/arsproxy/ars.htm
غابة الدندنة - موقع الشاعر المصري علاء الدين رمضان  - عن المحرر - وكالة آرس

Welcome, مرحباً (مرحباً ) شاهد صفحتك - مجلة أهل الغابة   

غابة الدندنة  
· مجلة إلكترونية تعنى بشؤون الأدب العربي وقضاياه

غابة الدندنة 
.. مجلة أهل الغابة من موقع الشاعر علاء الدين رمضان 
عضو جديد 
[ توثيق العضو الجديد باحة الأعضاء ]

الثقافة العربية 
وعصر المعلومات
 
رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي

بقلم : محمود رمضان محمد 

مواجهة جادة يحاول من خلالها الدكتور " نبيل على " أن يعري مجتمعنا العربي ، يطرح واقعنا بكل صدق ، يواجهه بكل ما حولنا على سطح القرية الكونية التي تتقارب وتتقارب حتى أصبحت كشارع صغير  بيوته من زجاج الكل يعرف عن الكل ، يطرح الأسئلة / المواجهة ، طارحا إشكالية الثقافة العربية وعصر المعلومات ، بصورة تقترب من الموسوعية وتدل على الخبرة الواسعة ، والثقافة الشاملة ، مازجا/ طارحا، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي ، من الواقع المعاش والمأمول ، فجاء كتابه الموسوعة (( الثقافة العربية وعصر المعلومات )) المعنون بعنوان فرعي : (( رؤية لمستقبل الخطاب العربي )) ، طارحاً في تمازج وإنصهار ، وتفتيت ، وأسئلة ملحة ، ومواجهة للواقع بعقلانية شديدة تضع الحقائق دون تزييف ، طارحا عناونين متداخلة ومتفرعة ، وإحالات إلى الأمام وتارة إلى الوراء ، على مائدة الحوار ، الثقافة من كل جهاتها ، الفكرية والثقافية ، والتربوية ، والإعلامية ، واللغوية ؛ من خلال منظومة التكنولوجيا والمعلومات ، من منظور عربي معلوماتي ، متخذا منهجاً ثنائيا يشمل الطرح العام ، يليه المنظور العربي ،مفتتا العوامل الخارجية والداخلية ، من خلال تسعة فصول التي تملأ حيز صفحات يقترب من (600) صفحة .

     هذا العددالأول من سلسلة الأعمال  الخاصة من سلسلة " عالم المعرفة - العدد 265-الذي أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب بالكويت ، في يناير 2001 بمناسبة إختيار الكويت عاصمة ثقافية لهذا العام (2001) ، لتقدم لنا عاصمة الثقافة العربية مواجهة حقيقية مع واقعنا الثقافي / التكنولوجي ، من خلال طرح ملامح المشهد العالمي الثقافي/ المعلوماتي ، يقابله ملامح المشهد العربي الثقافي / المعلوماتي ، كما يطرحه الفصل الأول من هذا الكتاب ، ثم يطرح في الفصل الثاني منظمومة تكنولوجيا المعلومات (منظور ثقافي ) ، يقابله في الفصل الثالث : منظمومة الثقافة ( منظور معلوماتي ) ، وفي الفصل يطرح : توجهات الفكر الثقافي ، ينبثق من ذلك باقي فصول الكتاب : منظومة القيم والمعتقدات ، ثقافة التربية ، ثقافة اللغة ، ثقافة الإعلام ، ثقافة الإبداع الفني .

  هذا الكتاب / الدراسة  .. يتناول " علمية الثقافة " لا " الثقافة العلمية " بعد أن صارت الثقافة المعلومات صناعة قائمة بذاتها .

     وقد إلتزمت الدراسة بتوجهين رئيسيين :

    `التوجه المنظومي System approach بالنظر إلى الثقافة كمنظومة مكونة من منظومات فرعية عدة ، يتكون كل منها - بدوره من مجموعة من العناصر الداخلية ،وشبكة من العلاقات التي تربط المنظومة الفرعية بخارجها .

` توجه التناول المزدوج ، حيث يبدأ تناول كل مسألة بــ" طرح عام “ كخلفية ضرورية لطرح المسألة ذاتها من " منظور عربي " .

    أردنا التوقف عند منهج الدراسة وطرحه كاملاً أمام القارئ لأنه سيسهل علينا فك الأشتباك / النظام ، للعناوين الرئيسية والفرعية ، والمتداخلة بهدف إلقاء المزيد من الضوء وطرح الكثير من الرؤى لمنظومة الثقافة المتداخلة بالتكنولوجيا والفكر الإنساني من لغة وقيم ومعتقدات وتربية وإبداع فني وإعلام .

العرب وحوار الثقافة والتقانة

     في هذا الفصل يطرح الأضداد التي تتآلف بقوة ، فأصبح في هذا العصر ( عصر المعلومات ) ، المعرفة قوة والقوة معرفة ، المعلومات مال والمال أوشك أن يكون مجرد معلومات ، والتضاد يدخل في المجتمع فتتعلم الأجيال السابقة من اللاحقة والعكس ، لقد أختلطت الأضداد وتداخلت ، وأصبحنا في عصر " نهاية الأضداد " ، نهاية تضاد الجميل والقبيح في الفن ، اليسار واليمين في السياسة ، الصادق والزائف في الإعلام ، الموضوعي والذاتي في العلم وهكذا .. ويؤكد أننا نواجه عالماً زاخراً بالمتناقضات يتوازى فيه تكتل دُوَله مع تفتت دويلاته ، ولايفوق نموه الاقتصادي إلا زيادة عدد فقرائه .ويسأل أين تلك العقلانية في زمن صار فيه من تعرف أهم من ماذا تعرف ؟! . وفي الوقت الذي مازال فيه البعض أسرى الثنائي القاطع ، يسعى الكمبيوتر التخلص من هذه الثنائية باللجوء إلى الحدس ، بل أين الإنسانية في حاضر يسعى فيه أهله إلى " أنسنة " الربوت .أنه محاض عسير تمر به البشرية . فيه تتشكل النهايات : نهاية المدرس بتوسيع نطاق استخدام الكمبيوتر في مجال التعليم ، نهاية : الميتافيزيقا : بعد اقتحام تكنولوجيا المعلومات والهندسة الوراثية مناطق غائرة في مخ الإنسان ، نهاية الذاكرة : والإعتماد على ذاكرة الكمبيوتر ، نهاية الوسطاء : ودخول الوسيط الآلي .  ويؤكد الكاتب إن عصر البساطة ولى وإننا نواجه أخطر ظاهرة اجتماعية واجهتها البشرية على امتداد العصور ،  أننا نواجه ثقافة ثائرة وتقانة هادرة ، وأنه تحد جسيم يواجه أمتنا العربية ، تحديات علمية وتكنولوجية واقتصادية ، فكيف نواجه مجهول ثقافة المعلومات ، يقترح الكاتب بشأن الكيفية ركائز أربع  : أولها قدرة الحكومة على اقناع مواطنيها بالتغيير ، وثانيها : إقرارنا بحجم المشاكل وخطورتها ، وثالثها : أن نجمع بين علاج القديم وبناء الجديد ، ورابعها : إيجاد استراتيجية بديلة عن السياسة تتخذ من الثقافة محورا لها .

