسسات لم تتمكن من تنمية دورها؛ بل على العكس فإن الخط البياني لأنشطتها وتأثيرها شهد هبوطاً كبيراً خصوصاً خلال العشرين سنة الماضية.

وقد أُفرغ المجلس الوطني الفلسطيني من محتواه بتجاوز الكثير من قراراته، وعدم دعوته للانعقاد إلا في فترات متباعدة، وبإدخال عناصر كثيرة بقرارات القيادة السياسية بحيث مالت الكفة إلى الاتجاهات التي تريدها القيادة، فضلاً عن أن هذا المجلس هو مجلس غير منتخب، وبالإضافة إلى ذلك لم يشارك الإسلاميون في هذا المجلس، وهم يمثلون بالتأكيد قطاعاً عريضاً من الشعب، ومع تجمع الصلاحيات في يد الرئيس فقد تم تهميش أدوار الصندوق القومي والتخطيط وغيرها.

إن إضعاف العمل المؤسسي أسهم كثيراً في حصر دائرة العمل الفلسطيني في يد حفنة من الناس جعلوا لأنفسهم حق تقرير مصير قضية هي أخطر قضية تواجه العالم الإسلامي في الواقع المعاصر.

رابعاً: إشكالية تضييق دوائر الصراع:

إن طبيعة التحدي المتمثلة في المشروع الصهيوني المدعوم عالمياً تقتضي مواجهة تستجيب لمستوى التحدي وتتمكن من تجنيد كافة القوى الممكنة، وإذا كان المشروع الصهيوني لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، وإنما إضعاف وتمزيق العالم الإسلامي، فإن البديل المقابل هو تعبئة كافة طاقات العالم الإسلامي لمواجهة التحدي.

لقد جرى مع الزمن تقزيم قضية فلسطين وتضييق دائرة الصراع مع العدو، فبعد أن كانت قضية تعني كل المسلمين  أي أكثر من ألف ومائة مليون  تم حصرها في الدائرة القومية العربية في خمسينيات وستينيات هذا القرن؛ بحيث أصبحت تعني 260 مليون عربي (حسب عددهم الآن)، ثم تم حصرها أكثر فأكثر لتصبح قضية للفلسطينيين وحدهم؛ أي حوالي سبعة أو ثمانية ملايين فقط، وكانت الحجة أن (أهل مكة أدرى بشعابها) وأن للفلسطينيين أن يقرروا في شؤونهم ما أرادوا! غير أن هذا الطرح الذي حمل ظاهراً بريئاً لدى البعض أراد أن يغسل من يده مسؤولية العرب تجاه قضيتهم الأولى، وإلقاء العبء على الضحايا الحاليين للمشروع الصهيوني، دون توفير أدنى الشروط اللازمة للنجاح.

إن أرض فلسطين أرض إسلامية وهي أرض مقدسة ومباركة بنص القرآن الكريم، وإليها أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيها قبلة المسلمين الأولى (المسجد الأقصى) وهي الآن أرض محتلة مغتصبة، وحكمها في الإسلام: أن كافة المسلمين مطالبون بالجهاد للدفاع عنها، ومسؤولون أمام الله  سبحانه وتعالى  عن القيام بواجب تحريرها.

إن تضييق دائرة الصراع واكتفاء الآخرين بالتمنيات والدعاء لا يمكن أن يحل القضية، وسيبقى الخطر جاثماً متصاعداً ما لم يتم رد هذه القضية إلى الدائرة الإسلامية الأوسع.

خامساً: إشكالية الدور العربي والإسلامي:

كما أشرنا سابقاً فإن الخط البياني للأنظمة العربية وخصوصاً دول المواجهة كان يسير باتجاه التسوية وليس باتجاه (التحرير)، وأن الأنظمة سعت بشكل أساسي لضمان أمنها وبقائها وعدم تعريضها لمخاطر الانتقام الصهيوني، كما سمحت بالعمل الفدائي للحركة لأسباب تكتيكية مرحلية. ولم تتبن هذه الأنظمة أية استراتيجيات ومناهج جادة دؤوبة للتعبئة الشعبية وتجهيز الجيوش، وتبني اقتصاد الحرب، بل أغلقت حدودها معظم الفترة الماضية منعاً لأي عمل فدائي جهادي محتمل.

وقد انتهت حرب 1948م التي شاركت فيها الجيوش العربية بكارثة ضياع معظم فلسطين، كما انتهت حرب 1967م بكارثة ضياع ما تبقى من فلسطين، أما حرب 1973م فقد فتحت المجال للتحرك نحو التسوية خصوصاً مع مصر، وليس باتجاه التحرير.

وهكذا فمنذ حوالي 25 عاماً لم تشكل الأنظمة العربية أي مخاطر محتملة على الكيان الصهيوني. بل تركت (م. ت. ف.) تواجه وحدها الاجتياح (الإسرائيلي) على لبنان سنة 1982م مما أدى إلى تدمير معظم البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية هناك.

