/arsproxy/ars.htm
غابة الدندنة - موقع الشاعر المصري علاء الدين رمضان  - عن المحرر - وكالة آرس

Welcome, مرحباً (مرحباً ) شاهد صفحتك - مجلة أهل الغابة   

غابة الدندنة  
· مجلة إلكترونية تعنى بشؤون الأدب العربي وقضاياه

غابة الدندنة 
.. مجلة أهل الغابة من موقع الشاعر علاء الدين رمضان 
عضو جديد 
[ توثيق العضو الجديد باحة الأعضاء ]

انصهار الذات .. امتزاج القصيدة

قراءة في شعر الجنوب المصري

بقلم : محمود رمضان محمد 

لكل ناقد غرباله ، لكل موازينه ومقاييسه ... وقوة الناقد هي ما يبطن به سطوره من الاخلاص في النية ، والمحبة لمهنته ، والغيرة على موضوعه ، ودقة الذوق ، ورقة الشعور ، وتيقظ الفكر ، وما اوتيه بعد ذلك من مقدر البيان لتنفيذ ما يقوله الى عقل القارئ وقلبه

ميخائيل نعيمة
كتاب (( الغربال ))

(5)

ثانياً : شعر العامية

   

أحمد المنشاوي والصورة الوصفية

  عندما طلَّ علينا الشاعر (( عبد الرحمن الأبنودي من شاشة القناتة الثامنة بالتلفزيون المصري، ليحدثنا حديثا عذبا عن الشعر العامي ، دغدغتني فرحة غامرة وهو يتحدث عن الشاعر السوهاجي (( أحمد عبد العزيز  المنشاوي )) ويبدي إعجابه بشعره ، وبعد ذلك يقدمه معه في إحدى ندوات معرض الكتاب الدولي بالقاهرة ، لاشك أن هذه شهادة نعتز بها من شاعر له جماهريته وحضوره الاشعري على الساحة العربية ، ووسام على صدر الشاعر (( أحمد المنشاوي )) يدفعه للمزيد من التجويد والمزيد من الإستمرارية الواعية .

      لقد ظل الشاعر المنشاوي يكتب القصيدة العامية ردح من الزمن ، ثم فجأة وبدون مقدمات أعلن في إحدي الصحف تحوله إل كتابة الفصحى وهجره للعامية .

      ونحن هنا نقف على أعتاب قصيدة المنشاوي قبل التحول ، نقف على اعتاب قصيدة العامية التي تفاعلنا معها ، وأحسسنا بها ، وتوغلنا في عمقها ، ونترك شعر ما بعد التحول إلى وقفة أخرى - إن شاء الله _ .

     الشاعر المنشاوي شاعر له حضوره على الساحة الأدبية : السوهاجية / الصعيدية ، له أسلوبه الخاص ، ومفرداته التي يتميز بها عن غيره ، والشعر العامي في الجنوب متفرد ، والأصوات الشعرية في مجال العامية ثرية ، ولها خصوصية ، فمن السهل جدا على القارئ المتابع ، أن يفصل بين قصيدة شعر عبد الرحيم بشفافيتها ، وقصيدة أبو العرب أبو اليزيد بثوريتها ، وقصيدة المنشاوي بوجها ووهجها .. الخ .

     الواقف على اعتاب قصيدة المنشاوي يستشرف بعضًا من سماتها ، خصوصياتها ، سيصدمه فظاظة اللفظ / الميزة ، ثورية الكلمة / الفجة ، صرخته العالية ، صخب الكلمة ، فهو يلقي لك بالهم مرة واحدة ، يحاصرك بالوجع ويضيق الحصار حتى يكاد يزهق روحك ، يسيطر على مشاعرك ويدلف بأعماقك صارخا ، زاعقا ، يفجر ألغامه ، لا طلبا لتدميرك ، ولكن لإيقاظك من الغفلة ، وفي محاولة بث الروح من جديد في تلك المشاعر المتلبدة ، التي ماتت، أو تتماوت .

     صورته الشعرية قذيفة موجهة / خارقة / حارقة / مؤثرة ، يرسمها من المفردة اليومية ، ولكن بفنية شعرية ، تعطيها بعدًا جديدا ، وتفتح مسامات مغايرة للمفردة ، لنقرأ صورة / نموذج لهذا التوظيف ، يقول في قصيدة (( حالة )) :

وجعه

مساحة عمر أطول م الزمن

عن يوم أكل مهما يطول

الإنتظار

سقالة من شجرة نبق

دخلت مقايضة

خسرت السبق الرهان

ناتمت على الجنب الشمال

السوس نخرها من جديد

" بؤرة " صديد

ناترة الدمامل والخرارريج اللي ملضومة سبح

     صورة وصفية يرسمها الشاعرة، وهذه سمة تغلب على معظم شعر المنشاوي ، ولكنه من خلال هذا الوصف يدخل للعمق ، تماما كالرسام الذي يرسم بفرشاته المشهد ويستطيع من خلال اللوان والظلال أن يدلف إلى العمق ، يظهر الداخل ، هكذا يفعل المنشاوي ، تطل الصورة من الخارج ولكن الكلمات تحفر وتدلف إلى العمق ، يقول في قصيدة (( تكوين )) :

ومحور اتزحزح شمال

لمس التماس

وادوّر الترس لورا

وبيضة تاعب بالحجر

واتعدى م الحبل " الزرد "

ونقطة .. نقطة الدم سال

الملح زاد على الحنجرة

شقق حبال الصوت وخرم في الفضا

    أنه وصف خارجي للصورة ، ولكنها صورة متحركة تنبض بالحياة ، تبرز رؤية /رؤى ، هذا (( التكوين )) الرامز ، يرسم بالكملات الصورة البسيطة / العميقة ، لتصبح سمة من سمات شعر المنشاوي ، نلحظها في معظم قصائده ، ففي قصيدة (( الحضرة )) هذا العنوان الدال يرسم به الشاعر صورة مغايرة /مقاربة / رامزة ليدخل بنا في الصورة الوصفية / المتعمقة ، في محاولة ناجحة لوضع الكلمة / المفردة في قالب مغاير ، بعيدا عن وضعها المحاصرة به ، لتفجير الدلالات ، وتوليد الصورة الجديدة / المغايرة / المدهشة ، يقول في القصيدة :

(( وحيطان مزوقة صدرها برايات ))

(( خيط الدخان يدبي على صدور البنات ))

    هذه الصورة التي تبث الحياة في الجما د ، وتفتح مسامات العقل في محاولة للولوج في عمق الصورة لفك إشتباك الدلالات /الإشارات / رؤية الشاعر ، عمق الصورة / الفكرة / القصيدة .