     ويطرح الكاتب الأسئلة في إطار ( ماذا يجري من حولنا ؟ ) ، من ضجيج حول الإنترنت ،والعولمة ،والإهتمام بالخيال العلمي ، والإندماجات العملاقة ، وإتفاقات الجات والأمور الفكرية ، وثورة التنظير اللغوي التي تصاحب التكنولوجيا ، وفيروس الكمبيوتر ، ومشروع الجينوم ، والذكاء الاصطناعي . اسئلة متشابكة يتوقف عندها ليطرح بها الأسئلة مرة أخرى في إطار ( ماذا جرى لنا ؟ ) ويؤكد في البداية أننا أمام حقائق مزعجة ، فأدائنا أدنى بكثير من قدراتنا ، وما حققناه أقل بكثير مما أنفقناه ، ويطرح الأسئلة : ماذا جرى في وسط موجة التكتلات العالمية والإقليمية ، لنعجز حتى الآن عن الوصول إلى صيغة الحد الأدنى لتكتل عربي ، لماذا فشلت مجتمعاتنا في أن تصنع فلاسفة  يقيمون لنا صروحا فكرية شاملة ، وكيف نجد من بيننا من لايزال يرى حقوق الإنسان والديمقراطية أمراً غريبا لا شأن لنا به ، ولماذا لانرى اندماجا بين مؤسساتنا الإعلامية ولماذ تنسج بعض دولنا استراتيجية أمريكا فيما يخص الإنترنت ، وما كل هذا الانزعاج من وجود روافد ثقافية فرعية تصب في المسار العربي العام ، وماكل تلك المآتم التي ننعي فيها معظم أمورنا ثقافتنا من شعر ومسرح وسينما ونقد ، وإهمال للغة ، خصومة فكرنا القومي والديني والعلماني والسلفي،كيف تركنا  اسرائيل تلفت حول رفضنا المعلن للتطبيع معها ؟ لتغزونا بمنتجاتها الصناعية والزراعية . ماتلك الأرقام الهزيلة في مجال الترجمة ، كيف ارتضينا أن ينوب عنا غيرنا في صناعة صورة ثقافتنا فالمعجم المفهرس للقرآن  قام به مستشرق الماني ، ومعجم الحديث النبوي قام به مستشرق هولندي .

     وفي ظل هذا الذي جرى لنا ؟ ( ماذا سيجري بنا ؟ ) وكما يقول الكاتب ... ستتقلص سادة حكومتنا ، وربما تمنعنا قلة مواردنا عن إقامة البنى التحتية لطريق المعلومات الفائق السرعة ، وستتقلص فرص العمل بسبب العولمة ، وربما تعجز مؤسساتنا التربوية عن تلبية المطالب المتجددة لسوق العمل ، وستتفاقم تبعيتنا الفكرية ، وستخترق اسرائيل سوقنا الثقافي وتتمادى في تشويه صورة ثقافتنا العربية والإسلامية ، وسندفع كلفة باهظة لرسوم الملكية الفكرية ، وستحدث فجوة لغوية حادة تفصل بين لغتنا العربية ولغات العالم المتقدم ، وستضمر ثقافتنا أمام جحافل ثقافة العولمة . فالعولمة سوف تقلص من سلطات الدول .

     ويرى الكاتب أنه لابد للثقافة من أن تصبح هي محور التنمية ، بعد أن أصبحت تكنولوجيا المعلومات من أهم أدوات صناعة الثقافة وأهم قضاياها الاجتماعية ، فانتشار تكنولوجيا المعلومات وانصهارها في الكيان المجتمعي ، سيجعل من المعرفة أهم أسس السلطة وأبرز عوامل الترابط الاجتماعي ، وقد صار في حكم اليقين عدم إمكان الفصل بين قضايا التنمية وأمور الأخلاق ، وصلة تكنولوجيا المعلومات بالأخلاق ستزداد وثوقا باطراد خاصة بعد لقائها مع التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية .

اسرائيل كخصم معلوماتي :

     تحتل التكنولوجيا الرفيعة بصفة عامة ، وتكنولوجيا المعلومات بصفة خاصة إهتمام بالغ في عقل ساسة إسرائيل ، ، وفور نشأتها سعت إسرائيل إلى إقامة قاعدة علمية / تكنولوجية لدعم المجهود الحربي ، وكانت ركيزتها معهدا وايزمان وتينكون ، اللذان يحظيان بتقدير كبير في الأوساط العلمية العالمية ، ويبلغ معدل النشر العلمي في إسرائيل عشرة أضعاف المتوسط العالمي ، وتعد جامعاتها أعلى الجامعات في معدل تسجيل براءات الاختراع . وفيما يخص بعدد العلماء والفنيين تأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان ، وتعد أكثر الدول نشاطا في إقامة العلاقات العلمية ، واتفاقات التبادل الأكاديمي ومشاريع التعاون البحثية ، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية . ونجحت في تأمين مواقع متقدمة  لها في معظم فروع هذه التكنولوجيا المحورية ، وعلى صعيد شبكة المعلومات تأتي إسرائيل رغم قلة عدد سكانها في المرتبة العشرين على مستوى العالم ، والشيئ الخطير الذي يلفت الكاتب نظرنا له هو ماتقوم به شركة مايكروسوفت بضم اللغتين العربية والعبرية تحت إدارة واحدة ، وهذا يتيح لليهود النفاذ للتفاصيل الفنية الدقيقة لتعريب نظم المعلومات ، ومدى الخطورة هنا أن تتولى إسرائيل نيابة عنا مهمة معالجة اللغة العربية آليا ، فعندئذ تكون قد حلت بنا كارثة ثقافية كبرى . وكمؤشر آخر لتقدم إسرائيل التكنولوجي تداولها لأسهم مائة شركة إسرائيلية في بورصة نيويورك للأوراق المالية المتخصصة لشريحة الشركات العاملة في ميادين التكنولوجيا المتقدمة والمعروفة بسم Nasdaq ولايفوقها في هذا العدد إلا أمريكا . واسرائيل كخصم ثقافي فلديها مقومات أساسية تجعلها خصم ثقافي عنيد مثل: تعدد اللغات داخلها ، وخبرتها في استخدام الأسلحة الثقافية ، فهي تقدم نفسها للعالم بأنها بلد صغير تنصهر فيه الثقافات المتعددة الوافدة ، وكثرة علماء اليهود في جامعات أوربا وأمريكا ، وذخيرة علاقات التبادل الثقافي وجمعيات الصداقة التي أقامتها في مختلف بلدان العالم ، وتأتي إسرائيل في المرتبة الثانية بعد الدنمراك في معدل نشر الكتب بالنسبة لسكان العالم ، وتولي إهتماما خاصا بالترجمة الآلية، ولديها حركة مسرحية نشطة بجوار الموسيقى الإكاديمية والشعبية .