ولقد أخفقت معظم مساعي الوحدة السياسية بين البلاد العربية، كما أخفقت الجامعة العربية في تحقيق أهدافها، وأصبح الهم القُطري المحلي يتجاوز الهموم الأخرى، وأخذت قضية فلسطين تتهمش في واقع الاهتمام الرسمي العربي. كما فتحت الخلافات العربية  العربية الباب واسعاً لإضعاف الجبهة العربية ودورها في محاربة الصهيونية، ومن ذلك: النزاع حول الصحراء الغربية في المغرب العربي، واحتلال العراق للكويت، والحرب اليمنية، والنزاعات المزمنة بين سوريا والعراق، وبين مصر والسودان.. وغيرها.

وإذا كان قد تم تهميش الدور العربي، فمن باب أوْلى أنه قد سبقه تهميش الدور الإسلامي منذ مراحل مبكرة؛ حيث أصبح العالم الإسلامي في موقع المتفرج الذي فقد فاعليته لأداء أي دور إيجابي حقيقي في قضية فلسطين؛ فالأنظمة في العالم الإسلامي لا تختلف كثيراً عن الأنظمة العربية؛ إذ إن معظمها يلتزم التوجهات العلمانية، ومشغول بهمومه المحلية، ومشاكله الاقتصادية.

وقد كان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1969م إثر حادثة إحراق المسجد الأقصى بادرة أمل بتوحيد جهود المسلمين لدعم قضية فلسطين وقضايا المسلمين، وقد قامت هذه المنظمة بعقد الكثير من الاجتماعات، وأصدرت عشرات القرارات بدعم قضية فلسطين سياسياً ومالياً وعسكرياً وإعلان الجهاد، وغير ذلك، غير أن كل قراراتها بقيت حبراً على ورق؛ لأنها تفتقر إلى أي آلية حقيقية ملزمة لتنفيذ القرارات(2). بل إن بعض البلاد الإسلامية بقي على علاقة قوية (بإسرائيل) مثل تركيا. كما أن النزاعات بين المسلمين أنفسهم أثرت سلباً على دور العالم الإسلامي؛ ومثال ذلك الحرب العراقية  الإيرانية التي استنزفت طاقات وثروات البلدين خلال ثماني سنوات من الحرب 1980م  1988م.

وفوق ذلك كله فإن كثيراً من الأنظمة العربية والإسلامية تفتقر إلى الاستقرار السياسي، وتعاني من أزمات داخلية، ويعاني الكثير من شعوبها من قمع للحريات وكبح للطاقات، كما تعاني التيارات الإسلامية في كثير من هذه البلدان من المنع والملاحقة.

وهكذا، ففي مثل هذه الأوضاع، من الصعب أن تقوم الدول العربية والإسلامية بدورها المأمول.

سادساً: إشكالية التحدي الصهيوني:

يمثل التحدي الصهيوني حالة فريدة وسط التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، فقد وجد هذا المشروع أساساً في قلب العالم الإسلامي، وفي المنطقة التي تفصل شطره الآسيوي عن شطره الإفريقي؛ بحيث تبقيه ممزقاً ضعيفاً، وتمنع أي وحدة محتملة له أو ظهور أي قوى إسلامية كبرى في المنطقة بعد سقوط الخلافة العثمانية. لقد كان هذا المعنى واضحاً في توصيات مؤتمر لندن 1905  1907م التي رُفعت إلى رئيس الوزراء آنذاك (كاميل بنزمان)، وكان قد ناقش سيلاً من تحقيق المصالح الغربية والهيمنة على المنطقة الإسلامية. ومما جاء في توصياته أن إقامة حاجز بشري قوي وغريب في المنطقة شرقي البحر المتوسط وعلى مقربة من قناة السويس، قوة عدوة لشعوب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية، هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة(3).

إن طبيعة المشروع الصهيوني لا تستهدف استعماراً (كلاسيكياً) للمنطقة، وإنما الاستيلاء على الأرض المباركة وفق ادعاءات دينية وتاريخية، وطرد السكان الأصليين وإحلال اليهود مكانهم، ثم التوسع والتمدد في المنطقة.

غير أن هذا المشروع يكتسب خطورة خاصة عند إدراك دعم وتحالف القوى الكبرى معه، والتي لا يعنيها الفلسطينيون بشكل خاص، وإنما إبقاء المنطقة الإسلامية كلها في دائرة الضعف والتبعية. وبذلك، تصبح (إسرائيل) شرطي المنطقة والعصا التي يتم (تأديب) الآخرين بها.

لكن الكيان الصهيوني لم يعد مجرد (أداة) بيد الآخرين (كما أنه لم يكن بالضبط كذلك في الفترة الماضية) إذ إن دوائر التأثير والمصلحة هي دوائر متبادلة بين الطرفين. كما مكّن الكيان الصهيوني لنفسه عبر وجود (لوبيات) قوية له في أمريكا وأوربا تؤثر في صنع القرار السياسي هناك، فضلاً عن قوتها الاقتصادية والإعلامية. وقد نجح الكيان الصهيوني في تكوين جيش حديث مسلح بكافة الأسلحة، حتى النووية منها والكيماوية والجرثومية؛ بحيث يمكنه نظرياً هزيمة جميع الجيوش العربية مجتمعة.