     أنه جانب واحد ، وسمة واحدة من سمات متعددة يتميز بها سشعر المنشاوي ، وقفنا عندها .. ولنا وقفات أخرى إن شاء الله ، فعالم الشاعر زاخر بالخصوصية ، ثري بالشعرية .

  

المرأة في شعر 
عشري عبد الرحيم
§

يمتزج القلب مع الروح ، وتتضاءل كل الأشياء وتبقى اللحظة الحلوة الجميلة، السامقة في ملكوت المشاعر ، العازفة في فضاء الإنسانية الرحب ، متجولة عبر سماء المحبين ، ضاربة على أوجاعنا تارة ، على أحلامنا تارة ، مازجة الوطن بالحبيبة ، والحبيبة بالوطن ، مدغدغة مشاعرنا ، مراوغة أحاسسينا ، وفي النهاية تدخل من كل المسامات الممكنة والغير ممكنة .

      تلك مقارية للحالة الإنسانية عندما يعزف لنا (( عشري عبد الرحيم )) بالكلمات / القصيدة ، فندخل معه إلى عالم المشاعر الرحبة ، الحلوة ، سابحين مع الصورة الجميلة ، البسيطة المعبرة ، تتورد مشاعرنا من فعل الكلمة وسحر التصوير .

ذكرت من قبل في دراسة سابقة بأننا (( لانستطيع بأي حال من الأحوال فصل “ عشري عبد الرحيم " عن قصيدته ، فهو ممتزج بها ، منصهر في كيانها ، ولذلك تخرج لنا القصيدة شفيفة تدغدغنا .. تناوشنا برومانسيتها ، تدخل القلب بسهولة )) 

     صدر للشاعر مؤخراً ديوانين ، وهما الرابع والخامس  في ترتيب إصدارته  ، الأول بعنوان : (( صورة من ألبوم قديم )) عن نادي الأدب المركزي بسوهاج ، 2000م ، والثاني بعنوان : (( العزف على وتر الجزيرة)) عن نقابة المعلمين بسوهاج 2000م .

      شعر " عشري عبد الرحيم ممتلىء باللحظات الإنسانية ، ينسجها الشاعر برقة ، وصور شفافة ، وأسلوب سهل ممتنع وكأنه يغازل القصيدة .

       ونحن هنا نتوقف عند صورة المرأة في شعر “ عشري عبد الرحيم ، كيف يصورها ، مايكن لها من مشاعر ، رؤيته للمرأة .. الخ .

      لعل مايلفت نظرنا ويستوقفنا  ، هو إهداء ديوان (( صورة من

ألبوم قديم )) ، والذي يقول فيه :

          اتعلقت روحي بروحك م الأزل/من قبل ما أعرف إنتي مين/أو قبل ما أبقى/ميه جارية/في السبيل/أو قبل ما أبقى/حتى طين/وإنتي اللي بمرور السنين/كنتي السكن/ولاغيرك إنتي ياحبيبتي/حد تاني /ماليش وطن .

التمازج بين الوطن والحبيبة

     بهذا الإهداء الشفيف الممزوج بالمشاعر الإنسانية ، المعبر عن هذا التمازج الرائع ، والعاطفة الجياشة ، ورغم المفردة البسيطة .. إلا أنها استطاعت أن تحتوي اللحظةوتعبر عن رؤية وفلسفة الشاعر ، هذه الصورة البسيطة في داخلها مرواغة ، وتطرح الكثير من الرؤى ، وتحمل بين طياتها لإمتزاج رائع بين الحبييبة والوطن ، وقد يحتار المتأمل هل هو يقصد المحبوبة ، أم يقصد الوطن !! . هل الوطن هو الحبيبة، أم الحبيبة هي الوطن ، القصيدة رغم بساطتها تتدثر بتلك الغلالة الرقيقة التي تحجب بعضها منها فتزيدها  بهاءً وفتنة ، ويسبقى السؤال معلقا .

     ولعل ما يظهر فلسفة الشاعر ووضوحها تتراره لهذا التمازج ، فيقول في قصيدة (( صفحة من دفتر جنوبي )) : 

          وسكناني ف جوايا حروف الحب

                    بترويني ساعة ما أعطش

          وترسمني الوطن فيا وتعشقني

      في هذه القصيدة نجد التمازج بين الوطن والحبييبة واضحاً ، فبعد أن يصور عشقه الأرض ومدى إلتصاقه بها ، يدلف إلى المحبوبة ، يناوشها :

                    بتعشق مين/أحس بإني هياني/بطبع ياسين/بهية ف دمي وعروقي/ساعة  ما كنت أبنيلها/بيوت الطين/وتيجي الريح تهدهدها/وأرجع تاني أبنيه/عشان نسكن أنا وهيه/ف يوم فيها/وحلمي الحلو يتحقق/وأطلع للقمر بيها/وارسم إسمي ف عنيها/يداويها

     نلحظ أيضا هذا التمازج في قصيدة : (( القلب طاير .. والنبض مستعجل ))   ، وعندما نلج القصيدة نجد النخل وشجر الصفصاف والشطوط تمتزج مع الصدر والعيون والغصون ،  طارحة هذا التمازج الشفيف لتك المرأة الوطن / الحبيبة ، فيقول :

          شايف ملامحك/من مهجتي العتمة/نخل إتحنى بشواشية/أمتى راح المح/لونك شجر صفصاف/رفرف روحي/ح تسكن عش أغصانك/وألمح شطوطك/بتفرد للي الشراع موال/مين اللي قال/يوم بايع وأنا شاري/منشاري يقطع/إيدين الغدر/لو لمست /في يوم توبك/وأنا طول عمري محبوبك/وياما كنتي ياغالية/سفينة بحر أشعاري/وترسمني كما الموجة/على صدرك/ح أحاول مره لو لحظة/أفسر حرف من سطرك /وأعرف إيه سبب هجرك/وألمح مره في عنيكي/بداية سر تاه فيكي/ساعتها بس ح أديكي/أنا روحي /وأتمرجح على غصونك /كما العصافير