تحديات المثقف العربي :

        في هذا الخضم الهائل من التكتل والصراع ، وميلاد الجديد وتراكمه مع القديم في وقت قصير ليبرز غيره ، تواجه المثقف العربي تحديات كثيرة منها مايتعلق بالداخل ، مثل : حشد التكتل العربي ضد التفرقة ، ولم شمل النخبة المثقفة وإعادة الحوار ، والتصدي للروح السلبية ، وتفعيل قنوات التواصل ، والتخلص من الثنائيات الفكرية ، والتصدي لأزمة اللغة العربية ، ونزع فتيلة الخصومة بين العلم والدين ، والاهتمام بالمرأة والطفل وكبار السن ، وتشجيع إقامة صناعة ثقافية تقوم على ركيزة صناعة المعلومات ، وتنمية الوعي بأهمية التراث ، والعمل على إحياء الفكر الفلسفي .

     أما تحديات الخارج مثل : تهيئة الشعوب العربية للصراع الثقافي - المعلوماتي مع الخصم الإسرائيلي ، والتوعية بسلبيات العولمة ، وكيفية إقامة حوار متكافئ مع ثقافة الغير ، أما عن تحديات المثقف نفسه فتشمل : التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن ، والتخلص من عزلته الذهنية المفاهيمية ، واستيعاب الجوانب الثقافية والاجتماعية للمتغير المعلوماتي ، وتجديد عدته المعرفية ، وأكتساب مهارات التواصل عبرالإنترنت .

منظومة تكنولوجيا المعلومات

    في بداية هذا الفصل يستعرض الكاتب تاريخ وجيز لتكنولوجيا المعلومات ، بداءة من الكمبيوتر الضخم ، ثم الكمبيوتر الميني ، يليه الميكرو ، الإنترنت ، الواقع الخائلي ؛ صاحب هذا تطور في البرمجيات ، من معالجة البيانات ، ومعالجة المعلومات ، ومعالجة المعارف ، والتطور في نظم الاتصالات من أسلاك النحاس إلى الألياف الضوئية . هذا بالنسبة للطرح العام ، أمام على مستوى المنظور العربي ، فيرى الكاتب أننا يجب إعطاء الفرصة للشباب ، فصناعة المعلومات تقوم على أكتافهم ، ويقترح التركيز على شق البرمجيات لكونها الركن الركين في منظومة تكنولوجيا المعلومات .

    وعن فضل التصغير والرقمنة، يذكر في الطرح العام أهم النطاق وهي : تحقيق المعادلة الصعبة لأنها جمعت بين الأكفأ والأعلى قدرة ، وبين الأرخص والأكثر سهولة ، وعن فضل التصغير فقد شمل كل شيء من وحدة البناء الأساسية لوحدة التخزين ، وتناثرت " منمنمات تكنولوجيا المعلومات في كل اتجاه حتى أخترقت جسد الإنسان ، وأوشكت أن تنفذ إلى خلاياه . ومن المنظور العربي فقد ساعد انخفاض كلفة تكنولوجيا المعلومات على سرعة انتشارها ، وفي والوقت نفسه هذه الميزة الاقتصادية يضيع منها قدرا كبيرا بسبب ظهور طرازات أحدث وأكفأ ، وهذا يحتاج تنمية القدرات العربية في مجال التقييم التكنولوجي لتعقب مسارات التطور الفني وتوجهاته ، وعن سهولة الاستخدام فالتعامل سطحي وعد م الغوص في جوف المعدات ، ويرى الكاتب ضرورة تعليم صغارنا مبادئ البرمجة باللغة العربية .

      وعن علاقة منظومة تكنولوجيا المعلومات بمنظومة السياسة فالإنترنت ستفضي إلى إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية ، وتسمح بظهور أشكال جديدة للممارسات الديمقراطية .

     وفي مجال الإقتصاد ، فالمعلومات سلعة اقتصادية ، والاندمجات الاقتصادية الضخمة تتم حاليا في قطاع المعلومات والإعلام ، والأمور المتعلقة بالملكية الفكرية .

     أما عن العلاقة بالتكنولوجيات الأخرى ، فهي ذات صلات مبشرة بقطاع الثقافة ، وتتوثق أوصالها مع تالتكنولوجيا الحيوية .

     وعن المنظور العربي : فعلى المستوى السياسي فهناك من يعتقد إن الإنترنت سوف تسقط الحلقات الوسيطة بين الحكام ، وهذا سيؤدي إلى مزيد من التدخل للسيطرة على الجماهير ، وعلى المستوى الاقتصادي : ارتفاع كلفة البني التحتية ، النظر للملكية الفكرية بمنظور المستورد ، التصدي لمحاولات إسرائيل لاختراق السوق العربية .

     وعن ظاهرة الإنرنت ، فقد أصبحت نافذة الإنسان يواجه من خلالها العالم رغم إتساعه ، وعن التوجهات الرئيسية للإنترنت ، فقد تحولت الشبكة من منتدى علمي إلى سوق للتجارة الإلكترونية .. وعلينا ألا نرضخ إلى استقطاب الشبكة لأمور التجارة إنما نتمسك بمهمتها في توفير المعلومات للإسراع من عملية التنمية ، وتحولت من تبادل البحوث إلى تسليع الثقافة ، ويجب الأخذ في الاعتبار أن نجاح صناعة الثقافة يتوقف على التحكم في مصادر اقنناء المحتوى خاصة فيما يخص التراث الذي عادة ما ينظرون إليه كمورد عالمي مشاع ، وأتجهت الشبكة نحو مزيد من الاندماج والاحتكار ، وعلينا أن نقوم بحشد الإمكانات والمشاركة في الموارد الإعلامية ، والتصدي للنزعة الاحتكارية ، وأيضا تحولت الشبكة من النصوص إلى التناص ومن الخطية إلى التشعب .. ولاشك أن الإنغلاق النصي يؤدي إلى انعزالية وثائقنا الإلكترونية ، وضعف فاعلية مواقعنا العربية يرجع غياب علاقات التشعب والتناص إلى أسباب عدة أهمها : قصور خدمات المعلومات .. ونقص الدراسات عبر التخصصية .. والدراسات المقارنة .. وحواجز الاستبعاد المعرفي بدعوى التصدي للتغريب . وأيضا تحولت الشبكة من الإستاني إلى الدينامي ، أو من العرض فقط إلى التفاعل المتمثل في حلقات النقاش وعقد المؤتمرات ، ولذا ستكون الغلبة لصاحب الرسالة التي تتسم بالتفاعل .