إن قصف الطيران الصهيوني للمفاعل النووي العراقي وتدميره سنة 1981م، وتدريب ومساعدة الانفصاليين في جنوب السودان على الثورة، ومشاريع السيطرة على منابع النيل في هضبة الحبشة، ومحاولة تدمير المفاعل النووي الباكستاني، كل ذلك يشير إلى حقيقة الدور (الإسرائيلي) في المنطقة وخطورته على العالم الإسلامي.

إن الكثير من المسلمين لم يفهموا طبيعة هذا التحدي، ولم يدركوا مخاطره، ولم يقوموا بأعمال مكافئة لمواجهته، وستبقى أعمال المسلمين هامشية محدودة ما لم يرتفعوا إلى مستوى الصراع.

سابعاً: إشكالية الأداء الدولي المتحيز:

رغم كل ما تشير إليه المواثيق الدولية من حقوق الإنسان وحقوق تقرير المصير للشعوب، ورغم ما تدعيه الدول الكبرى من حماية للحقوق والديمقراطيات إلخ، إلا أنها أسهمت بنفسها في تكريس الظلم في الأرض المقدسة، فتولت بريطانيا التي استعمرت فلسطين (1917  1948م)  رعاية إنشاء الكيان الصهيوني حتى أقيمت (إسرائيل) رسمياً في مايو 1948م، وتبنت القوى الكبرى بما فيها الاتحاد السوفييتي مشروع تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947م، وأصبحت الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأول للكيان الصهيوني بعد ذلك، وحتى الآن ما تزال توفر له الدعم المالي والعسكري والسياسي والغطاء الدولي لكل ظلم وعدوان يمارسه في فلسطين وغيرها، وتسارع إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار لا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني. ولم يمارس المجتمع الدولي أي ضغوط حقيقية لإجبار الكيان الصهيوني على الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وجنوب لبنان رغم أنه  من الناحية القانونية الدولية  احتلال لأراضي البلاد المجاورة بالقوة، وهو عمل غير مشروع وفق الأنظمة الدولية وأنظمة الأمم المتحدة؛ بينما سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها سنة 1990م  1991م لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت حماية لمصالحها في المنطقة.

وهكذا فإن فهم الإشكاليات السابقة يعين في فهم خلفية النتائج والأحوال التي وصلت إليها قضية فلسطين في واقعنا المعاصر وهي نتائج مؤلمة ومؤسفة.

وأخيراً:

إن دراسة تجربة المقاومة خلال الخمسين عاماً تشير إلى بقاء جذوة المقاومة في نفوس المسلمين وعدم الرضا بالظلم والاستسلام، وإن دراسة عوامل الضعف والقصور ووضع اليد على الجروح يفيد في معرفة الطريق الأفضل للمقاومة وتحرير الأرض المباركة.

وإن ظهور التيار الإسلامي بقوة في فلسطين وفي العالم الإسلامي يعطي بشائر مبكرة باتجاه إحداث تحولات إيجابية في سلوك الطريق الصحيح لاسترجاع أرض الإسراء والمعراج.. أرض فلسطين، وما ذلك على الله بعزيز.

الهوامش :

(*) جمع خِلالة بمعنى الصداقة، وهي ما يدعى خطأ ب (الشلل) أو (الشلليات): وهي تعني المجموعات المتفقة على هدف معين.

(1) وجّهت انتقادات حادة لأداء القيادة الفلسطينية (م. ت. ف.)، انظر مثلاً ما كتبه أنيس صايغ مدير مركز الأبحاث الفلسطيني السابق في كتابه، 13 أيلول، ط 1، (بيروت: مكتبة بيسان، 1994)، ص 117  129.

(2) انظر حول منظمة المؤتمر الإسلامي:

Abdullah al-Ahsan , O.I.C. (The Organization of the Islamic Conference) (U.S.A.:IIIT , 1988).

(3) انظر ملف وثائق فلسطين، إعداد وزارة الدفاع القومي، الهيئة العامة للاستعلامات (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، 1969)، ج 1، ص 131.

مولد المقاومة الفلسطينية

الأهرام في 15/10/1999

بقلم : د. يونان لبيب رزق

بينما كانت تتسارع الأحداث على الأراضي الفلسطينية بعد صدور تصريح بلفور في 2 نوفمبر عام 1917 كان يتفجر الموقف على الأراضي المصرية فيما بدأ في أواخر 1918 باللقاء المشهور بين المندوب السامي وسعد زغلول وزميليه وتحول إلى ثورة شاملة في أوائل مارس عام 1919.لم يكن محل غرابة مع ذلك أن نصادف تلك الفجوة في اهتمامات الأهرام في القضية الفلسطينية والتي بدأت بعد عام صدور التصريح وحتى إبريل عام 1920 حين شدت الأحداث التي جرت في ذلك الشهر اهتمامات الأهرام وغيرها من الصحف المصرية نتيجة لما جرى وقتئذ من صدامات بين العرب واليهود في القدس، بيد أنه كان محدودا بحكم أنها لم تستغرق وقتا يذكر حتى أن الأهرام أسمتها بالاضطرابات.