      ويستمر هذا التمازج الجميل ، والإنصهار بين الحبيبة والشاعر ، كما قلنا الحبيبة حتى الآن هي هذا الثنائي ( الوطن / المرأة ) لانستطيع أن نفرق بينهما ، تشهد بذلك المفردة الشعرية ،  والصورة الكلية للقصيدة ، نجده هذه الثنائية مستمرة في قصيدة : (( سرقاني من روحي ))  ، لاحظ معي العنوان ودلالته ، ومايصرح به قبل الدخول في النص ، ويقول في القصيدة :

          خطفاني من روحي/سرقاني من روحي/جروحي/مابيروهاش بحرك/محار  ضلوعك/نايم على شطي/خطي/وبلاش تغني/فرحتي بلونك/السكة شوك/وأنا توهت ف العتمة/حواريكي نار/قلبي رصيف ممدود/مهدود جواكي/باكي دموع أسفلت/منديلي بات بيئن/بيحن على الفاضي/ماضي إتحبس فيكي/زرقك خريف باهت/تاهت غيطان صبري

     لعل صورته الجميلة (( محار ضلوعك / نايم على شطي ) تشي عن هذا التمازج الجميل ، فيتحول هو إلى  بحر يحتوي محبوبته التي تحولت إلى كائن بحري . ثم تتحول هي إلى مدينة وهو رصيف في هذه المدينة ( حواريكي نار / قلبي رصيف ممدود ) هذا التمازج والإنصهار الذي يعبر عنه " عشري عبد الرحيم " في صور شعرية متتالية ليأكد  بأنه مسكون بهذه المرأة المؤرقة : الحبيبة / الوطن .

الغزل الرقيق

      عندما يصور لنا المرأة الحبيبة ، ينقلنا إلى ذكرياته الجميلة ، يعبر عن لحظات الحب بشفافية، يسرد لنا اللحظة وكأننا نعيشها ، ففي قصيدة ((ما إتغيرتش ))   يؤكد لمحبوبته رغم تغير الملامح الخارجية ، إلا أنه مازال بداخله الألأحاسيس الجميل وحب لكل الناس ، ويذكرها بأيام جميلة ولت :

          فاكرة القلم الجاف المنسي/في الكراس/إتعمدتي ف يوم تنسيه

          لجل ما أكتب إسمك بيه/فعلاً جوه القلب كتبته/حبك ذي النهر شربته/كنت بشوفك ف حروف كتبي/زي الشمعة/كنت بشوفك لحظة حزني

    هذه الصورة ( الفلاش باك ) التي يستخدمها الشاعر لطرح الفكرة ، في محاولة رائعة لطرح ما يختلج بداخله ، وسيواصل تداعياته / الإسترجاع ، فيقول في ذات القصيدة :

          كنت إلهامي/كنتي بتطلعي على السبورة /وترسمي نيل/ وواحد قاعد فوق الصخرة/يقول أشعار/والقمرايه بتفرش نورها/تملي عليه/كنت بقولك صورتك ديه/بتوحي بإيه/رغم شايفها/رغم عارفها/انتي القمرة ياغاليه أكيد

     أنه “ عشري عبد الرحيم " الذي يعزف على وتر المشاعر ، ويداعب الأحاسيس برقة وشفافية ، بمفردة بسيطة / عميقة ، قوية التركيب والبناء ، فتقف أمام البناء / القصيدة ، تتعجب من تلك البساطة والجمال ، والتناسق في الصورة ، والرؤيةالفنية المتدثرة بالمشاعر .

      ويواصل عزفه بمشاعره الجميلة ، فنجده في قصيدة (( بركات الحب ))   يعبر عن حبه الصادق لتلك الحبيبة الساكنة كيانه ، الداخلة في أعماقة ، الممتزجة في ذاته ، فيقول بشفافية :

          الصدر لما يشيل يميل/بس إنتي حملك بلسمي/تعبك أمل/صوتك الندا منك قمر/فرده كفوفك شمستي/مدة شفايفك بسملة

      ويعبر عن حبها لها ن وعن مشاعرها وأحاسيها التي تدخله ويتفاعل معها ، فيقول ، فيقول بفطرية لاتخلو من الفنية في ذات القصيدة  :

          لو شوفتي ف عيوني ضنا/أو حزن من قلبي دنا/ح تشيلي عني/وتزرعيني ف الهنا/يا أم الوفا

     ويؤكد أن هذا الحب الذي يسكنه ، بل ويمتزج فيه ، حب ممتد لاينتهي ، فيقول في قصيدة (( الوليمة ))   :

          أنا لو ح أموت/حروفي اللي عايشه/بتعشق بهية/تخضر سواقي          /وتروي شراقي/وتطرح جناين/ف قلب الولاد/ولحني الي باق/ف صوت الرباب/ح يفضل يخبط/على كل باب/وناي المحبة اللي ساكن /معاي/وضمة شفايف /تبوس التراب

     وفي قصيدة (( شراع الحب ))  يواصل عزفه على المشاعر بفطريته المعهوده ، وبكلماته البسيطة التي ينسجها بنضبات قلبه ، فنشعر بدف الدماء تتدفق فيها ، وهو يقول :

          وبحب البحر/لما يفكرني/بلونه الصافي/بأحلى عيون/لما لمحت الشوق جواها/حسيت بالتوهة/وشعرت بإني فلوكة

          بتلع/على هرم الموج/ويمرجحها الري/على كف هواه/وشراع الحب يرفرف/على صخرة/قلبي ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

أم البدري

      أردت أن أتوقف عند قصيدة (( أم البدري )) (الديوان الثاني) لما تحمله من مشاعر خاصة عند الشاعر ، ومشاعر خاصة عند المتلقي للقصيدة ، فهي قصيدة تعبر عن مشاعر صادقة ، تمتزج بأصالة الإنسان المصري ، الممزوج بتراب هذا الوطن وطينه ، تعبر عن حب البسطاء الذين لايجيدون لغة الكلمات ، ولكن قلوبهم متدفقة بالمشاعر والأحاسيس ، هذا الحب الرائق والرائع والدائم الذي لاتهزه أية أعاصير ، حب نمى وتنامى بالعشرة ،لنلج القصيدة ونتدثر بمشاعرها الجياشة ، يقول الشاعر :

          رغم إنك /ماروحتيشي مدارس/ولافكيتي الخط في الكتاب/على وش اللوح/عينيكي بتقراني/من راسي/لقدم ساسي /بتعدي ف قلبي من جوهه/ذي فلوكة صيد ف النيل/وبتعرفيني/إن كنت فرحان/أو زعلان/بتحسي /من خط وشي /محتاج لإي/ هو إنتي إي/ يابنت الإيه/من غير علام بتقريني !!

