/arsproxy/ars.htm
غابة الدندنة - موقع الشاعر المصري علاء الدين رمضان  - عن المحرر - وكالة آرس

Welcome, مرحباً (مرحباً ) شاهد صفحتك - مجلة أهل الغابة   

غابة الدندنة  
· مجلة إلكترونية تعنى بشؤون الأدب العربي وقضاياه

غابة الدندنة 
.. مجلة أهل الغابة من موقع الشاعر علاء الدين رمضان 
عضو جديد 
[ توثيق العضو الجديد باحة الأعضاء ]

انصهار الذات .. امتزاج القصيدة

قراءة في شعر الجنوب المصري

بقلم : محمود رمضان محمد 

لكل ناقد غرباله ، لكل موازينه ومقاييسه ... وقوة الناقد هي ما يبطن به سطوره من الاخلاص في النية ، والمحبة لمهنته ، والغيرة على موضوعه ، ودقة الذوق ، ورقة الشعور ، وتيقظ الفكر ، وما اوتيه بعد ذلك من مقدر البيان لتنفيذ ما يقوله الى عقل القارئ وقلبه

ميخائيل نعيمة
كتاب (( الغربال ))

(2)

انصهار الذات ..

إمتزاج القصيدة

 

بقى شيء : لماذا انصهار الذات ، إمتزاج القصيدة ؟

     لماذا أخترت هذا العنوان ، ليطل على غلاف الدراسة ، فيربط بين كل هؤلاء الشعراء على اختلاف الوانهم ومشاربهم !! . لابد أن يكون كل عنوان دلالة ، فهو البوابة / المعبر ، النافذة التي منها نطل وندلف إلى العمق / الجوهر ، فلا بد أن يرمز إلى شيء ، وأن يكون قاسما مشتركا بين الكل / الأغلب ، أن يعبر عن الغرف وسكان صفحات الكتاب .

   الإنصهار ذوبان ، والإمتزاج اختلاط ، ، وهكذا الشعر أنه ينصهر في ذات صاحبه فلا نستطيع أن نخلعه عنه ، يبقى سمة ما تؤكد وتبرهن أن هذا هو شعر فلان ، لما له من سمات ذاتية تفصله عن شعر الأخرين ، وهكذا يمنزج الشعر بصاحبه ، هذا الإمتزاج الذي يفجر كوامن القصيدة ويعطيها حرارة الصدق ، وجوهر الحقيقة ، ومهما قالوا : ( أن أصدق الشعر أكذبه ) ، فهي مقولة فيها كثير من المغالطة ، أو قل المواراة ، فالصدق الفني في القصيدة له دور كبير ،ولانستطيع أن نقول أن العمل الفني ليس فيه من صاحبه الكثير ، لابد أن يعبر العمل الفني عن شيئ ما بداخلنا سواء كان بوعي أو بدون .

    أنه شعر الجنوب الدافئ كالبلاد ، المنصهر مع الذات ، والممتزج بالقصيدة ، الشعر المشاعر ، الشعر المتوهج بحرارة الجنوب ، الذي يمتزج بكل أنهار التجديد ، ينهل بوعي ليبقى بسماته وصفاته هو الغالب / المسيطر ، يدخل مناطق التجديد بحرفية ، قد ينصهر مع الغير /الجديد ، لكن قوته تظهره ، كما نصهر النحاس مع الذات ، فبقى الذهب ذهبا ، ولا وجود للنحاس المنصهر معه .

    هكذا الشعر ، حرا يؤثر ، ينهل ، ويبقى شعرا ذات مشاعر وأحاسيس ، أما ما يفعله القلة القليلة ، فنقولها مرة أخرى .. القافلة تسير .. تسير ... تسير ، ويبقى الشعر .. الشعر .. الشعر.