      أما عن الخائلية .. فيؤكد الكاتب لاوجه للمقارنة بين خائلية الماضي وخائلية عصر المعلومات ، فخائلية عصر المعلومات أقرب ما تكون إلى الواقع ، أو بمعنى أدق يخال لك أنك في الواقع ، والواقع الخائلي هو الرتبة الثانية على سلم الخائلية ، وهو يمثل ذروة ما وصلت إليه تكنولوجيا المحاكاة الرقمية . إنه ثمرة " هندسة الخيال imaginering " التي تجمع بين العلم والفن والتكنولوجيا ، مستغلة خداع الحواس من أجل إقامة عوالم وهمية من صنع الرموز . لقد أسقطت نظم الواقع الخائلي الحاجز الرابع لينفذ مستخدمها إلى ما وراء شاشة الكمبيوتر ، يجوب عوالم الوهم متحررا من قيود الجسد وقيود الطبيعة وقيود القوانين ، ليبحر إلى أزمنة الماضي ويقتحم أزمنة المستقبل ، مستهدفا هذا المزيج المتكامل من حواس السمع والنظر واللمس . ويشير الكاتب أن إسرائيل تسعى حاليا إلى بناء نماذج خائلية لمدينة القدس العربية ، وأن جامعة كارنيجي مليون ومتحف اللوفر يجريان تجاربهما الخائلية على كنوز مصر الفرعونية ، ويخشى أن نجد أنفسنا تجارب فئران لمغامراتهم الخائلية . أننا في حاجة إلى معامل خائلية لصناعة سياحة خائلية موازية لسياحة الواقع قبل أن يفعلها غيرنا .

منظومة ثقافة المعلومات

     يستهل الكاتب هذا الفصل بموجز تاريخي لدور المعلومات مجتمعيا بدءًا من الكتابة الهيروغليفية التي احتكرت المعرفة ، ثم الألفباء الفينيقية التي سجلت المعرفة ، فمطبعة جوتنبرج الذي ساعدت على نشر المعرفة ، فالكمبيوتر وبرمجياته الذي توظف المعرفة ، ثم تجارب توليد المعرفة والواقع الخائلي . ولأسباب تربوية وتنظيمية وسياسية نعاني من تفكك عناصر المعرفة ( الاقتناء - الاستيعاب - التوظيف ) ، وفي ظل ثقافة الإنترنت ، نحن معرضون لحالة فريدة من الدورانية الثقافية ، أصبحنا مهددين في ظلها بفجوة لغوية تفصل بين اللغة العربية ولغات العالم المتقدم ، مثلما نخن مهددون بسلب تراثنا من فنون شعبية وأغان وأزياء .. الخ، ولابد لنا من مواجهة التعقد ، ومد جسور الحوار ، ولا يخفى على أحد قصور تنظيرنا الثقافي .. وهو إحدى النتائج المنطقية لغياب التكامل المعرفي .

     وعن علاقة منظومة الثقافة بالمنظمومة السياسية يؤكد الكاتب أن نجاح المجتمعات العربية في دخول عصر المعلومات يتوقف بالدرجة الأولى على نجاحها في إعادة تشكيل العلاقة بين السياسة ومنظومتي الثقافة والمعلومات . وعن العلاقة بالمنظومة الاقتصادية فنحن في أمس الحاجة إلى جعل الثقافة محورا لعملية التنمية .و إلى مؤسسات ثقافية تتسم بالدينامية وسرعة التكيف واتخاذ القرار ، ومن الثقافات الأخرى فنحن في حاجة لحوار الثقافات لتقوية دروعنا ضد الغزو ، ويقترح الكاتب دراسة الثقافة الامريكية بصفتها الثقافة المهيمنة ، ودراسة السياسات الثقافية لدول الاتحاد الاوربي خاصة في المجال اللغوي وأساليب تصديهم للغزو الثقافي الامريكي ، ودراسة ثقافة دول أمريكا اللاتنينية فيما يخص أوجه التشابه الثقافي اللافتة بينهم وبيننا فيما يخص وحدة اللغة والفوارق الاجتماعية ، دراسة ثقافة دول جنوب آسيا فيما يخص نجاحهم في التوفيق بين خصوصيات ثقافاتهم المحلية ومطالب التنمية التنكولوجية والمعلوماتية .

     وعن لغة الثقافة تشكو الثقافة العربية من ضمور شديد في لغة وصف الثقافة meta-Ianguage of cuIture  ، سواء على مستوى المصطلح ، أو المفاهيم الأساسية ، فالمصطلح الثقافي بطيبعته يميل إلى التجريد ، وعن تربية ثقافتنا فنحن في حاجة إلى كوادر ثقافية قادرة على إقامة الحوار ، وإعلام ثقافتنا يحتاج إلى وسائل مبتكرة ، وقيم ثقافتنا تحتاج لحرية . ويوجز الكاتب الملامح البارزة للصورة الراهنة للثقافة العربية على الإنترنت في نقطتين : غياب عنصر التنسيق والمشاركة في الموارد ، والمشهد الحزين لثقافتنا العربية نتيجة تقاعسنا واسترخائنا .. أكثر من كونه نتاجا لما يقوم به الآخرون من تشويه وطمس .، ويعييب خطابنا الإنعزالية ، وفيما يخص المجال الديني يأخذ الشكل الصدامي .

     أما عن الملامح البارزة لصورة النظير اليهودي : فيساهم في صورة الثقافة اليهودية عديد من الجماعات والأفراد ، ويغطي الخطاب الثقافي عبر الإنترنت معظم منظومتي الثقافة والحضارة من الفلسفة إلى الفولكلور ، ومن نظرية الأدب إلىقصص الأطفال ، ومن معالم التراث الثابت إلىأيقونات المعابد ألخ ، يتحاشى المواجهة السافرة بين نظيره المسيحي ، ويسعى  إلى التنسيق والتحالف معه ضد التيار افسلامي ، وحشد التأيييد للشعب اليهودي ، وهندسة صورتها الثقافية على أنها خليط من الناس والأفكار والثقافات واللغات.