غير أن ما جرى بعد ذلك بعام في يافا (مايو 1921) جاء مختلفا، حتى أن الأهرام ظلت تتابعها بتفصيل شديد لنحو خمسة أسابيع، مما يشكل قصة هامة في تاريخ الجريدة، وقبلها التاريخ العربي، وقبلهما تاريخ المقاومة الفلسطينية، وهي قصة تستحق أن تروى!

آخر اهتمامات الأهرام بالقضية الفلسطينية قبل الثورة المصرية كان فيما نشرته في عددها الصادر يوم 4 أغسطس عام 1918 والذي جاء تحت عنوان الجامعة العبرانية في جبل الزيتون تصف فيه احتفال الإسرائيليين بوضع حجر الأساس في هذه الجامعة والذي حضره الجنرال أللنبي وكبار ضباط الجيش ورجال الحكومة وألوف لا تحصى من الإسرائيليين.

وقد حضر الاحتفال أيضا عدد من كبار اليهود في مصر؛ حاخام باشي الإسكندرية، البارون منسي، موسي قطاوي باشا، المحامي ألكسندر وغيرهم، ونتوقف هنا لنسجل ملاحظة عنيت بها الأهرام وهي تزايد النشاط الصهيوني بين اليهود المصريين في تلك الفترة، وأن ما قيل عن أنهم لم يكونوا جزءا من الحركة الصهيونية لا يستند إلى أساس..

لفت نظر جريدتنا في نفس الفترة أن اليهود المصريين أرسلوا وفدا يمثلهم إلى المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في لندن في مارس عام 1918، فقد رأس قطاوي باشا اجتماعا لهم في القاهرة، ورأس المسيو ليون نحمياس اجتماعا في الإسكندرية لهذا الغرض وكان الاجتماعان كثيري الزحام، وفاز بالانتخاب في جميع أنحاء القطر المصري صاموزئل وابوبورت سكرتير جمعية زيري صهيون في الإسكندرية، ويعقوب كالف الذي كان ناظرا لمدرسة الطائفة الإسرائيلية في القاهرة. ومهمة هذين المندوبين أن يؤيدا في المؤتمر الصهيوني الذي يعقد في لندن أماني الإسرائيليين في القطر المصري المتعلقة بفلسطين لتبلغ إلى مؤتمر الصلح.

لفت النظر أخيرا أن اليهود المصريين كانوا قد أصدروا مجلة أسبوعية قبل ذلك بشهرين تقع في أربع صفحات وناطقة بالفرنسية، وهي المجلة التي كشفت في أعدادها الأولى عن كثير من نوايا الصهيونيين التي تحولت إلى حقائق بعدئذ هدف الوطن القومي، أن يعود اليهود إلى التكلم بلغتهم وبعث تقاليدهم، تجديد عظمة الأرض المقدسة، التنبيه إلى أهمية القطر المصري لأن في مصر أناسا عظماء ومن الممكن أن يدرس هنا غرضهم وأمانيهم وأن تحكم الصلات والعلائق مع زعمائهم، سنجق القدس هو الشطر الخامس من الأشطر الخمسة التي كانت تتألف منها المملكة اليهودية!

وتكشف لنا الكتابات العلمية بأن المسئولين البريطانيين قد شجعوا اليهود على إقامة الاحتفالات بالوعد في بعض المدن المصرية مثل الإسكندرية حيث عقدوا مهرجانا حافلا في حديقة رشيد، وطنطا التي اختاروا مسرح البلدية فيها لإقامة احتفال بالمناسبة، وتوقف اهتمام الأهرام بعد ذلك، غير أن ما كان يجري على الأراضي الفلسطينية لم يتوقف..

أكثر من ملاحظة هامة تكشف عنها قراءة الأهرام والأعمال العلمية الجادة، خاصة العمل الذي أصدره الدكتور عادل حسن غنيم قبل ربع قرن تحت عنوان الحركة الوطنية الفلسطينية من 1917 إلى 1936..

أن تلك الحركة قد ولدت في أحضان الحركة العربية العامة التي تفجرت في الشام مع قيام ثورة الشريف حسين في الحجاز ومع تقدم قوات أللنبي لإنهاء الحكم التركي في المناطق السورية، وكان الفلسطينيون ينظرون لبلادهم وقتئذ باعتبارها القسم الجنوبي من سوريا الكبرى.

لعل ذلك ما دفع أبناء فلسطين إلى الالتفاف حول الحكومة العربية المستقلة التي نشأت في دمشق بقيادة الأمير فيصل، وإلي اعتبار بلادهم جزءا من الدولة العربية في الشام، وإلي تجاهل الحواجز السياسية التي أقيمت بينهم وبين بقية المناطق السورية، وأخيرا إلى إرسال مندوبين عنهم إلى المؤتمر الوطني والمجلس التأسيسي الذي أعلن إنشاء الدولة العربية.