    لابد للشعر أن ينصهر مع الجماهير العريضة ، أن يمتزح مع أحلامهم ، طموحاتهم/ ، يخرج منهم ولهم ، أما مايسمى بشعر النخبة / القلة ، فهو شعر جاف / معلب ، بلاستيكي على حد قول فؤاد قنديل ، شيئ لايعبر عن البسطاء / الغالبية العظمى ، السطوة الحقيقية ، السلطة الجماهيرية ، كتلة المشاعر المتدفقة ، خروج الشعر عن هذه الجماهيرية إلى النخبة القليلة أفقده حسه ، وشعوره وشعره ، وحوله إلى مصطلحات يكاد لا يفهمها النخبة نفسها ، وهم انفسهم ينظرون إلى مقاييس النجاح بمفاهيم غريبة وشاذة ، لاتعجب البسطاء / الغالبية ، فكيف يهيمن قلة على اغلبية ، كيف يفرض الشعر النخبوي سطوته على الغالبية / الشعبية ، من مهنا بدأ المأزق الحيقي ، وجوهر الحقيقية يكمن في هذا التضاد ، لقد استطاعت أم كلثوم ونجاة وعبد

الحليم وفريد الأطرش أن يشدو بأعذب القصائد ، العالية القيمة والتي لاتتدنى إلى مستوى الفن

الهابط الذي نشاهده ونسمعه الآن ، وخلد هؤلاء شعر السنباطي ورامي ومرسي جميل عزير وابن الفارض وابو نواس وغيرهم .

     لاشك أن النخبة المتمسكة بتعاليها على الجماهيرية ، لها سبب جوهري ، في تغير ذوق الناس ، فلا بد للجماهير أن تتفاعل مع من يعبر عنها وإن كان بسيطا ،ويعبد عن المتعولب ، المتقولب ، الجاف ، البارد ، الخالي من المشاعر ، البعيد عن جوهرهم .

      هذا يدفعنا لطرح سؤال : ما الذي دفع مطرب شعبي بسيط مثل ( شعبان عبد الرحيم ) ، أن ينجح ويحقق جماهرية أرعبت النخبة المتعالية وأنهالت ساخرة ومنزعجة مما يدور على الساحة ، ونسوا أن هذا الشعبي / الأمي ، استطاع أن يدخل قلوب البسطاء / الجماهير ، الغالبية ، ببساطته وصدقه الفني ، وهكذا استطاع ( كاظم الساهر ) أن يصنع نجوميته في وقت قصير وهو ينشد أشعار نزار القباني بصورة تكاد تكون على وتيرة واحدة من الألحان والحركات والأداء ، ولكنها الكلمة المشحونة بالمشاعر .

   قد نختلف على هذا  النجاح السريع ، والنجومية التي تصنع كالبالون ، ولكنها استطاعت أن تمس الجماهير العريضة ، ويمكن لنا أن نستفيد من التجربة ، لانقلد ، ولا نتدنى بالمستوى من أجل النجاح السريع ، ولكن لنقترب من الجماهرية ، نمس شغاف قلوب الغالبية ، ونتفاعل معهم ، نعبر

عن أحلامهم وطوحاتهم ، نتمتزج معهم ، ننصهر مع قضاياهم ، هكذا الشعر ، الشعر المشاعر ، الضارب على شغاف القلوب ، لا الذي يفرضه علينا القلة / النخبة ، من تهويمات لغوية ، وتجارب بعيدة تماما عن روح الشعر .

     أن تلك الفوضوية التي تحاول فرضها النخبة باسم الحداثة ومابعدها هي التي أزهقت روح الشعر ، وحولته إلى كلام فوضوي ، ومصطلحاته النقدية فوضوية فارغة المحتوى وإن كانت قشورها لامعة ، تغري في بعض الأحيان ، ومازلنا نكرر بأننا لسنا ضد التجريب ، وضد الجمود ، ولكن صعب أن نفرض الغربي الجاهز على الشرق ، صعب أن نلغي مشاعرنا لنعبر بمشاعر الآخرين ، فالشعر الغربي بشكله ومضمونه يختلف تماما عن الشعر الشرقي بشكله ومضمونه ، فما يعجب الغربي لايعجب الشرقي ، حتى على مستوى العلاقات الإنسانية ، الحياة ، حتى على مستوى المشاعر .