     علامات التعجب هنا علامة على الفرحة ، كما أ، المقطع يموج بالغنائية التي تدغدغ القلب وتعبر عن تلك اللحظة المشحونة بالمشاعر فيتغنى الشاعر : " محتاج لإيه / هو إنتي إيه / يابنت الإيه " ،هذا الأسطر تتكرر في نهاية كل مقطع من القصيدة وقد وظفها الشاعر توظيفاً جيداً ، نشعر به ونحسه مختلفاً في كل مقطع .

     ويواصل رسمه لهذا الحب الصامت التي تعبر عنه الأفعال لا  الأقوال ، فيقول :

          وساعات /أكون حزين/وأضحك/خايف تشوفيني/تحزني لحزني/وأخبي عنك/همي التقيل/وأفرد لعودي اللي إتحنى/وأغش نفسي /لكن/بشعر بكفة إيدك/بتطبطب/على صخرة ضهري/بتقوللي معاكي/ممكن تضحك/على الكون /أو على نفسك/أنا وحدي ياولدي /شاعرة بيأسك

    وهل توجد إمرأة تحمل هذه المشاعر تجاه الرجل ، وتبادله الحب الصامت / الساكت ، التي تعبر عنه الأفعال والتصرفات لا الكلمات ، غير حب الأم لولدها ، إنها الأم التي تشعر بولدها ، بفرحه وحزنه ، مهما كبر يظل هذا الحب يؤرقها وتفعل كل مافي وسعها من أجل سعادة أولادها .

    يواصل الشاعر العزف راسما هذه المشاعر الجميلة في صورة أخرى ، يقول :

          وساعات/بتحسي بولدي/ماخدش المصروف مني/وأبقى قايله /أوعى الحس بتاعك يطلع/وفراسة عينك/تقرا البصة بتاعته ف وشه/تاخديه من إيده/على أوضة نومك/فوق مصطبة الطين /وحسيرة الحلف/وتسحبي م الصندوق الصحارة/المليان براويح مسك/م الزمن الماضي/مش ذي زمانا الواطي/الفاضي/من الريحة الحلوة /وتفكي المنديل/اللي إسمه محلاوي/اللي معباي/أوراق دبلانة/حجة بيت .. وعقد جواز/وشهادة عيل/كان قبلي ومات/وبتحطي ف إيد الواد المفعوص/اللي يادوبك ذي البروة/حتة سكر قمع/دساها/للزمن المر/من أيام الحجل ماكان/بيرن ف رجلك/وتحطي ف إيده/مصروفه/وتمسحي دمعة خوفه/وتقرصي ودنه/قرصة حب/أوعى تقول لأبوك/ولاحاجة/خايفة ليطلع ف الشارع/حد يحس/إني معذور/يا ا ا ا ه .. دا إنتي مداين نور

     لقد استطاع الشاعر المزج بين الماضصي والحاضر والمفارقة بينهما بكلمات بسيطة ، مجسدا تلك المشاعر الجميلة / النبيلة ، راسما لنلا لصورة الأم التي نراها في قرانا ونجوعنا ، تلك الأم الأمية التي لم تتعلم القراءة والكتابة ، ولكنها تعلمت من الحياة الكثير ، تعبيش بفطرتها مشاعرها الطبيعية الجميلة ، التي لاتحتاج إلى قراءة أو أي علم ، فتلك غريزة وضعها الله فيها ، جسدها لنا الشاعر بفنية تجعلها تنبض بالحياة .

        الشاعر " عشري عبد الرحيم " يمتلك مشاعر شفيفة ، يطرحها في القصيدة بصدق فتخرج القصيدة نابضة بالحياة ، تدغدغ مشاعرنا وتترك وقعها الممدود والممتد في أعماقنا ، إنها قصيدة المشاعر ، الوطن عنده هو المرأة ، والمرأة هي الوطن والملاذ ، هذا التمازج والإنصهار هو الإنتماء الذي يأسر الشاعر ، فهو شاعر يشعر بكل ماحوله من جمادات وكائنات ، يرى المحسوس والغير مرئي ، ويمزجه في القصيدة ، فيمتزج عالم القرية الذي يسيطر على الشاعر ويعطي مشاعره تلك الفطرية الجميلة ، وروحه التي تحتوي كل شيء بحب وود ، فتغزو قصيدة (( عشري )) ملامح القرية التي يعبرلا عنها ، ويمزجها في بناء القصيدة العامرة بنفردات من هذه البيئة يوظفها الشاعر في صور جديدة وبسيطة وموحية .

      وتبقى قصيدة " عشري عبد الرحيم " لها طابع خاص ، ونهج متميز ، تتدثر بالبساطة ولاتغرق فيها ، وتذهب إلى الرمز ولاتغرق فيه ، وتبقى في الوسط ، معبرة عن تلك الوسطية التي ترضي كل الأطراف ، ويكفي أنها تدغدغ مشاعرنا ونحس بها ونتفاعل معها ، ألا يكفي هذا ؟؟! .


§ - الشاعر ( عشري عبد الرحيم ) شاعر عامية من جزيرة شندويل - سوهاج .

 

الدخول والمتاهة والخروج

في ديوان ((عنوان غلط ))

للشاعر/ محمد محمدين *

     يتوجع بالقصيدة ، ويوجعنا معه ، تخرج الأسطر الشعرية تسود بياض الورق ، تتساقط متوالية كالعدودة  ،تضرب بإصرار على أوجاعنا .