منظومة الفكر العربي

     في بداية هذا الفصل يحدثنا الكاتب عن عقل الإنسان الذي كان ومازال مصدر حيرة شديدة لفلاسفة والعلماء،وهم جميعا يسعون إلى إماطة اللثام عن أسرار المخ البشري ، فجعلته مثالية أفلاطون مستقبلاً ، وديفيد هيوم جعله مرحا لحوار الانطباعات والأفكار ، وهيجل حوله لآلة لمنطقه الجدلي ، كارل بول أحاله آلة لمنطقه الجدلي ، كارل بوبر يحيله لآلة لمنطق الاستقراء ، أما أهل الكمبيوتر ومنهم ميرفين مينسكي الذي يتصور العقل مجتمعا مكونا من مؤسسات ذهنية متخصصة لم تتوقف تكنولوجيا المعلومات عند محاكاة ذكاء الإنسان ، بل تحاول أن تتعامل مباشرة مع ما بداخل جسد الإنسان ودماغه ، وذلك بتعزيز مخه بشرائح إلكترونية . ويجب علينا كعرب التوسع في تطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي ، ودراسة أثر الروبوتات في فرص العمل المتاحة ، والاهتام ببحوث تكنولوجيا المعلومات ، وإقامة الجسور العلمية والتكنولوجية بين المعلوماتية والهندسة الوراثية .

    ويدلف بنا الكاتب إلى الحداثة ومابعد الحداثة وهو تدمير للحداثة والبدء من الصفر ، وحداثة مدرسة فرانكفوت التي تريد أن تخرج الحداثة الغربية من أزمتها الراهنة ، وتعلن عن تطور مستمر منفتح عن المجهول ، وما بعد الكولونيالية الذي يقوم على مبدأ الاختلاف والتنوع ، ثم البنيوية ومابعد البنيوية .

     ويؤكد الكاتب إن فكرنا العربي يعاني من أزمة فكرية من جميع الجهات .

     وعن لغة الفكر الثقافي ، والعلاقة الوطيدة بين اللغة وبين الفكر الثقافي ، فيكمن جوهر هذه العلاقة في أوجه التقابل مثل قدرة اللغة على التجريد والطابع التجريدي الذي يتسم به الفكر ، والتقابل بين لانهائية اللغة ولانهائية الفكر .

     وعن اللغة بين الشفافية العتمة : يمكن للغة أن تكون أداة للتفسير والتوضيح والإبانة ، بالقدر نفسه - أن كون أداة للتضليل والطمس . ويتفق الكاتب مع الرأي القائل إن الغموض واللبس خاصتان أصيلتان في صلب اللغة .

    وعن تربية الفكر الثقافي هناك أزمة حادة تدين المناهج التربوية التسي أفقدت الطلاب صلتهم بماضيهم ، وعلى المستوى العربي نواجه تحديا حقيقيا في تدريس علوم الإنسانيات ، ولابد للمناهج أن تغطي الخلفية الأساسية من علوم اللغة وفلسفتها ، وهذا يتطلب توافر كوادر هيئات التدريس .

    وعن إبداع الفكر الثقافي : ستوفر تكنولوجيا المعلومات وسائل عدة لدعم إبداع الفكر الثقافي .

     وعن حوار الدين والقيم مع الفكر : فنجد فكر مابعد الحداثة ينزع عن النصوص السماوية كغيرها من السرديات الكبرى مشروعيتها ، وتخرج إلينا المعلوماتية باستعلائها الرمزي وبعوالمها الخائلية وتجعله يعيد النظر في كل شيء حوله .

     ومن هنا فإن أخلاقيات عصر المعلومات لاتقوم بمبدأ الإكراه ولكن تقوم على ضمير الفرد . وعلى مستوى المنظور العربي : لابد من فض الخصومة المفتعلة بين ديننا الحنيف وتوجهات الفكر الثقافي الحديث ، وحسم علاقة الدين بالفنون ،

     أما عن علاقة الفكر بمنظومة السياسة : فقد تخلف الفكر السياسي عن تطور المجتمع الإنساني ونحن في حاجة للبديل ، وبالنسبة للإقتصاد : فقد صارت الموارد الرمزية أكثر أهمية من الموارد المالية ، ويربط الفكر الثقافي بالفكر الفلسفي والعلمي والهندسي ، وعلى مستوى الفئات الأخرى فلابد من كسر احتكار النخبة وإتاحة الفرصة للعامة في صور مختلفة ودرجات متفاوتة .

     أما على المستوى العربي فعلاقة فكرنا الثقافي بأدائنا المجتمعي فشبه غائب ، ولابد أن ندرك أن فاعلية فكرنا الثقافي رهن الحرية السياسية ، وأن يركز الفكر الثقافي العربي على الجوانب الأخلاقية لمنظومة الثقافة ، وأن نقيم الصلات بين الفكر النخبوي وفكر الثقافة الشعبية

ثقافة اللغة

      اللغةهي الأم التي ترعي كل ناطق بها ، وكا يقول بتر برجر : ثقافة كل أمه كامنة في لغتها ، وما من حضارة إنسانية إلا وصاحبتها نهضة لغوية ، وتعدد وجهات النظر بشأنها فالبعض ينظر إليها بصفتها سلوكا ، والبعض يؤكد كونها غريزة ، وهكذا ، ولكن مع بزوغ عصر المعلومات ، تعاظم الدور الذي تلعبه القوى الرمزية وعلى رأسها اللفة ، في صياغة شكل المجتمع الإنساني الحديث ، وباتت اللغة في أمس الحاجة إلى منظور جديد ، منظور يعيد النظر في جميع جوانب المنظومة اللغوية .

     واللغة العربية هي اللغة الإنسانية الوحيدة التي صمدت 17 قرنا ، ويحيل الكاتب أسباب قصور معرفتنا بلغتنا لعدة أسباب : عدم الإلمام بالجوانب العديدة لإشكالية اللغة ، قصور العتاد المعرفي لمعظم منظرينا ، خطأ التشخيص لدائنا الغوي .

     وقد تعاظمت اللغة في عصر المعلومات لأسباب منها : محورية الثقافة في منظومة المجتمع ، ومحورية اللغة في منظومة الثقافة : فقد أصبحت معالجة اللغة آليا بواسطة الكمبيوتر هي محور تكنولوجيا المعلومات ، واستحدثت لنفسها أدورا جديدة ليبرز دورها الاقتصادي والسياسي .

      الأبعاد اللغوية لظاهرة العولمة : فمن المتوقع أن يتخذ أنصار العولمة من علوم اللغة مرتكزا أساسيا لعولمة الثقافة .

     تواصل لغوي أوسع نطاقا وأكثر توعا : فنتيجة للتواصل عبر الإنترنت بصوره المختلفة سيولد اسلوب جدي يطلق عليه أسلوب " الكتابة المحضة " هذا الأسلوب سيكشف النقاب عن مناطق مجهولة عن علاقة الشفاهة بالكتابة .

     وعلى المستوى العربي يرى الكاتب : أننا نعاني من غياب إرادة الإصلاح اللغوي ، ومظاهر تقاعسنا اللغوي عدة منها : سياسات لغوية حبيسة الأدراج لاترى النور ، ومجامع لغوية ضامرة السلطات ، وتعليم غير متجاوب ، وتعريب متعثر يواجه معارضة شديدة . وثقافة لغوية غائبة ، ووعي غير كاف على مستوى القيادات السياسية بخطورة المسالة اللغوية.