     لكلٍ خصوصيته ، أما ما يفرضه علينا المحدثين من تقليد للشعر الغربي فهو تخريب للشعر العربي .

     ليكن شعرنا يعبر عن مشاعرنا ، عن قضايانا ، كما عبر عنه الشاعر الرقيق الفذ حِزَين عمر في إحدى قصائدة التي تحمل عنوان (( أمرأة وقصائد))([1]) فيقول على لسان امرأة : (( شعرُك يا أنتَ فُتَاتُ رغيفٍ / قبضةُ نور / قطعة سُكَّرْ / شعرُك لا يستأذنُ ، / لايطرقُ ابواب الروح / ولا يخجل / بل يقتحم خلايانا .. يدخلْ / ويمدِّدُ أبياتِ قصيدِكَ / في كل شرايينِ الوجدِ )) .

      هكذا يكون الشعر كما عبر عنه هذا الشاعر الرقيق الذي يدخل قلوبنا ، ويدلف في روحنا ببساطته واحاسيسه العالية ، فنايته التي يمتلكها ولا تتملكه فتزهق روح القصيدة .

     نحن ضد التدني في الأدب من أجل الوصول إلى الجماهيرية الزائفة / الوقتية ، ضد الجماهرية المصنوعة / اللحظية ، التي تفجر مشاعر واحاسيس وقتية ، انها الحماسية الزائفة التي تعبر عن موقف لحظي ، وتذوب في طي النسيان بانتهاء الموقف/ اللحظة .

   كما اننا ضد المستورد / المعلب ، ضد إتباع الموضة السائدة التي تحولنا إلى مسخ تماما مثل مايفعله بعض الشباب من تقليد أعمى في الملبس والشكل ، فقصوا الرؤوس بطريقة منفرة وشاذة تدعو للقرف وافستياء ، وأرتدوا ملابس غريبة قبيحة الهيئة ، وهكذا الشعر ، إذا خرج من داره وأرتدى ثوب غير ثوبه فقد جماله وشاعريته وأصبح غريبا وشاذا .

     ضد التدني الغارق في السطحية والمباشرة ، وضد المعولب المسيطر على النخبة .

     والحل ؟! .

     نبحث عن منطقة وسطى ، المنطقة الوسطة ، هي نقطة العمق العادل ، نقطة المساواة / الجمع ، من خلالها ننظر وننطلق إلى الجميع بالعدل ، هي المنطقة المتوازنة التي لاترجع كفة على كفة ، لو تزحزحت من مكانها لأختل توازن الدائرة ، لفقدنا العدل / الجوهر ، لابد من الوسطية الشعرية لندلف إلى عمق المشاعر ، الأحاسيس دون أن تسيطر النخبة ، أو نهبط إلى المتدني المباشر .

     المنطقة الوسطى هي المنقذ ، يمكنها أن تعيد للشعر سطوته ، تعيد للشعر شعريته ، فلا يصبح مباشر مستهلك وقتي ، شعبي ؛ ولا متقولب / غامض / مبهم ، نخبوبي .

     نريده شعبي ، يسمو بالمشاعر ، يضرب على شغاف القلوب ، يُوهج العقل ، ولانريد أن نطرح قضايا شعرية طرحت من قبل ، ولكن نذكر فقط بدفاع الناقد (( محمد مندور )) ([2] )عن الشعر المهموس وقال : (( والهمس في الشعر ليس معناه الضعف ، فالشاعر القوي هو الذي يهمس فتحس صوته خارجا من اعماق نفسه في نغمات حارة ... الهمس ليس معناه الارتجال فيتغنى الطبع غير الجهد ولا احكام صناعة ، وانما هو احساس بتأثير عناصر اللغة واستخدام تلك العناصر في تحريك النفوس وشفائها مما تجد )) .