     هكذا يدخلنا الشاعر (( محمد محمدين )) وهج القصيدة .. قصيدته العامية (( الناعمة كحد شفرة الحلاقة )) على حدتعبيرالكاتبة (( غادة السمان )) ، نعومة متسربلة بالأحزان ، بالوجع ..

     وبلغة عاميةراقية يدخلنا في هموم الوطن /همومه ، طارحاً أوجاعه / أوجاعنا .. بالرمز / الصورة المكثفة .

     هذا مانلحظه ونحن نطالع ديوانه الأول : (( عنوان غلط )) ، هذاالعنوان الملفت للنظر ، الفاتح باب التأويل والرؤى ، الديوان يضم (( 17 )) قصيدة ، ويقسمه الشاعر إلى (( 3 )) أقسام ، القسم الأول يحملعنوان : (( الدخول في عنوان غلط )) ، والقسم الثاني يحمل عنوان : (( متاهة عنوان غلط )) ، والقسم الثالث يحمل عنوان :(( الخروج من عنوان غلط )) .

     فنجد أنفسنا في مواجهة ثلاثية : (( دخول - متاهة - خروج )) ، إنها رحلة إلى (( عنوان غلط )) رحلة تفتح مسامها (( عتبات النص )) - على حد تعبير الناقد/ مصطفى الضبع - ، ومن هذه العتبات الغلاف الرامز بصورته التي تواجه القاريء .. وهو يشاهد عنوان الديوان أسفله السفينةالضخمة المشرعة وهي تشق طريقها في عباب البحر ، وما إن ندلف إلى الإهداء الموظف لخدمة العنوان والمحتوى ، حتى نجد الشاعر يهدي ديوانه إلى عالم الطفولة البريء .. وكما يقول : (( لإيمان في قلبي أن براءة الطفولة لن تتوه .. في عنوان غلط )) .

     هذا الإهداء بكل مايحمله من إسقاطات له دلالاته ، التي ستبينها القصائد عندما نواجه ثلاثية الديوان .

الدخول

     عندما ندخل في القسم الأول : (( الدخول في عنوان غلط )) .. نواجه قصيدة (( جمر ))   ص5 ، التي ترسم لنا صورة مكثفة ، فيها شحنة قوية من الحركة ، الشد والجذب ، والنفي ، وكأن الدخول إلى العنوان الغلط لا إرادي ، كما نقرأ :

          قابض على جمر الحروف المغرمة

          تحدفني جوّه الصمت لحظة نطقها

          وتشدني ..

          فوق صخر صرخه بينتحر ..

          جوايه لمَّا اتجمعت ...

          كل الحروف الأبجدية

                             .. حرف نفي !!

     قبل الولوج والتعمق في الدخول ، يؤكد كل معاني الإنتماء .. والإمتزاج بالأرض /الرحلة ، كم تجسدها قصيدة (( صفحة بيضا )) ص7 ، فنجد مفرداته تعبر عن هذا الإمتزاج :

     (( انزعيني من حروف عمري - واكتبيني حرف واحد فوق سطورك 0- أوهبيني شط عاشق - أوهميني .. أني طالع من همومي - واني هوصل .. مهما كان العمر ضايع .. )) .

     هذا الإلتصاق / الإنتماء ، يبحث عنه الشاعر ليساعده على فهم الحياة ، حتى لايتوه ويضيع ، كما يعبر في نهاية القصيدة  :

          أبقى عايش فيكي انتي ..

          مهما كان الصعب فيكي ..

          مهما كنتي ..

          اقدر اعرف سر بحرك

          واقدر افهم

          يعني ايه كلمة ح .ي .ا .هـ  !!

     والمطالع لقصيدة (( المغيب )) ، هذا العنوان الذي يدل على الفقد ، ستحاصره الصورة المكثفة التي يرسمها الشاعر وكأنها صورة حية نابضة بالحياة ، فيها صراع مرير .

     يقول الشاعر :

          الشجر تحت المطر واقف وحيد

          رغم انّه ثابت

          غصب عنّه فروعه شابت م الجليد

          الشجر رافض خضوعه

          في المغيب

          الشجر دبلت فروعه ..

          والجليد أصبح كفن ..

                    .. حاضن شهيد !

     أما في قصيدة : (( ماتلفش الحلم في حرير )) ص 13 ، فيؤكد ضياع الحلم وان الدخول (( غلط )) ، فيكرر (( دورك مجاش )) ، تأكيداً على الدخول  (( إلى العنوان )) ، وتأتي الصورة متتالية .. معبرة عن هذا الضياع / ضياع الحلم ، فنجد الأسطر الشعرية تتوالى : (( الأرض شوك ! - مركب اجاباتك ورق / كل احتمالاتك غرق )) .

      أما في قصيدة : (( روح مهجورة)) والتي تشي من عنوانها بالكثير .. فتجسد كل معاني الضياع ، وإن جاءت غير مطثفة الصورة ، تغزوها المباشرة بشكل واضح .

المتاهة

     وفي القسم الثاني : (( متاهة عنوان غلط )) ، يبدأ الشاعر بقصيدة (( همزة وصل)) ، وهي لحظة رومانسية لحلم جميل ، واعتقد ان مكانها في ثلاثية الشاعر .. القسم الأول (( الدخول )) فالمتاهة تعبر عن الضياع .. كما نلحظ في القصائد الأخرى من هذا القسم .

     فنجد قصيدة (( معاني الكلمة منعاني )) ص28 ، معبرة عن هذه المتاهة ، والأسطر الشعرية تجسد قسوة هذه اللحظة : (( أبوح ليكي بقسوة صخرة الإحساس )) ، هذه الصورة المعبرة التي تجسد قسوة المشاعر والأحاسيس ، هي التي تواجه الشاعر في رحلته / المتاهة ، يرسم لنا صورة بسيطة ، ولكنها معبرة ، وهو يقول :

          حروف اسمك ف وجداني

          نسيت الاسم والمعنى

          وخدني الجرح للتوهه

          وفجر بحر أحزاني

          قصايد حزن من لونه

          حروف سودة ..

     ويؤكد هذه المتاهة / الضياع ، كما يذكر في مدخل قصيدة (( صراع نفسي )) ص32 ، ويقول :

          أنا ملك ايد الطريق ..