      وعن عالمية العربية وتحديات العولمة : تتعرض العربية لحركة تهميش نشطة ، بفعل طغيان اللغة الإنجليزية .

     أما بالنسبة للتكتل والتشتت : مهما تعددت اللهجات العربية لايمكن مقارنتها بحدة التعدد اللغوي لبلد واحد مثل نيجيريا ( 400 لهجة ) . ويمكن أن يكون هذا التنوع اللغوي مصدرا للثراء الثقافي شريطة أن نقوم باستئناس مظاهره واستخلاص القواسم المشتركة التي تربط بين اللهجات .

     ويشير الكاتب بأننا في حاجة إلى نظرة أشمل إلى اللغة العربية ، وعلاقتها بفروع المعرفة المختلفة .وضرورة عودة الوصال بين العربية والفلسفة .

     وعن علاقة العربية بمنظومات اللغات الأخرى : يقترح الكاتب لتوطيد هذه العلاقة : الاهتمام بالترجمة ، والتوسع في الدراسات الللغوية والمقارنة والتقابلية .

     وعن نظام قواعد العربية فمازال جامدا منذ قرون ، فقد أغفل المنظرون العرب النقلة النوعية التي أحدثتها الثورة العلمية في مجال اللسانيات .

ثقافة التربية

     يشهد التاريخ على محورية التربية في صنع الإنسان وبناء المجتمع .وتحتل التربية موقعا بارزا  في دساتير الشعوب ومواثيق الثورات وحركات الاصلاح الإجتماعي والديني ، وهكذا فهي شاغل الجميع ، وستظل التربية مخرجا لإصلاح خرائب الأباء ، وما إن تنتاب الشعوب المصاعب والمحن ، حتى نستمسك بالتربية ، وتسعى الولايات المتحدة جاهدة لعولمة التربية .

     وعن التربية وأهميتها من المنظور العربي ، فيشهد تاريخنا العربي والإسلامي الحديث كيف كانت التربية ركيزة أساسية من ركائز ثوراته .وليس لنا سوى التربية مخرج لانتشال أمتنا العربية من أزمتنا الراهنة ؛ فالتربية هي مداخلنا إلى تنمية شاملة وصامدة ، ودرعنا الواقي ضد الاكتساح الثقافي في عصر العولمة ، وأهم أسلحتنا في مواجهة التفوق الإسرائيلي العلمي والتكنولوجي  ، فهدف إسرائيل فرض التطبيع علينا ، من خلال تغييب مناهجنا التي تخلو من صلاح الدين وحطين .

     والتربية : ذلك اللغز المجتمعي ، منظمومة غاية في التعقيد ، بسبب غابة التداخلات بين عناصرها الداخلية ( المعلم والمتعلم والمادة والمنهج  ) وفشل محاولات إصلاح يرجع لعدة عوامل أهمها : معظم محاولات الإصلاح تأتي من القمة أو من خارجها ، والمقاومة الداخلية التي تبديها مؤسسات التربية ضد التغيرات الجذرية ، كون التربية شريدة معرفيا .. تتنازعها علوم الإنسانيات . وهكذا تاهت نظرية التربية بين عدم الاستقلال وعدم الاستقرار .

    وتتخبط منظومة التربية العربية وترجع أزمتنا التربوية إلى أسباب كثيرة منها : غياب فلسفة اجتماعية نبني عليها فلسفة تربوية ، الأسلوب المتبع في ملء الفراغ التربوي بالاستعارة من الغرب ، ندرة جهود التنظير التربوي ، الخلط بين الغايات والمقاصد والإجراءات والوقوف عند حدود العموميات ، التمسك بأفكار بالية مثل أساليب الحفظ والتلقين .

     ويطرح الكاتب مسار تطور فلسفة التربية العربية بدءا من الفلسفة الدينية الأخلاقية ، والعقلانية الروحية ، والبراجماتية ،ثم التبعية التربوية ، ويلخص أهم الملامح البارزة لتاريخ فكرنا التربوي : ثمة تشابه ما بين النمط العالمي العام لتطور الفلسفة التربوية ونمط المنظور العربي ، لم يحدث التراكم في الفكر التربوي ومآل ذلك هو التبعية ، سبق ابن خلدون في تناول العلاقة بين التربية والقوى الاجتماعية ، يتضمن تراث التربية العربية كثيرا من الأسس والمبادئ التي تتفق وتوجهات تربية عصر المعلومات .

     وهناك شبه اتفاق على ثلاث غايات رئيسية لابد أن تفي بها التربية في كل عصر وهي : إكساب المعرفة ، التكيف مع المجتمع ، تنمية الذات والقدرات الشخصية .

     والغايات الأساسية لتربية عصر المعلومات من منظور عربي يصيغها الكاتب في مصفوفة كما صاغها تقرير اليونسيكو في أربع : ( تعلم لتعرف / لتمل / لتكون / لتشارك الآخرين . والكاتب وضع في المصفوفة مجموعة من المبادئ التي ترسخ وتنمي وتربط بين التربية والمجمتع .

     يجب أن تعلم لتعرف ، بعد أن أصبحت الأولوية للكيفية التي نحصل بها على المعرفة وكيفية إتقان أدوات التعامل معها ، وأصبح تراكم المعلومات لايعني زيادة المعرفة ، ولم تعد خريطة المعرفةجزرا منعزلة بل منظومة شديدة الاندماج تسعى لتكامل المعرفة واتساع نطاقها ، وأن يكتسب المتعلم مناعة الصمود أمام الصعب والغامض والمشوش ، وأن ننمي المهارات الذهنية .

     ومن المنظور العربي نجد : طغيان المادة التعليمية على أساليب الفكير ، فتكتظ مناهجنا بمادة تعليمية متضخمة على حساب تنمية مهارات التفكير . مادة أسيرة التخصص ، وعزوف معظم معلمينا عن مواصلة التعليم ، وغياب مفهوم تنمية المهارات الذهنية في ظل أسلوب التلقين والحفظ . وتسرب العقلانية إلى حرمنا التربوي ، وأخطرها ممارسة التفكير الغيبي في مجال البحث العلمي .

     أما عن تعلم لتعمل ، فلا لنا من التعامل مع عالم الواقع وعوالم الفضاء المعلوماتي ، ولابد من السمو بالذكاء الطبيعي ليتفوق على الذكاء الاصطناعي .

     وعلى المجتمع العربي أن يواجه العوالم الخائلية ، وطبقية مجتمع التعلم ، وأن يستحدث أساليب منهجية مغايرة لمواجهة ذلك .ثم يدخلنا الكاتب في دهايز تعلم لتكون ، وتعلم لتشارك الآخرين ، وفكر التربية، واللغة والتربية، والإعلام والتربية، ونظام القيم والمعتقدات والتربية، وكل هذا يحتاج منا لدفعة قوية ، والتغيير الجذري لنواجه هذا البركان النازح في عصر المعلومات .