      لسنا نفرض شكلاً معينا ، ولكن نضرب مثلاً لنوع من الشعر يحتوي على المشاعروالأحاسيس ويناوش ويداعب ويفجر ، وهو الذي يمثل المنطقة الوسطى ، اننا نبحث عن المنطقة الوسطى حتى لايتحول الشعر إلى مجرد صور / حالات ، تركيب لغوي ، ولكن خالي من الشعر ، لنضرب مثلاً عشوائيًا ، بهذا السامق في شعر الحداثة ( أدونيس ) يقول : (( تجوهرت بك /وكنت أطمح إلى التبدد / وفتحتك بجسدي - ولكن ، / بماذا أختمك )) ([3] ) الصورة رائعة ، مدهشة ، ولكنها خالية من جوهر الشعر / المشاعر ، نقف على أعتابها نتأملها ، لما تحمله من رؤى وأبعاد ، ولكن هل هذا هو الشعر ، هل هذا الشعر الجماهيري ، الذي نطمح أن يشد الجماهير العريضة ويعيد للشعر وهزته ، وسلطته ، وهيبته ، الشعر الذي كان يكتبه الأمير والغفير ويتباريان في سوق عكاظ ، هل تحول سوق عكاظ إلى سوق خاص بالنخبة ، فأصبح خاويا لا يرتاده إلى قلة ، ظلت تغلق على نفسها ، وتضيق الحصار ، حتى أختنقت هي ، وبات صوت الشعر مخنوقا ، إلا من القلة القليلة التي تطوف حول السوق ولا تستطيع أن تدخله ن فما بداخله يزكم الأنوف ، ويخنق المشاعر ، والشاعر الحق يتنفس المشاعر ، وتقتله الرائحة العفنة ، فهل نكمن هذه القلة القليلة من الدخول إلى سوق عكاظ وتطهيره من الهراء ، ليسكنه أصحابه الشعراء ، الشعراء فقط ، إذا استطعنا ذلك سنسمع صوت الشعر عاليا ، مؤثرا ، معبرا عن الغالبية العظمى ، وسوف تعج الأمسيات الثقافية بالجماهير المتعطشة للمشاعر الجميلة ، للإنصهار مع المعبر عنها ، والإمتزاج مع يشعرها بذاتها .

     من الذي يفعل ذلك ؟ .

     أنهم الشعراء أنفسهم ، الشعراء هم القادرون على طرد الإدعياء والدخلاء والمحتلين لسوقهم

    التمازج وافنصها ، يمكنه أن يحدث بالتفاعل مع لالجماهير ، اقرأ القصيدة أشعر أنها تشبهني ، تنصهر في كياني ، لماذ عبرت فصيدة مثل قصيدة ( أم البدري ) ([4]) للشاعر السوهاجي  عشري عبد الرحيم ، عن الأم الصعيدية ، وربما المصرية ن لأنها استطاعت أن ترسم لنا صورة الأم / المشاعر / الأحاسيس ، وهكذا القصيدة المنصهرة ، المتمازجة ، مشحونة بالمشاعر ، تعبر عنا ، تخرج منا ، تدهشنا ببساطتها ، مشاعرها المتوهجة ، الرامزة بشافية . 

     من الذي يغعل ذلك ؟ .

     مازال السؤال مطروحا ، مناوشا ، يبحث عن حل ، حل للمشكلة / سطوة النخبة / القلة على المنابر الثقافية ، ووسائل النشر ، لايُنشر إلا كل معلوب ، وخارج ، ومتمرد على كل شيء ، حتى بات المبهم المتعالي هو السائد ، والجوقة / النقاد يصفقون ، ينشرون هذا الوجع على الملأ ، يتباهون بما وصل هذا الهراء الشعري من خصوصية معبرة، وتكثيف منبعج من الذات الإنسانية المنبثقة من أرض الصراع المتصارع من الهدف اللاواعي المتداخل في الوعي المتفجر في خلايا الـ...... عذرًا فهذه الفقرة كتبتها بدون وعي على طريقة شعر الحداثة ولا افهم ماجاء بها وعلى القارئ يفهم مايفهم ممن جاء بها ، كما يقولون رواد الشعر المنبجس من بعد الحداثة  .