          ورهن اختياره لأي اتجاه

     ويضيف في ذات القصيدة :

          مكانش اختياري رحيلك معايه

          لليل المتاههالمخيف الجليد

          مكانش اختياري أفارق مداري

          ولا كان بايدي انكسار الشعاع

     ويواصل هذه المتاهة في قصيدة (( ورد النيل )) وهو عنوان يرمزللإلتصاق والإنتماء ، يقول :

          والتقيت حضنك متاهه تلف بيّه

          تحضنيني يجف حضنك ص38

     وفي قصيدة (( خطوتين )) تظهر قدرته الفائقة على بلورة الصورة وتجسيدالمتاهه عندما يقول :

          هوه اللي كان عنوان

          بين الدروب بيتوه ‍‍ ص 45

     رغم هذه المتاهة التي أغرقنا فيها الشاعر ، إلا أن الإنتماء والإلتصاق يظهر جلياً من مفردات القصيدة ، وحالة الحب اللاشعورية تخرج من بين براثن عتمة القصيدة /المتاهة .

الخروج

     ترسم قصيدة ((فردبروحين )) .. تواجهنا في القسم الثالث : (( خروج من عنوان غلط )) بصيص الأمل ، ومحاولة الخروج من المتاهة ، وتبشر في أمل الخلاص ،      عندمايقول :

          لو خطوتك ..

          منقوشة في أرضك أمل ..

          خطي كمان ‍ ص59

     ويضيف في ذات القصيدة :

          اسرج حصانك للقمر

          احسب مساحات السفر ..

          هد المكان‍

          أوعى الوتر يتهز ف عروقك تنوح

          لملم فروع الشمس .. روح أغزل مطر

          يروي جذور  العمر ف الأرض البوار

     ويواصل أمل الخروج في قيدة (( سندبادك )) ، ويقول في صورة معبرة ، بعد العنوان الرامز :

          شعب شايل فجر فارد

          ألف فارس فوق جبينك ص63

     أما قصيدة (( أصل وصورة )) يؤكد أن لحظة الخروج قد بدأت ، وانه قادر على التغيير فيقول برمزية لها مدلولاتها:

          أنا شليفك انك فنان

          وانك هتحاول من تاني

          رسم الملمح..

          للوش الناطق بالمعنى ص 66

     على عكس ما نطالعه في القسم الأول ، في قصيدة ((صفحة بيضا )) ، عندما يقول :

          ارسميني طفل حاضن صفحة بيضا

          لسه ماتعلمشيرسم ...

          أي ملمح مش طبيعي ص7

     أو كما يقول في قصيدة (( روح مهجورة )):

          واستنيت الكون ويايا

          يرسمفيّه ملامح فارس ص19

     ويقول في ذات القصيدة :

          ترسم بيّه الكون حواليه

     أو كما يقول في قصيدة (( عنوان غلط )) :

          ويرسلمي الزمن مركب ص55

     لقد آن الآوان لخروج الفارس من المتاهة بعد دخوله فيها ، آن الأوان للخروج من العنوان الغلط .. فقد استطاع ان يمسك بالفرشاة ويرسم ملامح الصورة واضحة جلية .

     لذلك نجد القصائد التالية في القسم الثالث (( الخروج )) ، عامرة بمفردات العشق ، الانتصار ، الشروق ، كما في قصيدة (( كتاب التاريخ )) ص 68 ، يقول :

          فارد جناح

          رحال مع الطير المسافر للشروق

          واخد معاك

          للشمس في حضن الجبل اول شعاع

          من ضي روح الفجر روحك

          من سطور العشق بتولي الشراع

     ونجد في قصيدة (( للبحر )) نفس الشروق والبهجة بلحظة الخروج والانتصار ، يقول :

          يحضني شعاع الفجر الأول

          طير وصباح

          ونسيمي حب النور

          فزهور من روحك حب حياة

     ونلحظ الصمود والتحدي في قصيدة (( ضل حيط )) عندما يقول :

          ولو انكسر

          ضلك على السور إعدله

          أو مد له .. يدك يقف ‍

          أو شدله الشمس اللي غابت

          بين ضلوعك تغزله ‍!

     وبعد :

     ان الشاعر ( محمد محمدين ) في ديوانه ( عنوان غلط ،بأقسامه الثلاثة( الدخول - المتاهة - الخروج ) يدخلنا في بحر شعر العامية ، بلغة راقية ، وصورة مكثفة ، وقدرة على طرح الرمز الجميل المعبر الذي يتناسب وشعر العامية ..

     انه شاعر قادم إليكم بمفرداته الخاصة ، وقد استفاد من تجارب شعراء العامية الذين سبقوه ، ولكنه لم يقلد، فجاءت قصائده تحمل هويته ، ومفرداته معبرة عن ذاته ، وتجاربه مؤثرة فينا بوهجها بما تحمله بين دفتيها من حون عميق، وإنتماء جميل ، وشعرية تطلق لخيال العنان .


* - الشاعر محمد محدين محمد من مدينة ( المراغة ) سوهاج

 

 

محمود المزلاوي

 وأوجاع الوطن

     كما ذكرت في كتابي (( عزف على حرف الأحبة )) بأن جيل الثمانينات استطاع أن ينقل العامية من المباشرة والسطحية إلى الصورة المركبة التي تناوس القصيدة الفصحى وتضاهيها في تطورها ، وجيل الثمانينات لم ينخلع من تراثنا الشعري ، فهو نبت جديد من بذرة بذرها بيرم التونسي وصلاح جاهين وفؤاد حداد وعبد الرحمن الأبنودي  ومن قبلهم فن المواليا والخرجة ، والتراث العربي عامر بفن العامية الأصيل المتجذر  ، ومازالت رباعيات ابن عروس تدهش القارئ وتعبر عن واقعنا ، ومازالت زجليات بيرم التونسي  تعبر عن أوجاعنا بطزاجتها المتجددة ، وهكذا جاهين ومازال البنودي ، هذا التواصل الجميل ، والتجدد الدائم في قصيدة العامية لأنها نابعة من الشعب ولصيقة بالجمهور ، معبرة عنه ، بلغته ، ومن شعراء العامية في سوهاج الشاعر محمود المزلاوي ، وهو شاعر يغزوك بمفرداته الثورية المتشابكة في بحر الوطن ، المنصهرة في كيان الإنسان المصري البسيط الرافض الإنحاء ، المتمرد على واقع لا يرضاه ، المهوم بلقمة العيش ، لذلك نجد القصيدة عند المزلاوي ساكنة على فوهة بركان ، لاتخلو مفرداتها من هذه المفردات المشتعلة بالحمم ، الألم ، الآهات ، البكاء ، الجراح ، القهر ، الموت ، الصراخ ، القلق ، الخ تلك المفردات المعبرة عن هذه الثورية ، حالة الرفض ، حالة الوجع / الوطني ، فالوطن هو هم شاعرنا ، منه ينطلق ليكتب قصيدته ، رغم حالة الوسطية التي يطرحها في قصيدة(( أنا شاعر )) ، والذي يقول فيها :

