/arsproxy/ars.htm
غابة الدندنة - موقع الشاعر المصري علاء الدين رمضان  - عن المحرر - وكالة آرس

Welcome, مرحباً (مرحباً ) شاهد صفحتك - مجلة أهل الغابة   

غابة الدندنة  
· مجلة إلكترونية تعنى بشؤون الأدب العربي وقضاياه

غابة الدندنة 
.. مجلة أهل الغابة من موقع الشاعر علاء الدين رمضان 
عضو جديد 
[ توثيق العضو الجديد باحة الأعضاء ]

قصائد من ديوان الموت والوجع

بقلم : أحمد فضل شبلول

محمد خليفة الزهار اسم جديد على الحركة الشعرية في الإسكندرية، ولكنه جاء متمكنا من أدواته ولغته، قادرا على تشكيل القصيدة بالصور الشعرية المناسبة لإطارها وموضوعها، متمتعا بثقافة جيدة، قارئا للتراث الأدبي والشعري، ولعل اختياره لكلمات من "مأساة الحلاجهي:  "إذا غسلت بالدماء هامتي وأغصني .. فقد توضأت وضوء الأنبياء"  لتكون مدخلا لديوانه الأول " سور من كتاب الموت والوجعيشي بالجو النفسي الذي ستكون عليه قصائد

الديوان بعد ذلك، ومن ثم فإن الشاعر يمهد بهذا المدخل إلى ما سيأتي من نصوص شعرية تنتمي في معظمها إلى اللحظات الصوفية المشرقة، المختلطة في الوقت نفسه بعذابات البشر وآلامهم وصراعهم غير الشريف من أجل البقاء. يقول الشاعر:

إن الذي

سوَّاكِ فاكهةً بطعم البحر

تسكنُ داخلي

هو قاتلي

هذه الحالة المتناقضة بين "سواك فاكهةً بطعم البحر" ، و " قاتلي "  تكشف عن النهج الذي يتبعه الشاعر في صياغة قصائده.

وتشف مفردات القصيدة الأولى لتحيلنا إلى لحظات من الإشراق والتوهج الصوفي، فنجد: "فاكهة، داخلي، وجد، العاشقين، المواويل، مرتجيك، سيدي" ولكن هذه المفردات ليست هي عماد القصيدة فحسب، ولكنْ يقابلها مفردات أخرى،تحلينا من منظور آخر إلى كم التعاسة البشرية مثل:

" قاتلي، التعب، ذنب، أوجاع، القتل، الألم، البوار،

عاقر" .

بهذه الخلطة الشعرية ـ إن صح التعبير ـ يضع محمد خليفة الزهار يده على نسيج شعري جديد، يساعده على ذلك تفعيلة بحر الكامل متفاعلن والتفعيلة المضمرة (الإضمار = تسكين الثاني المتحرك) متْفاعلن (وتنطق مُسْتَفْعلن)، حيث الحركات الثلاث المتصلة في متفاعلن، ثم الحركة يعقبها سكون يعقبها حركة فسكون، في التفعيلة مستفعلن، ضمن إطار نفسي نجح الشاعر في إحكامه تماما، ولنأخذ على سبيل المثال السطر "هو قاتليإنه حالة من حالات العذاب النفسي والاعتراف والبوح الشعري داخل القصيدة، وهو يأتي في تفعيلة واحدة متوحدة من الكامل (متفاعلن)، ويعد بؤرة القصيدة، أو بيت القصيد فيها، إن صح التعبير. فبعد كل هذا الكلام الجميل والمناجاة المتصلة من خلال خمس تفعيلات دون أي توقف عروضي (إن الذي سواك فاكهة بطعم البحر تسكن داخلي) تأتي الجملة أو التفعيلة الواحدة كطعنة خنجر أو طلقة رصاص من هذا القاتل (هو قاتلي). لقد أحسسنا كقراء أو مستقبلين لهذا العمل الشعري ولهذه

الدفقة الأولى في القصيدة بتلك الطعنة وبهذا الغدر.

وساعد على بروز هذا الإحساس التقفية المستريحة التي جاءت سريعة وحاسمة بين داخلي وقاتلي. ولعل السياق الشعري والنفسي هنا يذكرني بأبيات من قصيدة أمل دنقل "لا تصالح"

التي يقول فيها:

لم يصح قاتلي بي: "انتبه" !

كان يمشي معي ..

ثم صافحني ..

ثم سار قليلا

ولكنه في الغصون اختبأ !

مع الفارق أن قاتل الزهار يأتي من الداخل، بينما قاتل أمل يأتي من الخارج. ونرجع هذا الفارق أيضا إلى أن الخطاب الشعري عند خليفة الزهار هو خطاب صوفي داخلي في الأساس، بينما الخطاب الشعري عند أمل هو خطاب سياسي خارجي .