      لسنا ضد أحد ، ولكن ضد ماهو ليس بشعر حتى لو كان موزونًا مقفى ، ضد خلو القصيدة من الشعر ، ضد إنسلاخ القصيدة من الذات وإنصهارها في نقطة وهمية يبعيدا عن نقطة الدائرة / الوسط ، فما يحيد عن الوسط متطرف ، والتطرف كل مشينة تحتاج إلى تقليم أظافر من أمن الشعر القومي ، ومعاقبة الخارج على الحدود ، وطرد وحرمان من دخول سوق عكاظ ، حتى لايلوث الشعر ، ويدوس على المشاعر ، الخارج عنا منخلع منا لا مكان له ، فهو مرتد يحتاج لإيمان جديد ، أن يعود إلى صوابه .. الخروج بدون قواعد نزق ، والبحث عن جديد من خواء دون إتكاء على هيكل يبني عليه حداثته ، هو بناء هش ، سيسقط في مهب الريح ، أما من ينبني ويجدد من أساس متين فهنا يكون البناء قويا يواجه أعتى ريح ، وأقوى زلزال.

    فقدنا الشعر يوم انسلخ من ذاتنا ، وجاء إلينا معلوبًا على أيدي النخبة المتمردة على واقعنا ، نضيف إليه ، ان نجدده ، فجاء شعرهم غرييا مثلهم ، منصهر في كيانهم المسخ ، ومتمازج من تقليدهم الهش ، فلن يعبر عنا ، ولم ينصهر معنا ، يتمازج معنا .

     إن انسلاخ ما بعد الحداثة من الحداثة ، وإحداث الفجوة بينهما ، هو نفسه الذي يحدث للشعر العربي من فجوة بين الماضي / التراث ، والحديث / الحاضر / التطلعي . هذه الفجوة هي التي أحدثت الشرخ الدامي ، الفجوة الخلل ، فجاء الجديد هش ، لا قواعد له ولا أصول ، تماما على ما بعد الحداثة ، التي ألقت الحداثة بكل ما فيها ، في محاولة لبناء قاعدة جديدة تسمى ما بعد الحداثة ، قاعدة لا تعترف بالحداثة باعتبارها قديم مستهلك ، تماما كما يحدث للمستهلك اليومي الذي يبحث كل يوم عن الجديد ، التقليعة ، الموضة ، وأصبح أمس ماضي يلقى في سلة المهملات ، هكذا يبحث الشعبي ، المستهلك .

     لابد لنا من تثوير الأسئلة ونواجه بعضنا بصدق ، دون أي حساسيات ، أو مجاملات ، نواجه الحجة بالحجة ، نثري الحركة الثقافية بنقاش جاد بعيدا عن المقارعات الشخصية والإتهامات في الأعراض والشخوص ، ليكن حوارنا ، نقاشنا ، صراعنا :  كيف ننقذ الشعر من المأزق الذي تعرض به ؟.

    لنثور الأسئلة ، ونضع الشعر على مائدة النقاش ، نشارك فيه الجميع ، نعطي الفرصة كاملة لكل صاحب رأي ، ونضع في نصب أعيننا كيف نعيد الشعر إلى قواعده ، جماهيريته ، كيف تنصهر النخبة في قطاع المجتمع ؟ ، الجماهير ، كيف نسموبالشعر وندخل سوق عكاظ نتبارى بالشعر ، لا بشيء آخر .

    لنثور الأسئلة ، وندلف في عمق القضية / الجوهر ، ولا نقف مكتوفي الأيدي نتباكى على ما ضاع ، وما وصل إليه حال الشعر ، لنبدأ جادين ، صادقين ، هدفنا الوحيد كيف ننقذ الشعر من حالة الموات التي وصل لها على أيدي الشعراء أنفسهم ؟‍! .