ثقافة الإعلام

     لقد نجمت تغيرات جوهرية في دور الإعلام ، جعلت منه محورا أساسيا في منظومة المجتمع ، فهو اليوم محور اقتصاد الكبار ، وقد ساد الإعلام ووسائله الإلكترونية الحديثة ساحة الثقافة ، وهناك عوامل رئيسية لثورة الإعلام والاتصال منها : العامل التقني الهائل في تكنولوجيا الكمبيوتر ، والعامل الاقتصادي المتمثل في عولمة الاقتصاد ، والعامل السياسي المتثل في الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام .

      وعن تناقضات الإعلام الحديث يذكر الكاتب أن تناقضه يكمن في حيرته بين رسالة الإعلام وهوى الإعلان ، وبين مصالح الحكام والحرص على مصلحة المحكومين ، ومابين غايات التنمية الاجتماعية ومطامع القوى الاقتصادية .

      وعن ثورة الإعلام والإتصال من منظور عربي : فهناك صدمة إعلامية بعد أن فقد إعلامنا العربي محوره ، وأضحى مكبلا بقيود السلطة ، ويواجه عصر التكتلات الإعلامية مشتتا . وغياب التنظير الإعلامي ، فخطابنا الإعلامي يخلط مابين الغايات والسياسات ، وعلى المستوى الأكاديمي ، فإن كثيرا من أهل التخصص تعوزهم العدة النظرية والخلفية المعلوماتية لتناول قضايا الإعلام الحديث . وعن التناقض الجوهري بما يسوده من طابع ترفيهي على حساب المهام الأخرى .

   ويؤكد بأن الأعلام أصبح لعبة الكبار ومأزق الصغار ، وتأكيدا لهذا الاحتكار يذكر الكاتب أن : 4 وكالات عالمية تمتلك 80% من فيض المعلومات ، و4 مجموعات إعلامية رئيسية تتحكم في 905 من الصحف الابريطانية ، 10% من شركات الإعلان الأمريكية تسيطر على 80% من إجمالي الإنفاق الإعلاني في الولايات المتحدة والذي يصل إلى 250 مليار دولار سنويا .

      ولاجدال في أن أخطر أنواع الاحتكار هو ذلك الخاص باحتكار المحتوى ( مضمون الرسالة الإعلامية ) من الموسيقى والأغاني والأخبار والأفلام .

     وهناك اتفاق محموم صوب الاندماج ، والاحتكار والاندماج لهما بمنزلة نذير نهاية المعلومات . وقد أوشكت دول العالم النامي أن تفقد استقلاليتها الإعلامية .

     أما عن ملامح المشهد الراهن للإعلام العربي ، فيصفه الكاتب بالمشهد الحزين لأسباب عدة منها : سياسات إعلامية تشكو من انفصام حاد بين الغايات والإمكانات وبين الشعارات والممارسات ، قصور شديد في البحوث النظرية في مجال الإعلام ، نصوص تؤكد حرية التعبير والنشر ، وتتضمن عبارة ( بما لايتعارض والمصلحة العامة ) ، صحافة رسمية وإذعات موجهة ، وتدفق إعلامي غائب أو شبه غائب بين الدول العربية ، اهتمام ضئيل بشؤون الإعلام من قبل القائمين بالتنمية ، صناعة إعلام تكاد تكون غائبة ، إعلام فضائي مهاجر .

     ثم يدلف بنا الكاتب إلى فكر افعلام ، ولغة ا‎لإعلام ، والإبداع والإعلام والتربية والإعلام ، ونظام القيم والمعتقدات والإعلام والتراث والإعلام واتنعكاسات الإنترنت  على الوسيط الإعلامي ، موضحا نقاط الضعف العربية ، وما يقترحه للنهوض بالإعلام العربي .

منظومة القيم والمعتقدات

     يقذف الكاتب بالحقيقة في وجوهنا عندما يؤكد بأن حياتنا المادية على تكنولوجيا غاية في النجاح ، في حين تئن حياتنا الروحية تحت وطأة الخواء .

     وقد أثبت علماء الإنثربولوجيا وعلم الاجتماع ما للدين من أهمية في منظومة المجتمع ، فهو ليس مجرد ظاهرة نفسية ، بل هو أحد الثوابت الاجتماعية التي لم تضمحل مع التقدم العلمي .

     وبات لزاما على العلماء النزول من الرج العالي ليواجهوا مسؤولياتهم نحو ما يمكن أن يؤدي إليه الاستغلال غير الأخلاقي لنتاج فكرهم ، بعد أن أرتكبت حضارة العصر خطايا حذرنا منها ( غاندي ) : سياسة بلا مبادئ ، وتجارة بلا أخلاق ، وثروة بلا عمل، وتعليم بلا تربية ، وعلم بلا ضمير ، وعبادة بلا تضحية .

     لقد صرنا نرهب النجاح بقدر مانخشى الفشل ، إنها تكنولوجيا مصابة بداء الحصاد - كما وصفها هيدجر -، والبشرية في حاجة إلى هداية جديدة ، وربما يفسر ذلك تيار الصحوة الدينية ، الذي يشهده العالم حاليا . ولابد أن يختلف موقفنا -كعرب ومسلمين - عن علاقة الدين بالعلم والتكنولوجيا ، لأسباب منها : عدم حسم كثير من الأسئلة المتعلقة بعلاقة الدين الإسلامي بالحداثة ، لايمثل العلم والتكنولوجيا في العالم العربي  -حاليا- الثقل اللازم كي يكون طرفا متكافئا في المعادلة العلمية الدينية ، بينما يبحث الغرب عن قيم جديدة يواجه بها عصر المعلومات ، نجد أن شاغلنا الأساسي ، هو الدفاع عن قمينا ضد الخطر الوافد .

     ولاجدال في أن الإسلام يمثل منهلاً خصبا لإحياء قيم عصرنا ، ولكن ذلك يحتاج لجهود بحثية ، وبالتالي إلى إعداد نوعية جديدة من الباحثين الدينيين على طراز عصر المعلومات قادرين على الجمع بين علوم الدين والدنيا ، حتى نواجه الغرب الذي مازال يصور الإسلام على أنه الخطر الأخضر الذي يقف عائقا في مسيرة العولمة ، وتهديدا لسلام العالم .

      وعلينا أن نسعى لنجعل الدين دافعا لاعائقا ، فمازلنا لا نفرق بين عالم الأخلاق والداعية الأخلاقي ، وفكرنا الديني يرفض معرفة ذاته برفضه لفكر ىلآخر ، على عكس الفكر الغربي الذي لاتكتمل صورته عن نفسه ، إلا من خلال استعابه لفكر الآخر .