أنا بعترف

إني غير البشر

اكمني انا شاعر

بطعم الآهة في صدرورهم

بمية عمري أطهرهم

واسعدهم

وأشيل الآهة أنا عنهم

     كيف يتنزع شاعرنا الآهة من القلوب وهو الذي يدميها بكلماته ، كيف وهو يضرب على أوجاعنا بمقلاع الحقيقة ، ويحرث واقعنا ليكومه أمامنا ، كيف ؟ وهو يضعنا أمام الحقيقة (( لا أختيار )) هكذا يطل عنوان القصيدة / بوابة الوجع ، يعتصرأوجاعنا ليقدمنا لنا في كوب مر ، يرسمه بفنية في صورة معبرة عندما يقول في نهاية القصيدة / الوجع :

ياتحني ضهرك ويمشي قدامك قفاك ؟‍‍

ياتموت بقهرك

ويحرم المشي في عزاك

     هذه الصورة الكاركتورية تعبر عن خط الشاعر الشعري ، ونهجه في طرح أوجاعه ، يعبر عن هذا الوجع بفلسفة واضحة في قصيدة (( أتنين واحد )) طارحا تلك الإزدوجاية والانقسام / الإنفصام ، بكمات بسيطة تحمل المغزى وترمي إلى هدف سرعان ما يدخلنا بتلك الكملات البسيطة والصورة الكلية للقصيدة ، وهكذا أيضا قصيدة (( جرح الذكريات )) ، يدلف بنا هذا الوجع / الشركة ، عندما يقول بتلقائية حميمة :

مفطوم على صدر الألم

والقاني زيك ياوطن

عايش جريح الذكريات

وفي قصيدة (( صرخة تاهت في الطريق )) ، هذا العنوان اللافت الذي يجعلنا نبحث عن أسباب الصرخة ، وسبب توهانها في الطريق ، لماذا ضلت طريقها ؟ . وسرعان ماتفتح أبواب القصيدة لنا الطريق لنزع علامات الإستفهام ، عندما يدخلنا الشاعر منذ السطر الأول من القصيدة في عمق الواقع/ الحقيقة وهو يقول:

معدش يابا كلمتك

ولاعاد تخوف نظرتك

دابت حصير المصطبة

واتغيرت كل البيبان

حتى الحيطان ...

خايفة الزمن يفضح شروخها

اتسترت ..

واتلونت حسرة والم

واتسطرت ..

مكان حصيرة لمتك

رصفان ...

كل شيء تغير ، غيرت الأوضاع الحياتية وانقلبت الموازين ، غطى الجيد على القديم ، واستطاع الشاعر أن يعبر عن التوهة / الضياع ، طارحا الرمز المتكرر المعبر : عكازك النايم - ابريق وضوءك - تنام على القش وسط الجرون - تغني النوارج - المدراية .

     كل هذا ضاع وفقد ، كما فقد كل عادات جميلة ، من صلة رحم وترابط ، وصدق ، وغيم وخيم الزيف والخداع على الواقع . إن الشاعر استطاع أن يعبر عن هذا الوجع رامزا بالأب رمز الماضي الجميل ، رمز الإمتداد إلى الحاضر ، ومن خلاله تتم القطيعة بين الحاضر / الوجع ، ويضع الحقيقة نصب أعيننا :

لحم كتافك خلاص

معدش يجي على المقاس

كل الشواهد ترفضه

وتصنفه مش من هنا

هذه الصرخة الموجعة ، استطاع الشاعر أن يدلف بها في اعماقنا ، يعري واقعنا ، معبرا عن تلك الصرخة التي تاهت في الطريق .

رغم هذا الوجع ، هناك أمل في الخلاص ، يرسمه في العديد من القصائد كما نراه في قصيدة (( الفجر في عيونك )) فالعنوان يسقط الدلالات ، ويضع حدودا للعلاقة بين الفجر والعيون ، الفجر رمز النور / الوضوح الخلاص ، والعيون هي التي ترى ، تبص تلك العلاقة المزدوجه تطرح هذا الأمل النارزح من وجع الوطن المتسربل في كيان الشار ، تقول في القصيدة :

دقيت ببان الليل

وانا واقف على جفونك

ندى جبينك ضي

واتسرسب على الخدين

قمرين ...

واستدارات الححلم

مستني طلوع الفجر

في عيونك ..

    ونجد هذا الأمل في قصيدة (( حلم )) عندما ينتظر الشاعر الشمس / الرمز ، لتشرق وليد.

   هذه إطلالة سريعة ،ووقفة مع شاعر عامية متميز ، يعبر عن هموم جيله ، وطنه .