      هي طبقة من الصدأ ، يمكن إزالتها ، هي طبقة من العفن الغير متجذر سهل إقتلاعها ومحوها ، ليعود للشعر بهائه ، وحلاوته ، ونضارته ، وشعريته ، طبقة من اللشعرعلى شاكلة ( سراب التريكو ) الذي يقول ( ادورار الخراط ) في كتابه (شعر الحداثة في مصر - دراسة وتاويلات )([5])وهو من المعجبين الهائمين بشعر التريكو ، يقول : (( بل هو شعر الأدوات والأشياء اليومية ، والأضابير والمساطر والكلاسير والشريط والكليم ، والكوالين وطاقم الكهرباء ، قطعة قلم الرصاص ، خلطة المونة وشكائر الجبس والكيس المخلط والسقاطة ، الكراكات وجهاز صخ النبض و " المقعد الذي في جواري " المغزل والقبقاب ، الموتورات وكشافات فيليبس ، " المقصات كوسيلة لوضع حد للبصيرة (ص160 سراب التريكو ) و " الخرز حول معظم عانى سلطة الموس " ( الرمجع نفسه ) واحتباطي الخيوط ( الذي كأنه احتياطي خيوط الشعر لا ينفد ) ص 172 المرجع نفسه ) صامولة الخلف ومروحة الأمام / أطقم الأقلام الفخمة وقوارير العطور الفخمة والمسجلات توشيبا ، هل " هذه قائمة الطلبات التي يحتاجها شعر حلمي سالم في " سراب التريكو “ ؟ .

     هكذا يطرح ادوار الخراط السؤال ، ولكن نقول نحن : وهل هذا شعر .

     أم مثل قوله (( شعائر دهن الثدي بالمانجو والتقاطه باللسان )) (ص 91 الديوان ) ([6]) ، والشاعر كما يورد الخراط نماذج من ديوانه مولع بالنهدين والوركين والشبق الجنسي بصورة مقززة ، ولسنا ضد استخدام المفردات ولكن توظيفها بشاعرية وجمال دون خدش أو نفرغ ما بداخلنا من التقزز ، فعلى سبيل المثال نجد شاعر مثل " حِزَين عمر " يستخدم في ديوانه " وهج " مثل هذه المفردات النهد والثغر والشفاه بصورة لافتة ، فوردت مفردة النهد بمشتقاتها 12 مرة في الديوان ، ولكن الشاعر وظفها توظيفا جماليا دون أن يخدشنا ، دون أن يزج بنا في صورة شبقية .

     إن كثيرا من النقاد ومنهم إدوار الخراط يرون أن عذوبة الشعر ورومانسيته أصبح شيئا مستهلكا ، كما يقول الخراط وهو يتحدث عن بعض شعر إيمان مرسال (( لا يصعب أن نحس أصداء الإيقاع الرتيب الذي ألفناه - وهل أقول أو شكنا أن نجده مملا أو مكرورا - إيقاع الرومانسية العذب المعتاد )) ، ولكن يعجبه ويدهشه ويملأ مسماته الوجع السريالي ، الكلام المرسوم ، وخصوصا إا كان شبقيا ، يلقي بكل لأعراف والتقاليد ولا يحسب حساب لأي شيء على الإطلاق ، هكذا ابتلينا بثلة من النقاد ساعدت جيل أن ينحرف عن مجرى الشعر وتلته أجيال باستثناء قلة صوتها هامس ، لأن عصابة تحطيم الذوق الهام مهيمنة على الساحة ، تتباهى بتمردها ، تتمادى بخروجها على كل شيء .

     ولكنهم هل استطاعوا ان ينصهروا بالجماهير ، يمتزجوا .. هل استطاعوا أن يأثروا في المجموع / الكل ، سيظلوا قلة لأنهم لا يعبرون إلا عن أنفسهم ، ومهما فتحت لهم المنابر ستظل مغلقة لهم وبهم .