      ولاشك إن حسن استغلالنا لتكنولوجيا المعلومات هو وسيلتنا إلى اختصار المسار العلمي المنهجي ، وتوفير البنية التحتية للتنظير الديني الذي يتعامل مع ظاهرة الدين في سياقها الاجتماعي الشامل .

     أما عن علاقة اللغة والدين ، فيجب علينا أن نحذر هذا التفرد اللغوي ، ونسعى إلى تأصيل الوضع العالمي للغة العربية ، من خلال الدراسات المقارنة والتقابلية ، واستغلال التنوع الثقافي على مدى العالم الإسلامي لإغناء الثقافة العربية/ الإسلامية ، وزيادة الترابط بين شعوب الأمة الإسلامية .

      وعلى مستوى الإبداع : فنحن في حاجة إلى أن يتحول ديننا إلى مصدر إلهام لمبدعينا ، ونتخلص من تلك المفاهيم الخاطئة التي تقول أن نصوصنا الدينية جاءت قاطعة جامعة .ويطالبنا الكاتب بإستخدام كل طرق تكنولوجيا المعلومات من أجل الدعوة وتوصيل الخطاب الإسلامي والحوار بين الديانات ، والعمل على توصيل صورة واضحة عن الإسلام بكل اللغات الحية ، وإقامة قواعد بيانات وبنوك مصطلحات وخرائط وقواعد لكل ما يدعم الرسالة الإسلامية .

ثقافة الإبداع الفني

     كادت تكنولوجيا المعلومات أن تفصم عرى العلاقة بين المبدع وعمله ، بعد أن جعلت العمل الإبداعي جماعيا . ومن جانب آخر فإن ثقافة المعلومات تنحاز للعامة على حساب النخبة ، ولكن كيف يمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تشحذ من ابتكارية المبدع ، علينا النظر إلى العملية الابتكارية في إطار ثلاثية : ملكة الحدس ، ومهارات معالجة المعارف ، والقدرة على حل المشكلات . لقد أسقطت تكنولوجيا المعلومات كثيرا من القيود التي تكبل الفنان ، فحررت فنان التشكيل من قيود إطار اللوحة وثنائية أبعادها ، وحررت فنان الموسيقى من سطوة الآلات ، وحررت الأديب من خطية السرد المكتوب ، ووفرت لمبعي السينما والدراما وسائل لم يكن يحلم بها ،.

    ومن المنظور العربي فإن علاقته الفن بالتكتنولوجيا تحتاج لوقفة : فمازالت تتمثل لنا ظاهرة لم تنغرس بعد في تربتنا ، وغياب مفهوم تكامل الفنون ، وتفشي نزعة الإستيراد ، والخصومة المفتعلة بين العلم والدين .

      وعن علاقة الفكر بالفنون ، فيؤكد الكاتب سبق العرب الأوائل في هذا المجال وعلى رأسهم ابن سينا والكندي والفارابي ،

وعن اللغة والإبداع الفني ، فيذكر الكاتب أن اللغة أملنا في إحياء الإبداع ، فتراثنا اللغوي هوأهم مواردنا التراثية .

     وحتى ننمي الإبداع الفني لابد من ربطه بالتربية عن طريق : إنشاء معاهد متخصصة في فنون الكمبيوتر ، وربط المدارس والمعاهد بمراكز الفنون ، وإدراج التذووق الفني ضمن مناهج الدراسة ، وإحياء المسرح المدرسي ، وتوعية مبدعينا بتطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مجالات الفنون المختلفة.

    ويؤكد الكاتب بأن تراثنا الإبداعي العربي ، تجاوز حدود ديارنا خاصة في مجالات العمارة والخط العربي والزخرفة العربية .

     وفي نهاية هذا الكاتب الذي بلور تاريخ الإنسانية الثقافي يطرح السؤال الهام : من أين يبدأ ، ويجيب بإختصار شديد : أن البداية في التربية .. والمدخل إليها هو اللغة ، وركيزة كلتيهما هي الثقافة ، ثقافة تكامل المعرفة وصدق الإيمان ، وكلاهما رهن بتوافر الحرية .

     إنها كلمات بلورت كل ما طرحه الكتاب من رؤية ، في هذا الكتاب المتشعب العناوين والموضوعات ، الذي طرح لنا رؤية جادة وصادقة لمستقبل الخطاب الثقافي العربي ، وطرح العديد من الأسئلة التي تستحق منا أن نتوقف عندها كثيرا ونعيد طرحها على أنفسنا بعد أن نخلع ثوب المصلحة الخاصة  ونرتدي ثوب المصلحة المشتركة / العامة .


محمود رمضان محمد الطهطاوي

 
 
  الرئيسة  
  ذوب القلوب
 الرسائل
 
     البريد المباشر  
  الشعر  
  الرواية  
  المسرح  
  القصة  
  مداخلات نقدية  
  الدراسات والبحوث  
  همس التواصل  
  بريد الكتاب والأدباء
  أخبار المعرفة والإبداع
  الدوريات الثقافية
  توثيق العضو الجديد 
  باحة الأعضاء
 

 

 
     
     
 

وكالة آرس

 
 

غابة الدندنة

 
 

عن المحرر

 
 

شاهد صفحتك

 
 

مقدمات

 
 

وقفة تقديم 

 
 

انصهار الذات .. امتزاج القصيدة 

 
 

 نحو منهج نقدي 

 
 

شعر الفصحى

 
 

د. محمد أبو دومة
بين ليلى وفاليري

 
 

مشهور فواز
ظاهرة التمرد

 
 

سعد عبد الرحمن
حدائق الجمر

 
 

المنجي سرحان
فلسفة الحزن

 
 

حزين عمر 
محطات وهج القصيدة

 
 

عبد الناصر هلال
ترويض الذات

 
 

محمد خضر عرابي
الرقص في حانة  الوجع

 
 

بهاء الدين رمضان
صباح العشق

 
 

عارف البرديسي 
المشي على البكاء

 
 

أحمد جامع
اشتعال القصيدة

 
 

شعـر العـامـية

 
 

أحمد المنشاوي

 
 

عشري عبد الرحيم

 
 

محمد محمدين

 
 

محمود المزلاوي

 
 

سماح عبد العال

 
 

عـروض نقدية 

 
 

محمد خليفة الزهار
قصائد من ديوان الموت والوجع

 
 

مستقبل الثقافة العربية

 
 

تكنولوجيا أدب الأطفال

 
 

موسيقا للبراح والخديعة

 
 

طالع المزيد

 
 

الروايات

 
 

يا عزيز عيني

 
 

للعشق أوجاع.. هذه منها 

 
  طالع المزيد  
     
     
     
     
 

النصوص المسرحية

 
 

الخروج إلى القلعة

 
 

مونودراما عـطاف

 
  طالع المزيد  
     
     
     
 

التراث العربي

 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
  online = خدمات ثقافية  
  owner = المواقع الأدبية  
  moderator =المجلات الإلكترونية