غير أنه كثيرا ما تأتي الرياح بما لا يشتهي الفلسطينيون(!)، فقد أدي الوضع الخاص لبلادهم الذي فرضه الحلفاء بعد الحرب إلى حالة من الفرز لحركتهم الوطنية عن الجسد الرئيسي لتلك الحركة في سوريا الكبرى.. الإدارة العسكرية البريطانية، اتجاه النية إلى إسناد إدارة البلاد لحكومة لندن على اعتبار أنها صاحبة تصريح بلفور، وأنه كان عليها العمل للوفاء بما جاء في هذا التصريح، اتساع نطاق الهجرة اليهودية على نحو لم تعرفه بقية الأنحاء السورية، وهي في مجملها أمور تميزت بسببها فلسطين عن بقية أجزاء سورية الكبىى.

وبدت عملية الفرز تلك واضحة في المناقشات التي دارت حول طبيعة الاجتماعات التي عرفت باسم المؤتمرات الفلسطينية.. وبدءا من المؤتمر الثاني على وجه التحديد. فقد رصد الدكتور عادل غنيم الاختلافات حول ماهية ما عرف باسم المؤتمر الفلسطيني الثاني الذي انعقد في شهر فبراير عام 1920 البعض الذين انطلقوا من فكرة استمرار اعتبار فلسطين القسم الجنوبي من سوريا اعتبروه المؤتمر الذي عقد في دمشق في 27 من ذلك الشهر، آخرون ممن استجابوا لفكرة التمييز خطّأوا ذلك واعتبروا المؤتمر الذي كان مزمعا أن يعقد في يافا، لولا اعتراض السلطة العسكرية البريطانية، هو المؤتمر الفلسطيني، وقد خلصوا إلى ذلك من أن المقصود بالمؤتمرات الفلسطينية تلك المؤتمرات التي عقدت في نطاق المدن الفلسطينية وبدعوة من الزعماء الفلسطينيين أنفسهم، وهو المفهوم الذي ساد بعدئذ في سائر المؤتمرات الفلسطينية بدءا من المؤتمر الثالث.

الملاحظة الثالثة أنه بعد انسلاخ الحركة الوطنية الفلسطينية عن الحركة العربية العامة فقد اتخذت نهجا مختلفا يتواءم مع طبيعة المخاطر التي كان يواجهها الفلسطينيون، فقد تنبه هؤلاء منذ وقت مبكر إلى أن الوجود العسكري البريطاني ليس الخطر الأصيل الذي يتهددهم، وإنما الهجرة اليهودية والخطر الصهيوني.

ولأن هذا الخطر كان ذا طبيعة دينية فقد جاء مفهوما الأسباب التي دعت الحركة الوطنية الفلسطينية أن تكتسي بنفس الطابع.. أن يتحد العرب من أبناء الديانتين الأخريين في مواجهة الخطر اليهودي، من ثم لم يكن غريبا ما لاحظه المراقبون من انتشار الجمعيات الإسلامية-المسيحية على نطاق واسع في البلاد في أعقاب انتهاء الحرب، والتي يصفها الباحثون بأنها كانت أول حركة وطنية منظمة.

كانت جمعية القدس أولي تلك الجمعيات، وقد تشكلت بعد فترة قصيرة من سقوط المدينة في أيدي قوات أللنبي، ومارست أول نشاطاتها في سبتمبر عام 1918 حين وزعت منشورا يتضمن أغراض الجمعية ومقاصدها وأسماء أعضائها، وقد حذت بقية المدن الفلسطينية حذو أبناء المدينة المقدسة وتشكلت الجمعيات الإسلامية- المسيحية واحدة تلو الأخرى، أما المدن التي لم يكن بها مسيحيون فقد تكونت فيها جمعيات إسلامية فقط.

كان المسرح مهيأ بذلك لتخرج الحركة الوطنية الفلسطينية من شرنقتها، خاصة بعد التحركات الصهيونية التي لعبت دورا في هذا الخروج، وممالئة السلطة العسكرية البريطانية لتلك التحركات.. الأمر الذي يمكن أن نتبينه من الأهرام خلال ربيع عام 1920

فمن جانب بدأت الصحيفة منذ يوم 21 مارس تخصص عمودا ثابتا في الصفحة الأولى تحت عنوان أخبار فلسطين، ومن جانب آخر كانت تنقل نبض الشارع الفلسطيني عندما تعيد نشر بعض الأخبار التي سبق لبعض الصحف الفلسطينية الصغيرة نشرها، منها ما نقلته عن جريدة الكرمل التي كانت تصدر في حيفا عن أخبار مأدبة أقامها بعض أعيان المدينة للمدير العام لبلاد العدو المحتلة الجنوبية حاول الرجل خلالها أن يروج للهجرة اليهودية بقوله بأنه يعترف بأن اليهودي محب لذاته وقادر على المضاربة غير أنكم سوف ترون أن اليهود الذين سيأتون إلى هذه البلاد هم خير من اليهود الذين بينكم في فلسطين، وهم متعلمون ينفعون البلاد ويرقونها، مما لم يكن مدعاة لاطمئنان الحاضرين، وهو ما عبر عنه صاحب الكرمل ونقلته الأهرام.