  

 

سماح عبد العال وهج الجنوب

     كما صلاح جاهين الذي غنى للبسطاء ، كما فؤاد حداد ، كما الأبنودي الذي غنى للطين والناس الغلابة ، كما عشري عبد الرحيم الذي ينحت الحدوتة من البسطاء ، أهل الجنوب ، من الكلمة البسيطة ، الرائقة تنسج الشاعرة الشابة -الواعدة سماح محمد عبد العال - قصائدها ، تغزل بالبساطة شعرها ، يخرج من طين الأرض ، من وهج الصعيد ، من قلب وعقل بنت صعيدية تربت على القيم والمبادئ ، عاشت على البساطة ومنها انطلقت ، فجاء شعرها ماسا للقلوب ، مناوشا العقل ، ضاربا على مشاعرنا وأحاسيسنا بشجنه وحزنه ، ودفقته المتوهجة ، فسرعان ما سكنت كلماتها قلوبنا كالوشم ، كنقش الحنة ، أنها البنت الصعيدية التي تعبر عن بنات جنسها ، وتدلف بوعي وحنكة لمشاكل وطنها ، وما يفصل بينهما قيد أنملة ، ترسم صورها الجميلة / البسيطة / المدهشة ، لتغزل على مشاعرنا أحلى قصيدة ، أنها الشاعرة المحملة بمشاعر حزينة ودفينة ، تتسم بها قصيدتها ، وتضيف إلى وهجها الكثير ، وحضورها قوة ، تتدفق كلماتها بالمشاعر والأحاسيس ، فلا عجب عندما تعتصر قلوبنا بالكملات ، ونقف في حضرة القصيدة نتوجع معها ، نشارك تلك الوجع السامق في القصيدة ، المتوغل بعمق ، حتى أصبح سمة من سمات قصيدة سماح .

      أنها شاعرة تعبر عن مشاعر الأنثى بأسلوبها ، وفنيتها ، والمطالع قصيدة (( لفة الحنة )) ، والتي تحمل عنوان ديوانها ، وما يرمز له من دلالات ، سيتعرف على سمات القصيدة عند سماح وقدرتها على رسم الصورة البسيطة / الجميلة ، التي تدهشك في نفس الوقت على الرغم من بساطتها ، وشدها من المفردة اليومية في تركيبة سشعرية مغايرة ، تقول في مطلع القصيدة :

          تنام الليل

          وأنا صاحيه على شباكي بستنى

          تفوت نجمة وراء نجمة

          وبسألها عن الجنة

     لاحظ أسلوب الحكي المتنامي في بناء القصيدة ، ثم تواصل بوحها للحبيب :

          عيونك لون سواد الليل

          ولا حتة من الحِنة

          عميت ف الليبل

          وخلاني أدوس ع الشوك

          ولون الحنة وراني

          غروب الشمس

     توظيفها هنا للحنة ، وترميزها لها ، ووضعها في هذه الصورة البسيطة الموحية دليل على قدرة الشاعرة على توظيف المفردة اليومية البسيطة ، المفردة الصيقة بها ، التي تحمل خصوصية انثوية ، ثم تواصل هذا التوظيف الجميل :

          كرهت اليل

          كرهت الحنة من يومها

          وكل الناس ف ليلة الفرح

          تتحنى

          وأنا ببعد عن الحنه

          بخاف منها

          وأخاف لابعد

          وأخاف ليقولوا خلصت يوم

          تجيني ف كاس واشربها

     هذه الصورة المركبة التي تعبر عن الحالة النفسية التي استطاعت أن توصلنا لنا الشاعرة من خلال علاقتها بالحنة ، من خلال تلك العلاقات المشحونة داخل القصيدة ، والمتتالية ، والتي رسمتها الشاعرة بفنية ، طارحة هذه العلاقة بكل مافيها من وجع ، وفي نهاية القصيدة ترسم الشاعرة لحظات الأمل / الخلاص / الرجوع ، تعبر عنها بصورة بسيطة / عميقة ، وهي تقول :

          وأنام الليل ورا الشباك

          يجيني الصبح واستناك

          تجييني في لحظة جايبلي

          ف إيدك لفة الحنة

          ساعتها حاخدها واتحنى

          تحني إيدينا وتغني لنا

          كل الناس

     أننا أمام شاعرة ، قادرة على رسم الصورة الجميلة ، قادرة على غزو مشاعرنا ، والولوج داخل مسامات احاسيسنا ، تنحت لنا بالكلمة البسيطة ، الصادقة أجمل القصيد ، ولنا وقفة أخرى من ديوانها الذي يفجر الكثير ، ويطرح ثمار ناضجة واعدة .


محمود رمضان محمد الطهطاوي

 
 
  الرئيسة  
  ذوب القلوب
 الرسائل
 
     البريد المباشر  
  الشعر  
  الرواية  
  المسرح  
  القصة  
  مداخلات نقدية  
  الدراسات والبحوث  
  همس التواصل  
  بريد الكتاب والأدباء
  أخبار المعرفة والإبداع
  الدوريات الثقافية
  توثيق العضو الجديد 
  باحة الأعضاء
 

 

 
     
     
 

وكالة آرس

 
 

غابة الدندنة

 
 

عن المحرر

 
 

شاهد صفحتك

 
 

مقدمات

 
 

وقفة تقديم 

 
 

انصهار الذات .. امتزاج القصيدة 

 
 

 نحو منهج نقدي 

 
 

شعر الفصحى

 
 

د. محمد أبو دومة
بين ليلى وفاليري

 
 

مشهور فواز
ظاهرة التمرد

 
 

سعد عبد الرحمن
حدائق الجمر

 
 

المنجي سرحان
فلسفة الحزن

 
 

حزين عمر 
محطات وهج القصيدة

 
 

عبد الناصر هلال
ترويض الذات

 
 

محمد خضر عرابي
الرقص في حانة  الوجع

 
 

بهاء الدين رمضان
صباح العشق

 
 

عارف البرديسي 
المشي على البكاء

 
 

أحمد جامع
اشتعال القصيدة

 
 

شعـر العـامـية

 
 

أحمد المنشاوي

 
 

عشري عبد الرحيم

 
 

محمد محمدين

 
 

محمود المزلاوي

 
 

سماح عبد العال

 
 

عـروض نقدية 

 
 

محمد خليفة الزهار
قصائد من ديوان الموت والوجع

 
 

مستقبل الثقافة العربية

 
 

تكنولوجيا أدب الأطفال

 
 

موسيقا للبراح والخديعة

 
 

طالع المزيد

 
 

الروايات

 
 

يا عزيز عيني

 
 

للعشق أوجاع.. هذه منها 

 
  طالع المزيد  
     
     
     
     
 

النصوص المسرحية

 
 

الخروج إلى القلعة

 
 

مونودراما عـطاف

 
  طالع المزيد  
     
     
     
 

التراث العربي

 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
  online = خدمات ثقافية  
  owner = المواقع الأدبية  
  moderator =المجلات الإلكترونية