***

ولعل أهم سؤال يطرحه المحب هنا هو السؤال عن هند نفسها:

 أنت السؤال

وفي الإجابة حيرتي

يا هند

فهند هي اللغز الكبير في سبيل السالك إلى دربها، إنها الحقيقة الكبرى الذي يصعب الإمساك بها، وهي السر الكبير الذي لو اكتشف لفسد العالم، وعمت فوضى الحواس أرجاء الكون، فهند هي الماء والري، وهي الزمن والبدايات الجميلة، وهي السلام والأحلام والمواويل، وهي الوطن .

وعندما نستشير التراث العربي عن اسم هند، نجد أنه من أسماء النساء العربيات، مشهور وسائر منذ القدم، كما سُمي به الرجال أيضا. ومن النساء المشهورات بهذا الاسم، هند أم سلمة (596 ـ 681) وهي قرشية مخزومية من زوجات النبيصلى الله عليه وسلم، تزوجها في السنة الرابعة من الهجرة، وهي قديمة الإسلام، هاجرت مع زوجها الأول إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ولما مات خطبها أبو بكر فلم تتزوجه، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت في البداية بسنها وأولادها، ثم قبلت، ويروى أنها كانت تكتب، وروت 378 حديثا، وماتت بالمدينة.

وهناك هند بنت عتبة (ت 635) وهي صحابية قرشية، أم معاوية بن أبي سفيان، تتركز شهرتها في وقفتها مع المشركين في موقعة "بدر" ، وقد فقدت فيها ذويها، ورثتهم بشعر جيد.

وفي موقعة "أحد" مثلت بجثث المسلمين انتقاما، حتى يقال إنها لقبت بآكلة المرار. لم تسلم إلا بعد الفتح، وقيل إنها ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح . أسلمت وشهدت موقعة اليرموك وحرضت على قتال الروم .

وهناك هند بنت النعمان (ت 693) وهي نبيلة، فصيحة، ولدت ببيت الملك بالحيرة. ترهبت لما مات أبوها في سجن كسرى، ومقتل زوجها الشاعر عدي بن زيد العبادي، وأقامت في دير بنته بين الكوفة والحيرة سمي دير هند، ولما فتح خالد بن الوليد الحيرة زارها وعرض عليها الإسلام، فاعتذرت بكبر سنها، فأمر لها بمعونة وكسوة، عاشت طويلا، وعميت في أواخر أيامها، وماتت في ديرها .

وهناك هند بنت الخُس الزيادية، وهي من حكيمات العرب في الجاهلية.

وهند الخولانية، زوج بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلى عليه وسلم.

وهند صاحبة الفرزدق، وهند التي شبب بها المثقب العبدي، وهند التي شبب بها كعب بن زهير، وهند التي شبب بها الأعشى في نونيته الشهيرة:

خالط القلبَ همومٌ وحَزَنْ    وادكارٌ بعد ما كان اطمأن

فهو مشغوف بهند هائم    يرعوي حينا وأحيان يحن

وهند التي قال فيها الحطيئة:

ألا حبذا هند وأرض بها هندُ      وهند أتى من دونها النأي والبعدُ

وكثيرات غيرهن، استفاد الشاعر من وجودهن في التاريخ الأدبي والعربي ـ بطريقة غير مباشرة ـ.

وتستمر هند في الوجود الشعري، مع تبدل الأقنعة، فنراها في قصيدة "رحلة للشوق" القرية أو الوطن الذي يلجأ إليه الشاعر، فترويه وتمنحه الشهد والعشق والأمان والتوبة.

إنا إليك بذنبنا

جئنا نتوب

جئنا نبيت بخصرك البان الرشيق

جئنا زهورا ترتوي

من فيك ..

يورق عمرها

جئنا مطر

يا توبةً

من كل معصية أتت من مستحيل

هل تعذرين ؟!

هل تعذرين ؟!

ويبدو أن هند هي رمز الطهارة والصفاء والنقاء في عالم الشاعر، فضلا عن أنها الرمز الصوفي الذي يسعى جاهدا للعروج إليه، والتوحد معه، والفناء فيه. غير أن هند تتحول في قصيدة أخرى إلى سعاد، وعندما تصبح هند سعادا يتخفف الشاعر قليلا من هالة التقديس التي خلعها على هند الأولى، ويسمح لنفسه ولشعره، توجيه اللوم والعتاب والنقد لهذا الرمز، فيقول:

تبتْ يداكِ

فما أنا إلا ببابك خاضع

منذ التقينا عاشقين

وعابثين

نعيد ترتيب الرؤى

نتقاسم الأحزان والأوهام

والليل الذي ما عاد يستر ما تواثب في العيون

فهل الشاعر لم يستطع توجيه هذا اللوم والعتاب لهند، فيماهيها في سعاد، ليبقى رمز هند نقيا خالصا من كل الشوائب والصفات البشرية أو الحيوانية الدنيئة. هكذا يرفع الشاعر هند درجات فوق سعاد، ويحلق بها في عالم من الطهر والصفاء، مع أن سعاد وليلى وأسماء أخرى مشابهة

أصبحت من رموز تراثنا الصوفي في كثير من الأقوال.