وكان من المنطقي أن تظهر تباشير الحركة الوطنية في مدينة القدس سواء بحكم الحساسية الدينية البالغة التي تحظى بها أو من جراء أنها كانت هدفا مباشرا من أهداف الحركة الصهيونية التي تبدت في أنها نالت النصيب الأكبر من الهجرة اليهودية، أو لسعي تلك الحركة لإضفاء الطابع المؤسسي التاريخي لوجودها في المدينة المقدسة مما بدا في اختيار جبل سكوبس، بكل الذكريات التاريخية التي أحاطت به، لإقامة الجامعة العبرية في صيف عام 1918، ثم أن كل ذلك جعل المدينة أول المواقع التي بدأ فيها التنظيم الوطني الفلسطيني ممثلا في قيام الفرع الأول من فروع الجمعية الإسلامية- المسيحية.

كان من الطبيعي أن تتفجر تلك الحركة خلال الربيع، ففي شهر إبريل تتعاظم أسباب الاحتكاك العربي- الصهيوني ففي 4 من ذلك الشهر يهرع أهل القدس كعادتهم لاستقبال أهل الخليل الذين يؤمون المدينة قاصدين زيارة مقام النبي موسى، وهو من أعظم المواسم عند الفلسطينيين، وكان يزامنه عيد الفصح عند اليهود وعيد القيامة عند المسيحيين.

المهم أنه في ذلك اليوم – 4 إبريل عام 1920 - تجمع أبناء القدس وقراها، وأبناء نابلس، والطوائف المسيحية المختلفة، ينادون بالوحدة العربية والاستقلال ورفض الهجرة اليهودية والدعاء للملك فيصل، والتهبت المشاعر، ولم يكن ينقص برميل البارود سوي عود الكبريت.

اشتعل ذلك العود عندما قام صيدلي يهودي بإهانة المتظاهرين فطاردوه، وتدخل البعض من زملائه وعدد من الجنود البريطانيين فانفجر الموقف، وتحول إلى قتال دام في اليوم التالي بين العرب واليهود بعد أن أطلق الأخيرون النار على الوطنيين أثناء مرورهم بحي الواد مما دعا الحكومة إلى أن تعلن الأحكام العرفية في اليوم التالي، ومنعت التجول بعد السادسة مساء، وعطلت جميع الصحف، وأضربت المدينة كلها وأغلقت الأبواب، وبلغ ضحايا الاصطدامات تسعة من القتلى، خمسة يهود وأربعة عرب، فضلا عن إصابة 22 إصابات خطيرة ونحو مائتين إصابات خفيفة، وقد لوحظ أن الخسائر اليهودية كانت أكبر من الخسائر العربية، وأن الطرفين استخدما كل ما كان متاحا لهما من أسلحة نارية أو بيضاء.

في يوم 7 إبريل بعث مندوب الأهرام في القدس بتقرير إلى جريدته بأن الآلاي الثامن مشاة أصبح يسيطر على المدينة وأنه صرح للعرب بدخولها ولكن تحت رقابة مشددة من الجنود.

بعد أيام قليلة كان المدير العام لبلاد العدو المحتلة الجنوبية، الجنرال بولز، يجتمع مع الزعماء العرب واليهود، حيث اعترف بأن الحوادث المكدرة قد تركت في القلوب آثارا مرة وأن الطوائف كلها لم تتصرف في القضية كما تقتضيه الإنسانية ويشير إليه العقل، ثم أنهي حديثه بما يشبه الإنذار فيما جاء في قوله:

سرت إلى اليوم معكم بلطف وتؤدة لعلمي أني أشتغل بين قوم لا يعلمون ماذا كانوا يفعلون. فأود أن يقف القوم الآن على الأخطار التي تتهددهم إذا هم يعكرون الأمن.

بيد أن هذا التهديد لم يثمر طويلا، فقبل مرور عام واحد، كانت الهبة المحدودة في القدس قد تحولت إلى حركة مقاومة واسعة في يافا..

حجم الأحداث التي جرت في الميناء العربي الشهير والمساحة الزمنية التي استغرقتها خلال النصف الأول من شهر مايو عام 1921 هي التي دعت إلى اعتبارها الميلاد الحقيقي لحركة المقاومة الفلسطينية، وكانت يافا تتشكل آنئذ من مجموعة من الإحياء.. الحي القديم والذي يتكون من مجموعة من الشوارع الضيقة والمباني المتلاصقة ويقطنه العرب المسلمون، محلة العجمي على شاطئ البحر للجنوب ويسكنه العرب المسلمون والمسيحيون، محلة المنشية إلى الشمال يسكنه خليط من العرب المسلمين واليهود، وبينما كان العرب يشكلون ثلاثة أرباع السكان، النصف من المسلمين والربع من المسيحيين، كان الربع الباقي أو ما يزيد قليلا من اليهود.