     أما الشعر الحقيقي هو الذي يلتحم بالعامة ويسمو بهم ، يعبر عنهم ، بخرج منهم ، أنه الإمتزاج والإنصهار المعبر عن الجمال ، جمال الكلمة ، وحلاوتها ، ودلالاتها العميقة التي تنصهر بالجمال ، جمال الكلمة واللفظ ، جمال الصورة الشعرية ، تطويع الكلمة لتبرز جمالها في سياق السطر الشعري ، لا تطلق بذاءات مقززة ، ونقول بعدها أنها ملامح جيل يعبر عن ذاته وطموحاته ، أي طموح في التخريب ، أي طموح في إشاعة القبح وإعتباره نوعا من الجمال ، إن مانطبقه على لوحة فنية لا نستطيع أن نطبقه علبى الكلمة المكتوبة ، فالصورة لها أداتها ومعايير نقدها ، والكلمة لها أداتها ومعايير نقدها ، لا يستطيع أحدأن ينكر جماليات سريالية بيكاسو ، وقد يعجب العامة بنساء بيكاسو الممزقات على الورقات ، المتداخلة ، ولكن لا يتقبل وصف هذه اللوحات ، لايتقبل شاعر يقول : (( تكشف عن ثدييها وذراعيها ووركيها وبقية ما يتغطى منها )) ([7]) ثم بعد ذلك يقول الناقد ([8]) ان مفردات البذاءة هذه نفضت عنها تحريمية البذاءة ، ولا أدري كيف نفضت هذه الجملة ( للشاعر نفسه ) البذاءة وهو يقول " السائل المنوي الأصابع الإبط اللسان القضيب / الرعايا الأسرى / ها ها ها / هي هي هي / تقريبا نحن عبد المنعم رمضان الآب الروح القدس ([9]) وأي شعر فيماأوردناه .كما قلنا قد نقبل هذا في لوحة من لوحات بيكاسو ، وقد نرى جمالا في مائيات (عدلي رزق الله  ) أو شخبطات جورج البهجوري وهو يمسك بالقلم ويقف به على الورقة ويمارس رسم خطوطه ولا يتوقف إلا بعد إنتهاء لوحته ، قد نرى جمالا في هذه الشخبطات ،كما نشاهده في بروتيهات ( صلاح طاهر ) ، ولكن أن يقوم أحدهم بجمع بعض الخردة ويقوم بتشبيكها بطريقة عشوايئة ويقول هذا فن ، ويجد من يروج له ، ويتشدق بعبقريته ، تماما من ذلك الرجل  ، الذي وضع البغبغاء في المطبخ وهو يقوم بدهان الشقة ، فقام البغبغاء الشقي بالعبث في الدهان الزيتي المتعدد اللوان ، ووققف على قطعة خشب كانت ملقاه بالمطبخ فلتطحت باللوان المختلفة من أثر رجليه ، ونظر صاحب البغبغاء إلى قطعة الخشبة فبهرته اللوان المدلوقة على اللوحة ,قام بعرضها فلقت إقبالا ، فقام بإحضار زيوتيا والوانا للبغيباء وجعله سيمارس عبثه ويبيع ما تنتجه قدماه ، هذه واقعة حقيقية لا أذكر بالضبط في أي صحيفةأو مجلة قرأتها ، ولكنها واقع ، واقع يعبر عن مدى الإستهتار بالإبداع ، وهكذا دخل في كافة الوان الإبداع نماذجا بغبغائية تخرب باسم الفن ، وتجعجع باسم الإبداع ، ولكننا على ثقةإن ما يحدث من تخريب ماهو إلا بالون طائر يحتاج إلى شكة دبوس ، ولكن من يطير خلفه ؟ . هذه هي المشكل . وتلك هي روح المجازفة .