وما بين الرمز الصوفي الخالص، والرمز البشري بضعفه وترابه الوضيع، يبرز رمز ثالث يحمل دلالة واقعية، هو مصر التي هي وطن من سندس وإستبرق، وعلى الرغم من ذلك يوجه

لها الشاعر عتابا رقيقا في قوله:

سؤالنا

يا مصر قد سكن الحناجر

والمقابر

والخيام

ولن ننام

ولن تنام

صبابة العشق يوما

يا مطر

سكن العيون

وكان عذبا سائغا

ولكن الشاعر لم يلبث أن يبرح هذه الرموز الثلاثة، ليوجه قصائده وجهة واقعية أخرى، يبدؤها بسلسلة من القصائد القصيرة تصرخ في وجه السفلة عاشقي لون الدماء، وذلك من خلال "قصائد للعشق والدم ـ إلى كل نقطة دم طاهرة تصرخ تحت أقدام السفلة" فيكتب للشهيد الرمز، وللطفلة الشهيدة إيمان حجو، وللقدس، وللطير، والجليل. يقول عن الجليل:

في ثوبه

كان "الجليل" بلونه المخطوف

يركض نحو بابك

خلفه

طير بلون الليل ينقر رأسه

ويعيد ترتيب النجوم

هكذا تتراوح بقية قصائد ديوان "سور من كتاب الموت والوجع" بين الرمز الصوفي الشفيف، والرمز الواقعي، والرمز الإنساني بكل عذاباته وأوجاعه البشرية، وفي تورط الشاعر مع هذه الرموز لا ينسى نصيبه من التعبير ـ بطريقته ـ عن المآسي والمجاذر الوحشية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في أرض فلسطين المجاهدة. وهنا يطل برأسه عنوان الديوان "سور من كتاب الموت والوجعوداخل هذه السور نقرأ آيات للوجد والعشق، وتظهر دوال أخرى لمعشوقات مثل ليلى وفينوس، وبثينة.

ولكن يعود الشاعر بين الحين والآخر إلى رمزه المحبب ( هند) وفي قصيدة ثلاث آيات ووجد، تكون هند الحاضرة الغائبة، فهو لم يذكرها صراحة، ولكن دلالة وجود الأخريات في القصيدة لا بد أن يستدعي وجود هند. يقول الشاعر:

لولاك ما صعد المحبون الجبال

فالجميع يدور في فلك هند، حتى ليلى صاحبة قيس الذي هو بدوره رمز فني آخر، يضاف إلى الرموز الأخرى، في قول الشاعر:

ماذا تقول الآن للأقدار ليلى ؟

ماذا تقول ؟

يموت "قيس" كل ثانية سدى!

للقلب أوجاع السنين .. للحظها

تتعلم الكلمات ألوان الغزل

إن التراث الديني أو الإحالات الدينية، متغلغلة بشكل فني في معظم قصائد الديوان، مثل:

تهز نخيل الروح

يسقط ما تبقى من ثمارك

من وهن

ومثل:

أشد راحلتي لواد غير ذي زرع

فضلا عن التراث الأدبي الذي ضربنا أمثلة بوجوده من قبل.

وكل هذا يشي بأن الشاعر محمد خليفة الزهار غير منقطع عن تراثه الديني والأدبي، فهو كما قلنا في البداية قارئ جيد للتراث الأدبي والشعري، وهو يمزج ثقافته التراثية برؤاه العصرية وقضايا وطنه وأمته، منطلقا من موقف العشق الصوفي في نظرته للكون والأشياء.

تحية للشاعر محمد خليفة الزهار الذي يعد مكسبا جديدا للحركة الشعرية في الإسكندرية خاصة، وفي مصر بعامة. وفي انتظار أعماله الشعرية القادمة.

 أحمد فضل شبلول
الإسكندريةفي 16/12/2001

     
  الرئيسة  
  ذوب القلوب
 الرسائل
 
*    البريد المباشر  
  الشعر  
  الرواية  
  المسرح  
  القصة  
  مداخلات نقدية  
  الدراسات والبحوث  
  همس التواصل  
  بريد الكتاب والأدباء
  أخبار المعرفة والإبداع
  الدوريات الثقافية
  توثيق العضو الجديد 
  باحة الأعضاء
 

 

 
     
     
 

وكالة آرس

 
 

غابة الدندنة

 
 

عن المحرر

 
 

شاهد صفحتك

 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
   = خدمات ثقافية  
   = المواقع الأدبية  
   =المجلات الإلكترونية