ولأن أغلب يهود المدينة كانوا من الطبقات الفقيرة القادمة من وسط وشرق أوربا، فقد بدت الحركات العمالية بينهم أقوي ما يكون، وقد انخرطوا في مجموعتين رئيسيتين الموبسي، أو حزب العمال الاشتراكيين اليهود الذين اعتنقوا البلشفية، وأحدوت أعفودا أو اتحاد العمل الأكثر اعتدالا، وكانت مساعي الموبسي أولا متجهة إلى محاولة جذب بقية العمال اليهود إلى الشيوعية، ولما لم يحرزوا نجاحا في هذا الاتجاه حاولوا مع العرب، غير أنهم لم يوفقوا أيضا، إلا أن ذلك ملأ نفوس الأخيرين بالهواجس..

بدأت الأحداث صباح يوم الأحد أول مايو.. وتقول الأهرام أنه كان لها مراسل خصوصي في يافا بعث لها بتقرير تفصيلي عن الأيام الخمسة العصيبة التي شهدتها المدينة، وعلى كثرة ما كتب عن تلك الأحداث، إلا أن جريدتنا تتفرد بتقديم رؤية شاهد عيان..

بدأ صاحبنا تقريره بالحديث عن فرع الجمعية السوفيتية الموجودة في المدينة، وكيف أنها دأبت على إهاجة الخواطر ونشر المنشورات الثورية بين الأهالي باللغات العربية والعبرانية وما فتئت تقوي وتشتد ويدخل فيها المؤازرون الكثيرون من اليهود والعمال إلى أن صار عددهم كبيرا جدا وصار وجودها مهددا للأمن العام.

وتشير كتابات الأهرام السابقة على هذا التقرير أنها وقفت في صف العداء لجماعة الموبسي، فقد كتبت من قبل تحت عنوان الشيوعيون في فلسطين تحذر من دخول هؤلاء في بلادنا الشرقية الهادئة العاملة ليؤلفوا منهم أمة لا ندري ما تكون، وما أصل وأساس هذه المذاهب الشيوعية، حتى اضطر أهالي البلاد إلى الدفاع عن حقوقهم وملك آبائهم وأجدادهم ضد هذا التيار!

نعود إلى تقرير مراسل الأهرام الخصوصي حيث ذكر أن تلك الجماعة أخذت في توزيع المنشورات التي تحرض اليهود والعرب على الاشتراك في مظاهرة أول مايو العظمى، وكان مما جاء فيها: إن اليهود جنود الثورة جاءوا ليساعدوكم أيها الزملاء العرب وأيها الفلاحون ويرفعون عن أعناقكم نير سلطة الأفندية- التوقيع: اللجنة التنفيذية للحزب الشيوعي في فلسطين المحتلة!

عشية اليوم الموعود وفد إلى يافا عدد كبير من الشيوعيين آتين من المستعمرات المجاورة وبدءوا في التظاهر في شوارع محلة تل أبيب منذ الساعة السابعة صباحا، ثم اجتمعوا في محلة المنشية بأعداد كبيرة تتقدمهم الأعلام الحمراء فقابلتهم من الناحية الأخرى مجموعات أخرى من اليهود المعارضين يرفعون العلم الصهيوني فاشتبك الطرفان، وحتى هذه اللحظة لم يكن العرب طرفا فيما يحدث حتى جرهم الموبسي إليه.

فقد تطاول بعض من هؤلاء على العمال العرب لأنهم لم يلبوا دعوتهم بالانضمام إليهم فما كان من سكان المحلة الوطنيين إلا أن اعترضوهم مدافعين عن أنفسهم فوقع الهرج والمرج وجرد اليهود أسلحتهم ومسدساتهم وأعملوها بالوطنيين فأخذت الحماسة هؤلاء فكروا عليهم بالعصي ودام الالتحام ساعات عديدة هدرت أثنائها الدماء وأطلق الرصاص وألقيت القنابل اليدوية، ولم يستطع البوليس تلافي الأمر لحرج الموقف وتحولت المظاهرة إلى معركة حقيقية بين الطرفين.

تصاعدت حدة الاشتباكات عندما بدأ بعض المهاجرين من اليهود البولنديين في إلقاء القنابل من شرفات منازلهم على المارة، فاجتمع فريق من الوطنيين وهاجموا تلك المنازل ودامت الاشتباكات حتى الرابعة مساء عندما وصلت قوة بريطانية مدعومة بالطائرات غير أن الخواطر بقيت هائجة ولجأ الوطنيون واليهود إلى بيوتهم وهم ناقمون، ويقدر عدد القتلى من العرب ب12 شخصا ومن اليهود ب30 شخصا أما الجرحى من العرب فسبعة وخمسون ومن اليهود150.