      إننا نحتاج إلى وقفة مع الذات ، لتخيلص الشعر من براثن الأدعياء والمخربون ، نحتاج أن نطلق الشعر هذا العصفور الوديع من هذات القفص المكبل والمحاصر الذي وأد مشاعره وأحاسيسه ونزع عنه شاعريته ، وجعله خواء ـ، لاشعر فيه ولا حياة .

     نحتاج إلى وقفة نعيد فيها ترتيب الأوضاع ، لنعيد للشعر جوهره ، نعيد للشعر سوقه المكتظ وجمهوره الهارب .


[1] - ص 56 ومابعدها حزين عمر ، ديوان ( وهج ) .  
[2] - ص 75 هنري رياض ( محمد مندور - رائد الأدب الاشتراكي ) دار مكتبة الحياة ، بيروت 1403هـ ، 1983م
[3] - 469 أدونيس ( الأعمال الشعرية الكاملة ) ، مجلد 2 ، دار العودة ، بيروت 1988م ، الطبعة  الخامسة .
[4] - القصيدة منشورة في ديوانه ( صوره من البوم قديم ) الصادر عن نادي أدب سوهاج المركزي .
[5] -ص 226 - إدوار الخراط ( شعر الحداثة في مصر ) ، كتابات نقدية ( 97 ) الهيئة العامة لقصور الثقافة .
[6] - نقلا عن الخراط ن المرجع نفسه ص 215 .
[7] - ص 265 الخراط ، شعر الحداثة في مصر ، ووالمقطع من قصيدة للشاعر عبد المنعم رمضان .
[8] - ص 263 المرجع نفسه 
[9] ص 266 المرجع نفسه


محمود رمضان محمد الطهطاوي

     
  الرئيسة  
  ذوب القلوب
 الرسائل
 
     البريد المباشر  
  الشعر  
  الرواية  
  المسرح  
  القصة  
  مداخلات نقدية  
  الدراسات والبحوث  
  همس التواصل  
  بريد الكتاب والأدباء
  أخبار المعرفة والإبداع
  الدوريات الثقافية
  توثيق العضو الجديد 
  باحة الأعضاء
 

 

 
     
     
 

وكالة آرس

 
 

غابة الدندنة

 
 

عن المحرر

 
 

شاهد صفحتك

 
 

مقدمات

 
 

وقفة تقديم 

 
 

انصهار الذات .. امتزاج القصيدة 

 
 

 نحو منهج نقدي 

 
 

شعر الفصحى

 
 

د. محمد أبو دومة
بين ليلى وفاليري

 
 

مشهور فواز
ظاهرة التمرد

 
 

سعد عبد الرحمن
حدائق الجمر

 
 

المنجي سرحان
فلسفة الحزن

 
 

حزين عمر 
محطات وهج القصيدة

 
 

عبد الناصر هلال
ترويض الذات

 
 

محمد خضر عرابي
الرقص في حانة  الوجع

 
 

بهاء الدين رمضان
صباح العشق

 
 

عارف البرديسي 
المشي على البكاء

 
 

أحمد جامع
اشتعال القصيدة

 
 

شعـر العـامـية

 
 

أحمد المنشاوي

 
 

عشري عبد الرحيم

 
 

محمد محمدين

 
 

محمود المزلاوي

 
 

سماح عبد العال

 
 

عـروض نقدية 

 
 

محمد خليفة الزهار
قصائد من ديوان الموت والوجع

 
 

مستقبل الثقافة العربية

 
 

تكنولوجيا أدب الأطفال

 
 

موسيقا للبراح والخديعة

 
 

طالع المزيد

 
 

الروايات

 
 

يا عزيز عيني

 
 

للعشق أوجاع.. هذه منها 

 
  طالع المزيد  
     
     
     
     
 

النصوص المسرحية

 
 

الخروج إلى القلعة

 
 

مونودراما عـطاف

 
  طالع المزيد  
     
     
     
 

التراث العربي

 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
  online = خدمات ثقافية  
  owner = المواقع الأدبية  
  moderator =المجلات الإلكترونية