وفي ظل التوتر الشديد هجم أحد أفراد اليهود في اليوم التالي على عربي وقتله، وتبع الحادث أن تجمع الفريقان.. الوطنيون في ساحة البوابة واليهود في شارع بسترس وشبت ثورة عمياء وكثر القتلى والجرحى وغصت المستشفيات وأضرمت النيران في مركب لليهود على الساحل.

يوم الثلاثاء 3 مايو، وكما توقع مراسل الأهرام الخصوصي هو وآخرون من أبناء المدينة، أن الأحوال ستهدأ والأمن سيستتب، وحضر مندوب من بابا روما لتهدئة السكان العرب، غير أن هؤلاء ظلوا يقاطعون كلمته بقولهم: امنع مهاجرة الصهيونيين، وفي الصباح حضر إلى دار الحكومة قناصل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، وقبل أن تأتي نهاية اليوم أوى الأهلون إلى بيوتهم من الساعة السابعة مساء وكل من وجد معه سلاح أو قنابل أو خناجر يجازى أشد الجزاء، وأحصيت الخسائر فكان عدد القتلى عشرة من الوطنيين وعشرين من اليهود، ووصل عدد الجرحى إلى 37 من الأولين و142 من الأخيرين..

أخذت الأزمة في الانفراج يومي الأربعاء والخميس فخرج اليهود من بيوتهم وعاد الوطنيون إلى حي المنشية بعد أن كان قد خرج أغلبهم منه، وبدأ فتح المحال وصدرت أوامر السلطات للمزارعين من ملاك الأراضي المجاورة لمستعمرات اليهود ألا يتجاوزوا بعضهم حدود البعض وأن يظل كلاهما على بعد مائة متر من حدود بعضهما البعض.

ولو أن القضية انتهت عند هذا الحد لأصبحت مجرد اضطراب وقع بين الوطنيين من أبناء البلاد والمهاجرين اليهود، غير أن ما أعطاها بعدها كعلامة الميلاد للحركة الوطنية الفلسطينية كان فيما تبعها من ردود أفعال..

بدا أول ردود الأفعال عند بقية العرب الفلسطينيين، فكما تقول الأهرام في يوم10 مايو أن أهالي جبل نابلس تجمهروا في طولكرم وهاجموا الخضيرة، فوقع بينهم وبين اليهود ما يؤسف له، وهاجم أهالي قلقيله وجلجولية وكفر سابا مستعمرة ملبس المعروفة عند اليهود باسم مدينة الأمل، وكان اليهود هم البادئون، ولكنهم دحروا، وهجم بعض الفلاحين على مستعمرة ديران المعروفة عند اليهود باسم Rokholaz وعلي عيون قارة المعروفة باسم Rizhon Lezion . ولم تأت تفصيلات ما وقع هناك بعد، وجرى بعض الهياج في جهات حيفا وطبريا وأنحاء الجليل، وقد بلغ هياج الأعصاب أشده في مدينة نابلس فجاءت الحكومة بعمر أفندي البيطار رئيس الجمعية الإسلامية- المسيحية بيافا لتهدئة خواطر الناس.

ويعود مراسل الأهرام الخصوصي في يافا ليقدم صورة عما وصل إليه الطرفان من شكوك، ففي يوم 12 مايو كان أحد الفلاحين الوطنيين يحمل بيضا فعرض عليه بعض اليهود شراءه فأبى لانتشار فكرة المقاطعة بين الفلاحين، وكاد أن يقع الصدام وفي أقل من لمح البصر كانت المدينة مقفلة جميعها وشاع لدى الوطنيين أن اليهود يتأهبون للهجوم عليهم في بيوتهم فأخذوا الحيطة لأنفسهم، وتوهم اليهود أن الوطنيين سيهجمون على تل أبيب فتجمهروا في شوارعها غير أن الأحوال هدأت بعد أن انجلت الحقيقة.

أخيرا فقد كان لمولد الحركة الوطنية الفلسطينية بعد أحداث يافا ردود فعله في البلاد العربية المحيطة، الأمر الذي نتبينه من ذلك الإعلان الذي نشرته الأهرام يوم الثلاثاء 31 مايو تحت عنوان لإعانة منكوبي يافا، والذي نتبين منه أنه قد تشكل ما عرف باسم اللجنة الفلسطينية في مصر، سكرتيرها محمد على طاهر، والذي أعلن أن اللجنة قد شرعت في جمع التبرعات لمنكوبي يافا، وسجل بعض أسماء المتبرعين، وكان هذا الاهتمام المبكر بالحركة الوطنية الفلسطينية في مصر، مجرد بداية لطريق طويل استمر حتى يومنا هذا!.

 

 

كان عام

1999 عـامـا للـقـدس

فهل انتهى  ؟؟!

ومتى سيأتي العام الجديد ؟؟

 

سيأتي ــ لا محالة ــ فجراً

إنا منتظرون    

 

 

 

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


قريباً جداً

القدس لنا

متابعات معلوماتية

تاريخية وحية

 

dandanah